تقدير موقف

أحمد عرابي: الكعكة الليبية تتضح معالمها بين القوتين العظمتين

قال الكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبي أحمد عرابي إن صراع القوى الكبرى في صحراء ليبيا هو مواجهة أمريكية روسية تلوح في الأفق، فالصراع القديم بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا قد يتحول بشكل سريع إلى ساحة تنافس جغرافي سياسي في ليبيا ، ونستشهد بالتدريب الأخير لقوات الأفريكوم قوات القيادة المركزية الأمريكية في إفريقيا ، وزيارة قائد القوات الجنرال “مايكل لانغلي” ، وإلى زيارة القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير “خليفة حفتر” إلى بيلاروسيا الأخيرة.

وقد إختلفت الآراء حول موقف الولايات المتحدة من التواجد الروسي في ليبيا في شرق البلاد فإدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب ” قد تسعى لتشكيل دبلوماسيتها في ليبيا وقد تقوم بإستمالة قائد القيادة العامة ليقوم بتقويض النفوذ الروسي في البلاد ، وقد لا تمانع واشنطن التواجد الروسي طبقاً لرؤية رئيسها في الإنسحاب والتباعد عن أية صراعات خارجية .
وأوضح عرابي إنه وفي الوقت الذي تعمل فيه أمريكا وروسيا عن قرب على إنهاء الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا، فإن ليبيا هي البلد الوحيد في العالم الذي مازالت مستمرة فيه المنافسة المتوترة بين واشنطن وموسكو مما قد يبقي على أجواء الحرب الباردة دون أية إشارة على تحقيق تقارب بين البلدين هناك، ومشسراً في ذلك إلى التدريب الذي أجرته بعض من القوات الأميركية في شهر فبراير الماضي في مدينة سرت وقد تم بمشاركة قاذفات الـبي-52، فيما يعتبر سعي أميركي لإستمالة القيادة في ليبيا لطرد العدد المتزايد من القوات الروسية المتمركزة في قواعد عسكرية في شرق ليبيا ،
وأوضح عرابي إن التدريب العسكري الأميركي كان يهدف إلى كسب ووإستقطاب المشير “خليفة حفتر” فوزارة الدفاع الأميركية تقود جهود واشنطن لاستمالته، والذي بدوره يسمح لقوات روسية باستخدام قواعد عسكرية في دعم بعض الأنظمة بالجنوب من ليبيا واتلي تملك عداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
غير أن الكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبي أشار إلى سعي الفريق “صدام” نجل المشير “حفتر” إلى تعزيز الروابط مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وإلى ما وصفها بإزدواجية قد تلعبها موسكو في ليبيا فهناك اعتقاد بأن الروس يلعبون لعبة مزدوجة داخل ليبيا بدعم حفتر، وكذلك سيف الإسلام القذافي، بينما يقود صدام حفتر جهوداً للتقرب من الولايات المتحدة ، حيث أجرى زيارة مؤخراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد يمكن تفهم قلق موسكو في حين استبعد عرابي أن تتفاعل إدارة رئيس الولايات المتحدة الجديد بالمثل مع رغبة صدام حفتر في التعامل مع واشنطن، مرجحا أن توافق إدارة ترامب على نوع من الوجود الروسي في ليبيا.
وقال عرابي إنه لا توجد إية اشارة من إدارة ترامب الجديدة بعد، وبالنظر إلى موقفها الغير تقليدي مع روسيا ورغبتها في الانسحاب من الصراعات والحروب الدولية، فقد تمنح واشنطن مجالاً لنوع من التواجد الروسي في البلاد، في حين تتسارع الأحداث في ليبيا على وقع تحركات عسكرية ودبلوماسية أمريكية مكثفة تهدف إلى قطع الطريق أمام التواجد الروسي المتزايد في البلاد، حيث شهدت الأيام الأخيرة في ليبيا نشاطًا أمريكيًا ملحوظًا بقيادة “الأفريكوم”، في مقابل تحركات روسية مماثلة، ما يثير التساؤلات حول احتمالية تحول ليبيا إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوتين العظمتيين.
وأشار عرابي إن أن التحركات الأمريكية تأتي في وقت تعزز فيه روسيا وجودها العسكري في ليبيا، حيث أشارت عدة تقارير إلى وصول قوات روسية إلى شرق البلاد، وذلك تمهيدًا لإنشاء قاعدة عسكرية محتملة تابعة للجيش الروسي هناك، يمكن استخدامها لإنطلاق عمليات موسكو في القارة الإفريقية، في حين إن قوات “الفيلق الإفريقي” الروسية قد بدأت تحل مكان قوات “الفاغنر” في ليبيا، بعد إعادة انتشار الأخيرة على خلفية الصراعات الداخلية للقيادة الروسية.
في ظل هذا المشهد، أكد الجنرال “مايكل لانغلي” قائد قوات الأفريكوم أن واشنطن تعمل على توحيد قوات الجيش الليبي ليكون قادرًا على مواجهة الأطراف التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة بأكملها، في إشارة غير مباشرة إلى موسكو، والتنافس الأمريكي الروسي على الأراضي الليبية ليس جديدًا، لكنه اليوم يدخل مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا تتجهان نحو مواجهة غير مباشرة في الأراضي الليبية، عبر دعم الأطراف المحلية المتنازعة لتحقيق مصالحهما الاستراتيجية هناك. ومع استمرار الفراغ الأمني والسياسي في ليبيا، فإن البلاد تبدو على شفا مرحلة جديدة من التدخلات الدولية، قد تعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري بالكامل على أراضيها.
حيث شهدت بداية العام الحالي قيام مجلس الأمن برفع حظر تصدير السلاح إلى ليبيا جزئياً، في حدود المساعدات الفنية والتدريبية المقدمة لقوات الأمن الليبية، لتعزيز توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية، ويستهدف القرار تحفيز معسكريّ الصراع على مزيد من التعاون في إنهاء الانقسام العسكري، وفي نفس الوقت الحدّ من نفوذ الأطراف التي تستثمر في بناء نفوذ عسكري منفرد على أحد جانبيّ الصراع، وتحديداً موسكو وأنقرة. وعلى صعيد آخر، من المرجح أن تنعكس تأثيرات أي صفقة يعقدها ترمب مع بوتين، بشأن الصراع الأوكراني وحدود النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، على الأوضاع في ليبيا؛ وهو ما لن تمتد آثاره فقط لبقية عام 2025، لكنه على الأرجح سيكون محدداً رئيساً لشكل خريطة النفوذ الدولي والإقليمي في ليبيا خلال السنوات الأربع المقبلة، ويتمثَّل في عودة الرئيس ترمب للسلطة في الولايات المتحدة. ومع أنه لم يُكشَف بعد عن رؤية إدارته للتعاطي مع الصراع الليبي، إلا أنها في كل الأحوال ستُلقي بظلالها على استجابات مختلف الأطراف الفاعلة في الصراع، بكل تأكيد.
وتسائل الكاتب والباحث السياسي أحمد عرابي عن إمكانية أن نشهد قريبًا تصعيدًا أمريكيًا ضد تواجد موسكو في البلاد ؟ وهل تستطيع واشنطن فرض رؤيتها لتوحيد قيادة الجيش الليبي، أم أن موسكو لديها خطط أخرى لمستقبل ليبيا قد تلوح في الأفق؟

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى