أسماء عصمت تكتب.. منحة منتصف العمر!!
ما بين المنع والمنح والعسر واليسر والانتصارات والانكسارات تسير رحلة الحياة..
وعلى مر السنين تترك الرحلة ندباتها وجروحها داخل أرواحنا.
هناك من يداوي تلك الجروح أولا بأول فيكون معافى وناضجا وقادرا على استكمال المشوار دون خلل يصيب حياته..
وهناك من يداري ويكتم إلى أن يأتي وقت الانفجار الأعظم!! انفجار المشاعر الغاضبة وغير الراضية عما بداخل روحك المتألمة.. انفجار الرفض، أو لنقل كما ينعتها علماء النفس بأزمة منتصف العمر!!
هذه الفترة التي يتعرض فيها الإنسان -رجلا كان أم امرأة- لزلزال في حياته، ويشعر أنه مختل لا يستطيع استكمال المشوار مع شريك حياته بنفس الوتيرة التي اعتاد عليها طوال سنوات عمره الماضية التي تُقدر بنصف عمره تقريبا، وأهم ملامح هذه الأزمة معركة من التساؤلات والتراشقات مع النفس تنتظر الأجوبة!!
اقرأ أيضا: أسماء عصمت تكتب.. فلسفة الحياة الصحية
في عام 1965 لفت نظر المحلل النفسي الكندي والمحاضر بجامعتي تورنتو وهارفارد “إليوت جاك” قلة إنتاج مجموعة من المبدعين بعد بلوغهم سن الأربعين، وتكرر المشهد بمراقبة أكثر من مجموعة، كلٌ في مجاله..
استوقفت هذه الملاحظة عالم النفس الكندي الذي بدأ يبحث في الأمر ويمنح له وقتا وبحثا واهتماما.. وخرج من دراساته بأن الإنسان يمر بأزمة نفسية حادة وعميقة ما بين سن الأربعين والخمسين، حيث يبدأ في الحديث مع نفسه ويسألها عدة تساؤلات: من نكون؟، وماذا فعلنا بحياتنا؟، وماذا فعلت الحياة بنا؟، وهل نحن راضون عما نحن فيه، أم أن هناك نسخة أفضل منا يجب أن نكون عليها، ورحلة أفضل من رحلتنا يجب أن نستمتع بها؟
ويظل الإنسان في هذا النزاع مع النفس حتى تلتقطه يد تعينه أو يعين هو نفسه لو كان ناضجا بالقدر الكافي.. أو تنهار حياته وتموت مشاعره ويستكمل سنوات عمره فاقدا لشغف الحياة يعيش أياما تشبه بعضها البعض، حتى يصل إلى محطته الأخيرة دون متعة أو شغف أو حب لما يعيشه ولمن يعيش معهم.
وهذا يفسر ما نشاهده من ظواهر اجتماعية كثيرة نبحث لها كثيرا عن شرح ونتعجب من حدوثها.. فنرى زوجات لجأن إلى طلب الطلاق أو الخلع بعد عِشْرة دامت سنوات عديدة، والسبب أن المرأة سألت نفسها وأجابت بصراحة هل هذه هي الحياة التي كنت أتمناها؟ هل أنا سعيدة وراضية عما أحرزته؟ هل أنا مع الرجل الذي يقدرني إنسانيا ومجتمعيا؟
وعلى الجانب الآخر يلجأ بعض الرجال في هذه المرحلة “أزمة منتصف العمر” لزيجة ثانية أو نزوة أو زواج في السر لأنه يرى أن حياته يجب أن تكون أفضل مما هي عليه، وأنه لا يشعر برغبته في الاستمرار في هذه المؤسسة الاجتماعية “الأسرة” ويشعر أنه عاش كل سنوات عمره مع زوجته أم أبنائه بقوة الدفع الذاتي، وكأنه ترس ضمن مجموعة تروس في آلة لابد وأن تعمل وتسير وتتحمل، بغض النظر عن مشاعره وأحاسيسه وأحلامه التي ربما تتحقق مع أخرى.
والسؤال الذي لابد وأن نوجهه لأنفسنا هل من الممكن أن تمر أزمة منتصف العمر بسلام وتتحول من محنة إلى منحة؟ بالفعل يمكن أن يحدث ذلك، ولكن لابد وأن تعلم جيدا أنك أنت الوحيد القادر على تحويل أزمة منتصف العمر لمنحة، وتمنح لنفسك تأشيرة لحياة جديدة رائعة الملامح.. فكلنا مهددون ومعرضون لهذه الأزمة بعد الأربعين، ولكن بإمكاننا أن نحول هذه الأزمة من محنة قاسية إلى منحة رائعة.. فمنتصف العمر فرصة لإعادة الفهم العميق والتقييم الجيد لحياتك..
الرجل عليه أن يتحسس هذه الفترة في عمر المرأة ويقف بجانبها ويحميها من التفكير المفرط ويمنحها مساحة كافية من الاختلاء بنفسها وإحاطتها بمزيد من المشاعر الطيبة ولا يهاجمها وينعتها بصفات يشكك فيها من قواها العقلية أو الجنسية أو الأنثوية من قبيل “دي أعراض سن اليأس”.. “إنتِ هتاخدي زمنك وزمن غيرك”.
أما المرأة فيجب عليها إذا استشعرت تغيرات على الزوج وابتعاده عنها لفترات طويلة مراجعة نفسها وسلوكها تجاهه ومنحه مزيدا من الاهتمام وتخصيص وقت خاص للتحدث معه ومشاركته خطط حياته الخاصة والسؤال عن مشاريعه القادمة في الحياة..
وحذار يا معشر النساء إلقاء اتهامات تطعن في الزوج عند مروره بهذه الأزمة، كاتهامه بأنه يعيش مرحلة مراهقة متأخرة، أو أن تنعته المرأة بقولها “إنت شايب وعايب”.
ونهاية..
كن كتفا يستند عليه شريك الحياة، فهذا هو الطريق الوحيد الذي ينهي أزمة منتصف العمر بسلام لتبدأ منحة منتصف العمر.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب