رأي

د. هاشم بكري يكتب.. أدب الاختلاف

المتتبع لقضية الاختلاف لا يجدها وليدة العصر بل هي قديمة قدم البشر, ولن تنتهي بنهاية عصر من العصور!
فالاختلاف من طبيعة البشر والبشر متواجدون إلى قيام الساعة, نظرًا لاختلاف حظهم من العلم، وقدرتهم على الفهم، وتنوع ميولهم، وتباين بيئاتهم.
وقد ورد الاختلاف في المسائل الاجتهادية عن الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المعتبرين، لكن اختلافهم تميز بأن أساسه فهم طبيعة الاختلاف، ورائده إصابة الحق والنصح للخلق، ومادته الحجة والبرهان من السنة والقرآن، وطريقته الرفق والحسنى، ونهايته الموافقة مع الأجر، أو عدمها مع التماس العذر، فاختلافهم لم يمنع ائتلافهم.

اقرأ أيضا: محمد فتحي الشريف يكتب.. الاختلاف في الرأي يفسد الود

ولم يكن الاختلاف عندهم سببًا في انتقاص المخالف، أو اتهامه والتعريض به، أو بغضه والتحامل عليه.
لقد كان السابقون أصحاب بصر وبصيرة، فأدركوا أن الاختلاف – في غير الأصول الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة- كثير الوقوع، وينبغي أن لا يكون سببًا للشقاق، ولا طريقًا للافتراق، بل إذا وقع الاجتهاد من أهله وفي موضعه، فكلٌّ وما أداه إليه اجتهاده لا يلزم أحدهم الآخر بقوله، بل لا ينكر أحدهم على الآخر فعله.
والإمام مالك –رحمه الله-كان من الفقه والورع بمكان عندما أراد الخليفة المنصور أن يعمل المسلمون بما في موطأ مالك ويَدَعوا ما سواه، أبى وقال: “لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردّهم عما اعتقدوا شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم”([ ) تسهيل الوصول لفوائد ” ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك “ص(13)]).
وعلى هذا فالاختلاف لم ينقص أسباب الائتلاف بل زادها، ولم يقوّض معالم الحرية بل شادها.
غير أننا نرى في الساحة الإسلامية اليوم صورًا مناقضة، فالبعض يريدون الاحتكار فلا صحة إلا لأقوالهم، ولا صواب إلا في اجتهادهم، ولا سداد إلا في آرائهم ، لا توجد عندهم روح التسامح ولا أدب الحوار. كان ابن قدامة صاحب المغني -أحد أوسع كتب الخلاف الفقهي- “لا يناظر أحدًا إلا وهو مبتسما”.؛ لأنه محب مخلص لا مبغض متربص.
إنني ليستبد بي الحزن عندما أرى شبابًا لا همَّ لهم إلا البحث عن الخلافيات، ويعنون بقضايا فرعية هامشية، ويفضي الأمر غالبا إلى التنابذ بالألقاب، وتبادل التهم، وكل ينتقص قدر أخيه، ويحط عليه، بل وينفر الآخرين عنه، ويرقى الأمر إلى التقاطع والتدابر والهجر، وبذلك يكونون قد وقعوا فيما ثبت بلا نزاع النهي عنه في الكتاب والسنة من التباغض ونقص الأخوة.
مع الأخذ في الاعتبار أن تطبيق آداب الاختلاف لا يتوقف على المسائل العلمية ولابد من تطبيقه في جميع أمور الحياة في مختلف المجالات, وإنما سنركز هنا على الاختلاف العلمي لأنه أكثر وقوعاَ ويترتب عليه الكثير من الأمور.
من أجل ذلك وضعت هذا العمل راجيا من الله أن يعيد البعض لا الكل إلى صوابه, وإلى فهم فقه الاختلاف الحق, عله يكون سببا في الألفة والمحبة والمودة والتراحم.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى