رأي

محمد أرسلان علي يكتب.. أوكرانيا ضحية صراع انتهازية روسيا ونفاق الناتو

في 21 فبراير وخلال لقاء متلفز له أعلن الرئيس الروسي بوتين عن اعترافه باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وبعد سويعات بدأت القوات الروسية بقصف أوكرانيا ودخول قوات من الجيش الروسي إلى بعض المدن والبلدات الأوكرانية، ولا زالت الأحداث تتوالى تباعاً والعالم يعيش صدمة هذه العملية وجدواها في هذه الفترة. وفي الثاني من أغسطس احتلت قوات من الجيش العراقي وبأوامر من صدام دولة الكويت واستغرقت العملية العسكرية يومين، وانتهت بإستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس، ثم شكل صدام حكومة صورية في الكويت برئاسة العقيد علاء حسين خلال 4 – 8 أغسطس، تحت مسمى جمهورية الكويت ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990، وعليه تم ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت.

أوكرانيا ضحية صراع انتهازية روسيا

كثيرة هذه التحليلات والتصريحات الصادرة عن طرفي الصراع والنزاع على أوكرانيا وخاصة إن كان من قبل روسيا ومن يقف بصفها، أو أمريكا وأوروبا ومن يدورون في فلكهم، لتبقى أطراف ودول أرادت أن تمسك العصا من منتصفه ولم يصدر عنها سوى تصريحات خجولة لا تريد إزعاج أي من طرفي الصراع والهيمنة.

اعتبر صدام أن سبب احتلاله للكويت ما هو إلا استرجاع لحقيقة تاريخية وجغرافية وهي أن الكويت كانت دائماً جزءاً لا يتجزأ من العراق، وأن العائلة الحاكمة في الكويت كانت تعمل على استفزاز العراق وخاصة من ناحية الديون وعدم دعم صدام من الناحية المالية وسرقة النفط.

في عام 1932م منحت المملكة المتحدة العراق استقلاله. في حين استقلت الكويت عام 1961م وبعد أسبوع واحد من إعلان استقلال الكويت عقد عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفيا في بغداد يطالب بالكويت مهدداً باستخدام القوة، لتندلع بذلك أزمة سياسية بين البلدين عرفت أزمة عبد الكريم قاسم. وقد حاولت القيادة العراقية إضافة لمسات قومية لهذا الصراع فقامت بطرح فكرة أن الكويت كانت جزءا من العراق وتم اقتطاع هذا الجزء من قبل الإمبريالية الغربية حسب تعبيرها. كانت ادعاءات عبد الكريم قاسم تتركز بأن الكويت كانت جزء من العراق وقام بفصلها الاستعمار البريطاني على الرغم من استقلالية الكويت من الحكم العثماني. قامت الجامعة العربية بالتدخل لمواجهة تهديدات عبد الكريم قاسم وأرسلت قوات عربية من السعودية والجمهورية العربية المتحدة والسودان إلى الكويت. في 4 أكتوبر 1963م اعترف العراق رسمياً باستقلال الكويت واعتراف بالحدود العراقية الكويتية.

الحجة التي تم تصديرها للاعلام هي أحقية العراق في ضم الكويت اعتماداً على وثائق تاريخية تُثبت هذه الحقوق، وأن الاستعمار الغربي هو من عمل على تقسيم المنطقة من أجل أجنداته وأطماعه. لكن لتبقى الحقيقة غير ذلك وهي البحث أو السيطرة على آبار النفط والموانئ، التي كان العراق بحاجة لهذه الخيرات المادية كي يعيد ما دمرته الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت على مدار ثماني سنوات. ولتبقى خلافات انتاج النفط والبترول وأزمة الديون هي أحد أهم الأسباب التي دفعت صدام لغزو واحتلال الكويت.

الآن وبعد ثلاثة عقود تقريباً تتشابه الأسباب والتصريحات التي أطلقها بوتين والمسؤولين الروس حول الأسباب التي دفعتهم للاعتراف جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وغزو أوكرانيا. بدأها بوتين في كلمته التي استمرت أكثر من ساعة والتي بدأها بالحقائق التاريخية والجغرافية وكذلك شكك في تمتع أوكرانيا بمقومات الدولة في خطابه. ووصف بوتين أوكرانيا بأنها دولة أقامتها روسيا إبان حكم الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، مضيفاً أن تماثيل لينين تم تدميرها هناك كعلامة على “تفكك الشيوعية”، مشيراً إلى تمزق المعالم الشيوعية منذ الاستقلال. وقال بوتين “نحن مستعدون لنكشف لأوكرانيا المعنى الحقيقي لتفكك الشيوعية”. وأضاف إن أوكرانيا لم يكن لديها أبدا “دولة حقيقية” وإنما قامت باستنساخ نماذج لإنشاء دولة قومية.

وأكَّد بوتين في خطابه أنَّ لبلاده “رابطاً كبيراً بالشعب الأوكراني، لا يمكن لأحدٍ أن يمحوه”، مشيراً إلى أنَّ الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف “ستالين ضمّ، تاريخياً، إلى أوكرانيا مناطقَ من بولندا ورومانيا، وضمَّ إليها القرم”. وأوضح أنَّ “الوحدات الأوكرانية تشارك في تدريبات حلف الناتو، ويمكن قيادتها مباشرةً من مقارّ الحلف”، مبيّناً أنَّ “الحلف الأطلسي يستخدم الأجواء الأوكرانية من أجل استطلاع الأراضي الروسية”، وأضاف أنَّ “ما يجري الآن في أوكرانيا هو تبديل تسمية القواعد العسكرية للناتو ببعثاتٍ عسكريةٍ”. وأكّد أنَّ “انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف شمال الأطلسي يشكّل خطراً على روسيا”.

نفس الحجج يتم تسويقها حينما تتشابه النوايا في الاستحواذ على منابع النفط والبترول واحتلال بلاد الغير بهدف رفع سقف النهب وتكريس الاستبداد والسلطة على حساب المجتمعات والشعوب، وكل ذلك يتم من خلال دغدغة المشاعر الدينية والقومجية، إن كان قد استخدمها صدام أو بوتين الآن. عقود ثلاث مرَّت ولكن عقلية الهيمنة وجنون العظمة لا زال يدغدغ التاريخ والجغرافيا في أوهام الحكام.

كذلك تتشابه تصريحات الدول الغربية بريطانيا وأوروبا وأمريكا والناتو حينما اجتاح صدام الكويت والآن وهم لا زالوا يدلون بنفس التصريحات والتنديدات ضد بوتين. قالتها السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي والتي التقاها صدام في 25 يونيو وقالت له أن: “أمريكا ليس لها رأي بشأن صراع عربي – عربي”. وهو ما فسره الكثيرين حينها على أنه ضوء أخضر أمريكي لصدام لاحتلال الكويت، وهو يتشابه مع تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن حينما يقول: “لن نتدخل عسكرياً بشكل مباشر ضد روسيا، أن روسيا ستدفع ثمناً أكبر إذا واصلت عدوانها، بما في ذلك التعرض لعقوبات إضافية. ستواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدة الدفاعية لأوكرانيا في غضون ذلك، وسنواصل تعزيز حلفائنا في الناتو وطمأنتهم”. هذا كل ما في الأمر أنها مجرد عقوبات اقتصادية وتقييد تحرك بعض من المسؤولين. أكثر من سبعة أشهر تم فرض حصار اقتصادي على العراق حتى كان موعد تحرير الكويت وتشكيل تحالف دولي من أجل ذلك.

الحرب العالمية الثانية كانت مسرحها يوغسلافيا وبطلها هتلر الذي أراد أن يسيطر على أوروبا وروسيا. ولربما تكون أوكرانيا هي المسرح فقط للبدء بالحرب العالمية الثالثة والتي ستكون تداعياتها على العالم كله وبداية تشكيله من جديد وفق أجندات المنتصر/ين فيها. الحرب العالمية الثانية بدأت من يوغسلافيا ولكنها لم تنتهي إلا في مدينة العلمين المصرية الواقعة على البحر المتوسط، أوكرانيا بدأت منها شرارة الحرب ولكن أين ستكون نهايتها، هذا ما ستحدده قادم الأيام.

أراد صدام أن يكون رمز العرب وبطلها في حربه مع إيران ومقارعته التحالف الدولي وبعد ذلك رميه لعدد من الصواريخ الباليستية على إسرائيل، لكن نهايته المأساوية تابعناها جميعاً، وكيف أنه عند قوى الهيمنة لا يمكن لعصر البطولات أن يعود مطلقاً، وأن كل ما هنالك أنه لك وظيفة ستؤديها وسينتهي دورك وفق ما نريد ويتم التضحية به، كما كان صدام الذي قُدِم قرباناً في يوم الأضحى إيذاناً ورسالة على أن زمن البطل والرمز وقائد العرب قد ولى، وأن زمن الدولة القومجية الشديدة المركزية أصبح من الماضي. هل سيتكرر نفس السيناريو مع بوتين خلال السنوات القادمة وفق سيناريو معدّ له مثيل لما كان لصدام، ربما. أم أن بوتين الذي لم يتقبل الثورة البلشفية واعتبرها خيانة بحق روسيا القيصرية، لتخليها عن الكثير من الأراضي في إيران وتركيا بعدما انسحبت من اتفاقيات سايكس بيكو، والذي يسعى بوتين لاسترجاع تلك الأراضي ليحول روسيا لندٍ وقوة مهيمنة تنافس أمريكا.

في ظِلِ هذا التنافس غير البريء بين قوى الهيمنة بكل تأكيد ستكون له تداعياته على دول العالم بشكل عام من الناحية السياسية والاقتصادية، وربما تنفلت زمام الأمور وتذهب كل دولة تبحث لها عن موطئ قدم لها في خارطة المستقبل التي سيتم نقشها وفق مصالح المنتصرين في النهاية. وأكبر مشكلة ستواجهها الدول والشعوب هي ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية من قمح وبترول على وجه الخصوص. وهو لب الصراع ما بين روسيا وامريكا. حيث تسيطر روسيا على تصدير القمح بنسبة سبعون بالمائة لدول العالم، بينما تتحكم أمريكا بتصدير البترول والنفط والغاز في العالم.

كل الاحتمالات موجودة في زمن الفوضى الذي نعيشه هذا. فالصراع بين روسيا وأمريكا والصين بكل تأكيد ليس له أية علاقة من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان ونشر الكرامة والحرية، وليس له علاقة بالتاريخ والجغرافيا التي يتقن كلماتها لصوص ومافيات السلطة، بقدر ما هو إعادة توزيع الأسواق واسترقاق الشعوب من جديد تحت مسميات وحجج مختلفة ليبقى الجوهر هو الأساس، لسرقة خيرات المجتمعات وجهدهم وعملهم وفكرهم. إنه صراع الرأسمالية الصاعدة في روسيا والصين مع الامبريالية التي تسعى للحفاظ على وجودها تجاه تصاعد هاتين القوتين، لتبقى الضحية أوكرانيا التي أرادت أن تستظل بنفاق الناتو على حساب انتهازية القيصر. إلى أين سيقود البشرية هذا الصراع؟ وأين هي الشعوب من هذا الصراع؟ أم أنه ستكون هناك كلمة تقولها المجتمعات والشعوب وتقول “نحن أيضاً هنا”، ولتكن لنا مساحتنا التي نتحرك فيها بحريتنا بعيداً عن صراع الهيمنة الذي تعيشونه.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى