رأي

جمال المحلاوي يكتب.. أسماء حروب إسرائيل الدلالات والأسباب

إن الحروب في التاريخ تحمل أسماءً مميزة، وتُمارس إسرائيل بدورها هذا الأمر منذ عام 1948، ومع تعدد حروب إسرائيل وعملياتها العسكرية، أصبح هناك عوامل يمكن أن تُفسِّر كيفية قيام إسرائيل بتسمية حروبها وعملياتها ,تُعد “وحدة الحرب النفسية” في الجيش الإسرائيلي هي المسؤولة عن اختيار الاسم الذي يتم إطلاقه على أي عملية عسكرية، وتختلف المُسميات وفقاً لطبيعة العملية، وسقفها الزمني الذي تحدده القيادتان السياسية والعسكرية. وفي بعض الحالات التاريخية، أسهمت القيادة السياسية في تسمية الحروب، خاصةً تلك التي تمت تسميتها في مراحل لاحقة بعد انتهائها.

وغالباً ما يتم توليد أسماء العمليات العسكرية، إمّا عن طريق نظام إلكتروني مشابه للنظام الأمريكي ، أو عن طريق عسكريين داخل الجيش الإسرائيلي. ففي يوليو 2014، إبان حرب غزة آنذاك التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “الجرف الصامد”، صرّح أفيخاي أدرعي، رئيس قسم الإعلام العربي في وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، بأن “أسماء العمليات يتم اختيارها من خلال الحاسوب، وأحياناً من خلال أشخاص”، مشيراً إلى أن الجيش خلال مرحلة اختيار الاسم “يجري فحصاً لمدى ملاءمته مع الرأي العام الإسرائيلي والدولي.

تعتاد إسرائيل على استخدام أسماء تحمل أبعادًا دينية أو توراتية لعملياتها العسكرية الكبرى، بهدف تعزيز الرسالة العسكرية بمعانٍ ذات طابع ثقافي وروحي، سواء كانت موجهة للجبهة الداخلية أو للخصوم.
قبل أن نعاين التسميات التوراتية، من المهم معرفة أن معظم المستوطنين الإسرائيليين، المتدينين والعلمانيين، لديهم معرفة بالعهد القديم، وهم قد تلقوا تعاليم التوراة على الأقل لمدة 10 سنوات بدءً من الحضانة، وتم اختبارهم بهذه المادة على المستوى الرسمي. وهو الأمر الذي يسمح لكافة أطياف المجتمع الإسرائيلي بفهم الحقل الدلالي للتسميات الأيديولوجية بكل وضوح، في حين ستتلقاها الفئة التي تشنّ عليها العملية العسكرية بالشعور بالغموض، وهو أمر يخدم العدو بكل الأحوال، خاصة وأن الغموض يترافق مع الرهبة.

اقرأ أيضا: جمال المحلاوي يكتب.. البلطجة الترامبية وقناة السويس

يتم توظيف الأسماء التوراتية بشكل واسع بهدف تلطيف الأحداث وتجميل الحقائق، خاصة وأن التوراة مليء بالرمزيات ذات القيم والتوجهات الإيجابية. عملية “يوآف” Operation Yoav، هي عملية عسكرية نفذت خلال حرب أكتوبر عام 1948، يوآف في التوراة كان قائد جيش النبي داوود، وأطلق هذا الاسم على قائد هذه العملية. ثمة سلاح صاروخي أيضًا أطلق عليه اسم “جبرائيل” الذي سيعطي هالة إشراقية لهذا الصاروخ.

أيضًا تقدم الأسماء التوراتية شرعية للممارسات العسكرية، عملية “عامود السحاب” عام 2012، بحسب التوراة، “كان الرب يسير أمامهم نهارا في عامود سحاب ليهديهم في الطريق”، إذًا، ترمز هذه العملية لتسديد الله لشعبه وقيادته لهذه الحرب وحمايته لهم، وبالتالي إضفاء الشرعية الكاملة عليها، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت كانت تعاني من أزمات داخلية اقتصادية واجتماعية وأمنية، لا تتحمل معها تكاليف الحرب.

أما الأكثر إثارة في مركزية الحقول الدلالية، فهي أن هذه التسميات تمزج بين إضفاء الشرعية مع إضفاء الطبيعية. فالأسماء التوراتية تثبّت وتركز الاعتقاد بالحق التاريخي الديني لإسرائيل بأرض الميعاد. فتضفي الشرعية على الممارسات العسكرية الحالية لحماية الحق “الطبيعي”، من خلال تمثيل هذه العمليات على أنها استمرارية للحملات التوراتية. فتصور استخدام القوة كجزء من المخطط الطبيعي للأشياء، وللقدر بعيدًا عن أنها مسألة إرادة إنسانية بتخطيط مسبق.

عملية “قوس قزح” عام 2004، وهي عملية توغل إسرائيلي قصير المدى في قطاع غزة، بهدف كشف مواقع الأنفاق بين غزة ومصر. هذا الاسم -قوس قزح- هو بالدرجة الأولى مستمد من الحقل الدلالي للطبيعة ويمزج بين استراتيجيات التسمية الثلاثة: إضفاء الطبيعية وإضفاء الشرعية وكذلك تجميل الحقائق، فهو يستدعي المعنى الجمالي الذي يضفي الإيجابية، وفي نفس الوقت سيستدعي لدى الإسرائيليين قصة قوس النبي نوح في التوراة الذي خرج منه أهله وبشّرهم بالولادة الجديدة، الأمر الذي يضفي الشرعية لوضع العملية العسكرية على أنها عمل دفاعي يهدف لحماية “الشعب المختار” أي “الإسرائيليين” من خطايا الآخرين أي الفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين يستخدمون هذه الأنفاق لتمرير السلاح. يرمز قوس القزح في التوراة إلى الوعد الإلهي للنبي نوح بعدم إنزال هكذا نوع من العقاب على العالم مرة أخرى.
من خلال تحليل مُسميات حروب إسرائيل وعملياتها العسكرية منذ عام 1948، يمكن القول إن هناك عدة دلالات رئيسية لهذه المُسميات، منها

– طغيان البُعد الديني: تُعد الرمزية الدينية مكوّناً أساسياً من مكونات الواقع السياسي والعسكري في إسرائيل حالياً، وهو أمر يتصاعد كلما زاد حضور المتدينين في الحياة السياسية. ولم تكن مُسميات الحروب بمنأى عن تلك الرمزية؛ بل كانت تاريخياً التجسيد الأكبر والأبرز لها، حيث تقول داليا غافريلي نوري، الباحثة بجامعة بار إيلان في إسرائيل، في خلاصة بحثها حول هذا الأمر: “إن ما يقرب من نصف العمليات العسكرية الإسرائيلية على مدى تاريخها له جذور توراتية”.

وهذه المُسميات الدينية تتم دراستها بعناية قبل أن تخرج إلى النور، وتُصمَّم بحيث تكون مُحركاً للجنود الإسرائيليين في مهامهم العسكرية. فقد حمل مُسمى “حرب الأيام الستة” عام 1967، صدى توراتياً يتعلق بالأيام الستة للخلق. وتمسكت إسرائيل بإطلاق مُسمى “حرب يوم الغفران” على حرب أكتوبر 1973، في إشارة إلى أن إسرائيل هُوجمت في اليوم الأكثر قدسية في التقويم اليهودي.

وحديثاً، أطلقت إسرائيل على حرب غزة عام 2012، اسم “عمود السحاب”؛ وهو مُسمى يحمل إشارة توراتية. كما أن مُسمى “سهم باشان” الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العسكرية في سوريا في ديسمبر 2024، هو اسم مُستوحى من التوراة ويشير إلى المنطقة الواقعة جنوبي سوريا.
دلالات رمزية وقومية: يرى الكاتب اليهودي الشهير فيلولوغوس، في إحدى مقالاته بموقع “موزاييك”، أن الإسرائيليين يميلون إلى رفض الأسماء الرمزية العسكرية، ومع ذلك فإنهم يتبنونها في بعض العمليات المحدودة. ففي أغسطس 2022، أطلق الجيش الإسرائيلي على عمليته ضد “حركة الجهاد الإسلامي” في غزة مُسمى “الفجر الصادق”، في إشارة إلى أن “الفجر الذي سيجلبه الجيش الإسرائيلي سيخفي سواد رايات الفصائل الفلسطينية”، وفق ما نشره الجيش الإسرائيلي في بيانه حول العملية. كذلك جاءت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان عام 2024، تحت مُسمى “السهام الشمالية”، وهو اسم يشير إلى عملية محدودة؛ بالنظر إلى أن السهام تُطلق من مسافات بعيدة، واتجاه الشمال هو صوب حزب الله، خاصةً وأن الجيش الإسرائيلي أطلق عليها رسمياً “عملية” وليست “حرب”.

وبالتوازي مع ذلك، مال الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان إلى تبني مُسميات لعملياته العسكرية، تحمل دلالات قومية؛ حيث أطلق على حرب غزة (ديسمبر 2008 – يناير 2009) مُسمى “الرصاص المصبوب”، والذي جاء من قصيدة للشاعر اليهودي، حاييم ناحمان بياليك (1873-1934)، والتي يغنيها الأطفال في عيد “حانوكا” اليهودي؛ حيث وصف في قصيدته أن لعبة “الدريدل” التقليدية التي يلعب بها الأطفال في عيد “حانوكا” كانت مصنوعة من الرصاص المصبوب. وقد انطلقت العملية الإسرائيلية تزامناً مع أعياد حانوكا في ديسمبر 2008.

كذلك نجد أن مُسمى عملية “حارس الأسوار”، التي انطلقت في مايو 2021، مُستوحى من اسم أُغنية عبرية قديمة، كُتبت على لسان جندي إسرائيلي “واصفاً ذكرياته وأحلامه بأن يكون حارساً لأسوار القدس العتيقة”. وأخيراً، نجد أن مُسمى “السور الحديدي”، وهو اسم العملية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في يناير 2025، مُستلهم من مصطلح “الجدار الحديدي”، الذي وضعه زئيف جابوتنسكي، مؤسس وزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية، عام 1923، وفيه تحدث عن ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه.
كانت إسرائيل تُركّز على مواجهة المُسميات الفلسطينية بأخرى مضادة، ليس لدحض الرواية الفلسطينية فقط، لكن أيضاً لبث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين.

لذلك نجد عملية “الرصاص المصبوب” (ديسمبر 2008 – يناير 2009) في مواجهة التسمية الفلسطينية “معركة الفرقان”، وعملية “عمود السحاب” (نوفمبر 2012) في مواجهة “حجارة السجيل”، وعملية “الجرف الصامد” (يوليو 2014) في مواجهة “العصف المأكول”، وعملية “حارس الأسوار” (مايو 2021) في مواجهة “سيف القدس”، وعملية “الفجر الصادق” (أغسطس 2022) في مواجهة “وحدة الساحات”، وأخيراً عملية “السيوف الحديدية” (أكتوبر 2023) في مواجهة “طوفان الأقصى”.
‘عربات جدعون”( ٢٠٢٥)وتسمى العملية بالعبرية “ميركافوت جدعون”، وتعني “عربات جدعون” وتحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، إذ أطلقت إسرائيل سابقا على إحدى عملياتها في “نكبة 1948” اسم “عملية جدعون” وهدفت إلى السيطرة على منطقة بيسان الفلسطينية وطرد سكانها .وهو ماتهدف إليه إسرائيل مع سكان غزة
.واخيرا في حربها ضد إيران
أطلقت “إسرائيل” اسم “الأسد الصاعد” على هجومها الواسع على إيران، وهو اسم ديني مأخوذ من أحد نصوص “التوراة”، للتهديد بالقوة والردع.

وحول دلالة هذا الاسم، أفادت وكالة “رويترز”، أن تعبير “الأسد الصاعد” مأخوذ من أحد نصوص العهد القديم “التوراة”، يتحدث عن مستقبل مزدهر تنتصر فيه “إسرائيل” القوية، ففي الآية 23 -24 من “سفر العدد”: “هو ذا الشعب يقوم كأسد عظيم، ويرتفع كشبل أسد. لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى”.

 

وللأسد مكانة رمزية في التعاليم التلمودية اليهودية، ووفقًا لـ”رويترز”، فإن الآية 23 -24 جزء من أول نبوءة لبلعام، وهو نبي وعراف غير إسرائيلي. في الآية، تنبأ بقوة إسرائيل وسلطانها، مشبهًا إياها بأسد لا يهدأ حتى يشبع جوعه.

وفي إعلان الحرب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو :”أطلقت إسرائيل عملية “الأسد الصاعد “، وهي عملية عسكرية محددة الهدف لردع التهديد الإيراني الذي يمس وجود إسرائيل”.

ونشر نتنياهو صورة له وهو يضع ورقة مكتوبة بخط اليد في شق بحائط البراق في القدس، وقد كُتب عليها “سينتفض الشعب كالأسد”.

ويرى بعض المحللين أن اختيار هذا الاسم للعملية، هو محاولة لتقديم “إسرائيل” كقوة لا يمكن ردعها، بل تنهض عندما تُسفز وتُنهي المعركة دون هوادة.
وهكذا ارتبطت مسميات الحروب الإسرائيلية . بأ سماء توراتية لها دلالات كثيرة وأهداف عديدة .

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى