//atef
رأي

د. ليلى موسى تكتب.. أحداث القيصري حصاد ثقافة الكراهية

تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية، انخرطت في الأزمة السورية منذ الأيام الأولى من الحراك الثوري. حيث تمكنت بقيادة أردوغان وعبر خطاباته الغوغائية من دغدغة عواطف ومشاعر شريحة واسعة من الشعب السوري، وبعض من الفصائل المسلحة الباحثة عن أمجادها ومصالحها الشخصية الضيقة، استطاع تمرير استراتيجيته التوسعية وفق سياسة براغماتية محكمة، وأن يكون من الفاعلين الرئيسيين بالأزمة السورية.

اقرأ أيضا: ليلى موسى تكتب.. فوبيا سيفر يطارد السلطات التركية بعد قرن من الزمن

كثيراً ما لجأت الأجهزة الأمنية التركية لخرق النسيج المجتمعي السوري، عبر بث سموم ثقافة الكراهية والعنصرية في عقل ووجدان الشعب السوري عبر اللعب على وتر القومية تارة، وتارة أخرى على وتر العقيدة.

استطاعت تركيا تنشئة أجيال على هذه السموم على مدار أكثر من عقد من الزمن، والتي كان عمادها ثقافة الأحادية ورفض الآخر والعيش المشترك. ربما تمكّن أردوغان إلى حد بعيد من تنفيذ استراتيجيته تلك وبالتأثير على شريحة واسعة من المجتمع السوري، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في مناطق شمال وشرقي سوريا، لحنكة وإدراك القائمين في تلك المناطق على الاستراتيجية التركية، والنوايا القائمة على المصالح البراغماتية التي تؤمّن، أمن واستمرارية السلطة التركية على كرسي السلطة، على حساب مصالح الشعب السوري ومصادرة قراره السياسي في تقرير مصيره.

رأينا كيف أن أردوغان ومنذ السنوات الأولى للحراك عمل على تحريض الشعب السوري ضد بعضه بعضاً. وأظهر نفسه مثل “ملاك الرحمة”، المنقذ والمخلص، وأنه صديق الشعب السوري، وناصر لثورته. وفتح حدود تركيا على مصراعيها، لاستقبال اللاجئين، وتقديم إغراءات تشجيعية للهجرة والنزوح، من قبيل التجنيس والإقامة، وشرع أبواب الاستثمارات السورية، وغيرها من الوسائل التشجيعية للهجرة إلى حضن تركيا المليء بالدفء والأمان. حتى إنه باتت شريحة واسعة من الشعب السوري تعشق تركيا أكثر من التركي نفسه، و”ملكاً أكثر من الملك نفسه”، وأميناً على المصالح والاستراتيجية التركية، ويعمل نهاراً وجهاراً للوفاء برد الجميل للملاك المنقذ (أردوغان)، متناسياً ثورته ومبادئها التي انتفض من أجلها.

وقعت تلك الشريحة في شباك ثقافة الكراهية بكل معانيها. حيث بات يبدي كرهه ورفضه لأخيه السوري الآخر وفق أحكام مسبقة مبنية على حجج وروايات بحبكة تركية لا تمت للحقيقة بصلة.

رأينا كيف هللت تلك الشريحة عندما احتلت تركيا مدينة عفرين وتلتها سري كانيه/رأس العين، كري سبي\ تل أبيض، وغيرها من مناطق الشمال السوري المحتل تركياً ما بين قوسين ما يسمى بالمحرر. وجاؤوا إلى تلك المناطق على دبابات الغازي التركي مهللين بالنصر المظفر، وكأن الثورة انتصرت. ثورة تكلل وتبارك وتمجد الغازي، وتهجِّر سكان المدن المحتلة الأصلاء، ثورة تفرض هندسة ديموغرافية عمادها التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي.

 

بعد أن تاجر أردوغان باللاجئين السوريين في البازارات الدولية، تارة للحصول على تمويل وتارة للاستفادة من اليد العاملة السورية الرخيصة ورؤوس الأموال السورية، وتارة استثمرهم في عمليات المقايضة، وتارة بالحملة الانتخابية في مواجهة معارضيه، وتارة بالتغطية على أزماته الداخلية وتصديرها للخارج، وتارة عبر الاترزاق. كل تلك السياسات كانت كفيلة بتنمية بذور الحقد والكراهية ورفض الآخر وتدمير النسيج المجتمعي. حيث رأينا حالات العنف والعنصرية حيال اللاجئين السوريين في تركيا، بل حيال كل الجاليات العربية كيف أنها تتزايد. وكان أعنفها ما حدث في مدينة قيصري، التي انتشرت الأحداث فيها كالنار في الهشيم، لتتمدد إلى عدة مدن تركية ولتشمل فيما بعد ما يسمى “الشمال المحرر”.

الأحداث الأخيرة لم تكن سوى إزالة القشرة عن الجرح المتقيح أساساً نتيجة تراكمات ثقافة الكراهية والعنصرية. حيث عملت السلطات التركية منذ تأسيسها على زرع تلك الآفة في نفوس أبنائها على أسس قومجية عنصرية، وبشكل خاص حيال الشعب الكردي، في مسعى منها لضرب الأخوة التركية –الكردية. وفي سوريا تعمل بشكل متعمد على تمزيق النسيج المجتمعي السوري وجعله هشاً يفرض قبضته متى شاء، لتتطور الحالة إلى عداوة وحقد وكراهية تركية –عربية.

لطالما عملت تركيا على مواجهة رياح التغيير، وعملت ضد طبيعة المجتمعات، عبر لجوئها إلى استراتيجيات عمادها التدمير والتمزيق والعنصرية والكراهية. وبعبارة مختصرة، ضرب الأمن الإنساني لأجل ديمومة واستمرارية السلطة والتحكم برقاب شعوب المنطقة.

لم تكن الأحداث الأخيرة في الشمال السوري سوى تعبير عن الفطرة الإنسانية الرافضة للاستعباد والعبث بمصيرها. وأنها لم تكن سوى بداية لإرهاصات جديدة. لتعلن عن ثورة من منظور جديد.

لانتشال المجتمع السوري، بل المنطقة على الصعيد الإقليمي وحتى الدولي من مستنقع تلك الآفة التي تنخر في عقول وضمائر الشعوب التي وصلت ذروتها حتى في أوروبا وأمريكا. ثقافة لا تعترف بالحدود والقوانين لأنها أنتجت شخصاً مفروغاً من مضمونه الإنساني ومجرداً من هويته. هكذا ثقافة لن تنتج سوى مجتمعات فاقدة لقيمها الحضارية والإنسانية والثقافية والأخلاقية، وتؤسس لحواضن التطرف والإرهاب وتنميها.

الأحداث الأخيرة تضع المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية للإسراع في إيجاد حلول عاجلة وجذرية لأزمة اللاجئين في الداخل ودول الجوار، وعودة آمنة وطوعية إلى مناطق سكناهم الأصلية. وهذا لن يتحقق إلا من خلال مساعٍ جادة وحقيقية من المجتمع الدولي بحلحلة الأزمة السورية والامتثال للقرار 2254. وحتى يتمكن السوريون من استعادة قرارهم الذي سُلِبَ منهم يتطلب الوضع حواراً وطنياً سورياً – سورياً بعيداً عن الإقصاء والإملاءات الخارجية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى