رامي زُهدي يكتب.. «أجهزة الإستخبارات الإفريقية في معركة مواجهة الإرهاب العابر للحدود»
"مصر.. نموذج رائد في دعم المنظومة الاستخباراتية الإفريقية"

منذ مطلع الألفية الجديدة، بات الإرهاب العابر للحدود واحدًا من أخطر التهديدات التي تعصف بالأمن القومي للدول الإفريقية، وتحول إلى سرطان ينتشر عبر الجغرافيا المفتوحة والحدود الهشة، مستفيدًا من هشاشة الدولة الوطنية في بعض المناطق، وضعف التعاون الاستخباراتي بين البلدان. وفي خضم هذا الواقع، برز دور الأجهزة الاستخباراتية كخط الدفاع الأول في معركة طويلة الأمد تُخاض في الظل ضد عدو لا يعترف بالجغرافيا ولا بالسيادة.
اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. «مادلين.. حين تُقتل روح الإنسانية في عرض البحر”»
“خريطة الإرهاب العابر للحدود في إفريقيا”
أصبح المشهد الإرهابي في القارة أكثر تعقيدًا في العقد الأخير، إذ تحول من جماعات محلية إلى شبكات عابرة للحدود تتمدد على مساحات شاسعة من الساحل والصحراء، والقرن الإفريقي، وحوض بحيرة تشاد.
وبحسب إحصائية خطيرة، يشير تقرير مؤشر الإرهاب العالمي (2024)، إلي أنه تحتل 6 دول إفريقية مراكز ضمن أكثر 10 دول تضررًا من الإرهاب عالميًا، أبرزها: بوركينا فاسو، مالي، الصومال، نيجيريا، والنيجر.
في عام 2023 وحده، شهدت إفريقيا أكثر من 7,000 هجوم إرهابي أسفر عن ما يزيد على 20,000 قتيل، وفقًا لمرصد إفريقيا للأمن ومكافحة الإرهاب، بينما كانت أسماء الجماعات الأبرز، تنظيم “داعش ولاية غرب إفريقيا”، “بوكو حرام”، “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، حركة الشباب الصومالية، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
“واقع التعاون الاستخباراتي في إفريقيا”
رغم التحديات المشتركة، إلا أن التعاون الاستخباراتي بين الدول الإفريقية لا يزال يعاني من عدة اختلالات، منها ضعف الثقة المتبادلة، حيث تشكك العديد من الأنظمة في مشاركة المعلومات بسبب الصراعات الإقليمية أو التنافس السياسي.
وكذلك القصور التقني، حيث كذلك تفتقر العديد من أجهزة المخابرات في إفريقيا للبنية التكنولوجية الحديثة المطلوبة للرصد الإلكتروني وتحليل البيانات الضخمة، إضافة إلي غياب شبكات الإنذار المبكر المشتركة، فلا توجد حتى الآن منظومة إفريقية فعالة للإنذار المبكر ضد التهديدات الإرهابية.
وأيضا الاعتماد المفرط على الشركاء الأجانب، فبعض الدول تعتمد على الدعم الغربي أو الدولي (مثل فرنسا، أمريكا، الاتحاد الأوروبي)، مما يقلل من استقلالية القرار الاستخباراتي.
“الأدوار المتنامية للمخابرات الإفريقية”
رغم التحديات، برزت بعض التجارب الواعدة في القارة الإفريقية، منها جهاز المخابرات الوطني في نيجيريا (DSS) والذي بات أكثر انخراطًا في رصد تحركات بوكو حرام وداعش.
وكذلك، الاستخبارات المصرية والتي قدمت دعمًا تدريبيًا وتقنيًا لعدة أجهزة في دول الساحل والقرن الإفريقي في اطار الدعم المصري المستمر لكافة دول القارة وفي كافة المجالات.
كذلك كانت منظمة CISSA (لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في إفريقيا) والتي تضم 54 جهازًا إفريقيًا، تُعد منصة مهمة ولكنها لا تزال تعاني من ضعف الفاعلية وغياب التمويل الكافي. وإن تسير نحو خطط طموحة للتعاون والفاعلية.
“الواقع التكنولوجي والتحديات السيبرانية”
دخلت معركة المخابرات في إفريقيا مرحلة جديدة مع تصاعد الإرهاب الإلكتروني، حيث تعتمد بعض الجماعات الإرهابية على تطبيقات مشفرة (مثل Telegram، Signal) لنقل التعليمات عبر الحدود.
كما كشفت تقارير عن استخدام شبكات الإنترنت المظلم في تجنيد الشباب الإفريقي وتحويل الأموال.، كل هذا في وقت تشير فيه التقارير الي ان أقل من 15% من أجهزة المخابرات الإفريقية تمتلك وحدات متخصصة في الأمن السيبراني، ما يجعل القارة مكشوفة أمام التهديدات الجديدة.
“المأمول نحو بناء منظومة استخبارات إفريقية موحدة”
من أجل مواجهة هذا الخطر المركب، هناك حاجة إلى استراتيجية قارية تقوم على محاور قوية وصلبة، منها بناء بنك معلومات استخباراتي إفريقي مشترك تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، وإنشاء وحدات تحليل استخباراتي إقليمي في الساحل، والقرن، وحوض التشاد.
والعمل الجاد علي نقل وتوطين التكنولوجيا الأمنية من خلال شراكات مع دول كالصين ومصر وجنوب إفريقيا.
إضافة الي تدريب الكوادر الاستخباراتية عبر برامج إفريقية مشتركة مثل أكاديمية الأمن التابعة لـ ECOWAS أو مبادرة التدريب التي تقودها مصر بالتنسيق مع الكوميسا.
وأيضا، دمج المخابرات المدنية والعسكرية في عمليات مكافحة الإرهاب ميدانيًا، على غرار التجربة الجزائرية والمصرية.
“مصر.. نموذج رائد في دعم المنظومة الاستخباراتية الإفريقية”
أنشأت مصر خلال السنوات الماضية برامج تدريب مكثفة لأفراد أمن من أكثر من 25 دولة إفريقية، كما توفر القاهرة خبرات متقدمة في مكافحة الإرهاب الحضري والإلكتروني، وتستخدم تكنولوجيا متقدمة في التعرف على الشبكات والتحليل الرقمي.
وتطرح مصر ضمن أجندة التعاون الإفريقي–الإفريقي رؤى لدمج أجهزة الأمن في منظومة قارية واحدة، وتدعم إنشاء مركز إفريقي لمكافحة الإرهاب مقره القاهرة أو عواصم افريقية اخري.
“نحو أمن إفريقي شامل”
إن الإرهاب في إفريقيا لم يعد خطرًا على الحدود فحسب، بل تهديدًا لسيادة الدولة وبقاء المجتمعات. والمخابرات الوطنية لم تعد قادرة بمفردها على مواجهة شبكات تتحرك بحرية عبر الجغرافيا. المطلوب اليوم ليس فقط تطوير الأدوات، بل إعادة تعريف مفهوم التعاون الاستخباراتي ليُبنى على الثقة والمصالح المشتركة، وتُقوده إفريقيا نفسها بإرادة حرة.
ولعل التحدي الأكبر يكمن في أن تنتقل الدول من رد الفعل الأمني المحدود إلى صناعة أمن إفريقي استباقي، يدمج بين التكنولوجيا، والمجتمع، والمعلومات، في بيئة أمنية موحدة تحمي مستقبل القارة وتُحاصر الإرهاب في مهده.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب