قبل أن نتحدث عن المعضلة والحل في أزمة سد النهضة ونهر الكونغو، أؤكد أن من يقتل شعبه لن يكون لديه مانع في قتل الشعوب الأخرى، ولذلك أطالب بسحب جائزة نوبل من هذا القاتل آبي أحمد”
يرى كثير من المصريين من خبراء المياه ومن أوساط الرأي العام أن حل أزمة المياه في مصر يكمن في زيادة ورفع كفاءة الموارد المائية، ومن بين الأفكار والمشروعات المطروحة توصيل نهر الكونغو بنهر النيل، في ظل الإيراد العظيم لنهر الكونغو والذي يذهب في غالبيته هدرًا إلى المحيط الأطلنطي.
فنهر النيل الذي ظل يمد المصريين بالمياه التي يحتاجونها منذ خلق الله الأرض لم يعد قادرًا على تلبية المزيد بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية، مما حول مصر في السنوات الأخيرة إلى إحدى بلدان الفقر المائي في إفريقيا والعالم.
ولم يكن سد النهضة سبب الأزمة بقدر ما كان محفزًا لدراستها والاهتمام بها والعمل على إيجاد حلول لها، بالإضافة إلى أن السد في حال اكتماله كما تخطط له إثيوبيا، سيشكل قلقًا مضاعفًا على مصادر المياه الشحيحة أصلا.
كانت الحلول في الماضي تتجه إلى تأمين منابع النهر، وتأمين إيراده بعدد من الاتفاقيات القانونية الملزمة لمنع التصرف الأحادي وإقامة مشروعات من دون التشاور مع دوله، وبالذات دولتي المصب مصر والسودان. وحاولت الدولتان زيادة إيرادات النهر من خلال مشروعات مائية على رأسها مشروع قناة جونجلي الذي تم الاتفاق على البدء فيه سنة 1979 بتكلفة 120 مليون جنيه مصري مناصفة بين القاهرة والخرطوم، ويهدف المشروع إلى الاستفادة من المياه المهدرة في منطقة السدود والمستنقعات بما يقدر بـ4 مليارات متر مكعب سنويا في المرحلة الأولي ثم ترتفع إلى 11 مليارا في المراحل التالية، وتتقاسمها البلدان، وأوقفت الحرب الأهلية في الجنوب سنة 1984 استكمال المشروع بعد إنجاز 260 كم وتبقي 100 كم.
وأستغرب إهمال استكمال المشروع الآن بعد انتهاء الحرب الأهلية واتفاق السلام وقيام دولة صديقة في جنوب السودان، كما أنه حال استكماله يخدم السكان في جمهورية جنوب السودان، وننفق حاليا مليارات الجنيهات لتبطين الترع وإقامة شبكات الري وتطهير المجاري ومحطات تحلية مياه البحر، لذلك فإن بضعة مليارات من المياه التي ستوفرها قناة جونجلي تساوي الكثير، في ظل مخاطر نقص المياه الطبيعية (بسبب الزيادة السكانية والاستصلاح الزراعي وخطط التنمية) أو المتعمدة عبر سد النهضة..
ويظل في العقل الجمعي للمنشغلين بأزمة المياه في مصر إمكانية ربط نهر الكونغو بالنيل، والكونغو أحد أفقر بلدان العالم ماليًا، وفي الوقت نفسه أحد أغنى بلدان العالم مائيا (العاشرة عالميًا).. ونهر الكونغو ثاني أكبر أنهار العالم، ويهدر 1300 مليار متر مكعب من مياهه سنويا في المحيط الأطلنطي، وأفكار ربطه بنهر النيل تعني الحصول على 100 مليار متر مكعب سنويا من المياه المهدرة.
هناك خلاف في الرأي حول المشروع، وتبدو وزارة الري والموارد المائية في جانب الرفض بعد دراسة قدمها خبراؤها في عام 2014، وكشف عن ذلك الدكتور نادر نور الدين محمد في كتابه “تحديات المياه وإنتاج الغذاء في مصر والسدود الإثيوبية ونهر الكونغو” (مركز الأهرام للترجمة والنشر 2021).
ووضعت لجنة الخبراء الفنية رأيها في عشرين بندًا لشرح أسباب الرفض وتتركز في غياب الدراسات والمعلومات والتكاليف ومصادر التمويل وشروطه والمخاطر الإقليمية والسياسية والقانونية.
واعتبر نور الدين رأي الوزارة غير منصف وتعجيزيًا، وأوضح أن التكاليف غير خيالية، مشيرا إلى تقدير مقترح صيني للتكاليف بنحو 20 مليار دولار، والتقدير الروسي بنحو 25 مليار دولار، وأكد في الوقت نفسه أن دولة الكونغو توافق ونحن الذين نعترض، وأن على الوزارة دراسة الأمر من جديد.
وعدت إلى دراسة للدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة بعنوان “هيدروجيولوجية نهري النيل والكونغو وإمكانية الربط بينهما” (المجلة المصرية لدراسات حوض النيل ـ جامعة القاهرة 2013)..
تناول الدكتور شراقي “سيناريوهات” الربط: الأول الربط السطحي من نهر أوبانجي، أو نهر الكونغو الرئيسي مع أحد روافد نهر النيل في جنوب السودان عن طريق قناة، واعتبره مستحيلا لاختلاف اتجاه جريان كل من النهرين واستحالة عمل قناة عكس الانحدار.
أما السيناريو الثاني فيصطدم بالتكاليف الباهظة مع محدودية العائد في حال التفكير في عمل نفق أو أنفاق داخل الجبل الفاصل بين حوضي الكونغو والنيل. والسيناريو الثالث وهو رفع المياه عبر أقل المناطق الجبلية انخفاضا في الجبال الفاصلة بين جنوب السودان والكونغو أو عبر الجبال الشرقية الفاصلة بين الكونغو وأوغندا، وهو السيناريو المفضل لدى مؤيدي المشروع لكنه يحول المشروع إلى مواسير تنقل مياهًا محدودة لا تتعدى عشرات المليارات إلى دولة جنوب السودان والتي تضم كميات كبيرة من المياه تفوق الأمطار الإثيوبية.
وخلص الدكتور شراقي إلى أن مشروع ربط الكونغو بالنيل غير اقتصادي ولا يحقق الهدف من نقل كميات كبيرة من المياه، وأكد أن منطقة الأمل هي في جنوب السودان في المشروعات المائية المستقبلية لزيادة الإيراد السنوي لنهر النيل، وما زال شراقي من مؤيدي استكمال مشروع قناة جونجلي، وقال إنه إذا تم سوف يكون أكبر إنجاز مائي بعد السد العالي ويحسب للمسئولين.
هذه هي معضلة ربط نهر الكونغو بنهر النيل، وهو مشروع مختلف عليه لأن بعض العلماء يؤيدونه، وآخرون يرفضونه، وهو بعد فكرة لا يمكن تركها خارج الدراسة والبحث، ونحن نرتاد كل السبل لتوفير موارد مائية.
نقلا عن جريدة الأهرام المصرية
اقرأ أيضا:
في ذكرى إعلان الاستقلال.. البوصلة فلسطين والعنوان ياسر عرفات
يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك