إعداد: محمود علي عثمان هندي
تعد مشكلة البطالة من أكثر المشكلات التي تؤرق المواطن الصعيدي، وبالأخص البسيط منهم، أيا كان مستوى تعليمه أو حالته المادية، فهناك آلاف الخريجين كل عام من الجامعات والمعاهد، لكنهم للأسف لا يجدون الفرص المناسبة للعمل، مما يضطر المعظم منهم للعمل بوظائف صغيرة لا تتناسب مع مؤهله الدراسي أو المستوى التعليمي الحاصل عليه الفرد، كالعمل بالكافيهات والمطاعم، ومنهم من يهجر المحافظة للعمل بالمحافظات الساحلية أو السياحية، والبعض يسخر قدراته للعمل بالخارج أو في الدول العربية بالأخص، مما يعد قوى بشرية مهدرة لا تستفيد منها الدولة المصرية.
فأولئك الشباب قد قضوا أعواما بالتعليم ومنهم شباب على كفاءة عالية وذوو خبرة كبيرة ولديهم ما يؤهلهم لشغل مناصب مرموقة أو وظائف متخصصة بمجالهم، ولكن قلة فرص العمل المناسبة جعلتهم يلجؤون إلى الهروب للعمل بالخارج.
وتعد محافظات الصعيد من المحافظات الواعدة في مجال الاستثمار، وذلك لتوافر المواد الخام والحجرية والزراعية والحيوانية ومخلفات المصانع والكثير من العمالة والأراضي والأماكن السياحية. كما يمتلك الصعيد فرصا عديدة لمشروعات قومية، وكذلك توافر مناطق متعددة لإقامة المشروعات عليها مثل المناطق الصناعية.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن محافظات الصعيد تعد في الترتيب الأعلى فقرا في مصر، وقد أشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لوجود ما يقرب من ٤٦ قرية من محافظتي أسيوط وسوهاج بلغت نسبة الفقر فيها من ٨٠ إلى ١٠٠ ٪ فضلا عن معاناة ٢٣٦ قرية بسوهاج من الفقر، وأن نسبة البطالة في محافظة قنا بلغت ٩,٦ ٪.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد أعلن نتائج البحث للقوى العاملة للربع الأول من ٢٠٢١ حيث بلغ معدل البطالة في مصر ٧.٤ ٪ من إجمالي القوة العاملة بزيادة ٢. ٪ عن الربع الأخير من ٢٠٢٠، وكان لمحافظات الصعيد نصيب كبير من ارتفاع معدلات البطالة.
وطبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد المهاجرين للمحافظات الأخرى ٣٥.٤ ألف نسمة وهو ما يعد ٧. ٪ من إجمالي عدد السكان بالمحافظة بعام ٢٠١٨.
وانخفض إجمالي قوة العمل من ١.١٣ مليون عامل عام ٢٠١٤ إلى ١.٠٩ ٪ مليون عامل في ٢٠١٨.
وأصبحت معدلات البطالة في سوهاج ٦.٤ ٪ في عام ٢٠١٨.
وفي إطار تحليل لمشكلة البطالة في الصعيد يمكن الإشارة إلى بعض الأسباب ومن أهمها:
أن محافظات الصعيد من المحافظات الطاردة للسكان بسبب ضعف الأجور وقلة مستوى الدخل الناتج عن ندرة فرص العمل بالمحافظة.
وهذا يرجع لأن معظمها محافظاته ليست صناعية أو إنتاجية بالمقام الأول أو سياحية أو ساحلية على الرغم من توافر البيئة الخصبة لتحولها لمحافظات صناعية أو سياحية، ولكنهم تتطبعوا بالطابع الزراعي في المقام الأول، لكن أدى نقص الرقعة الزراعية في الصعيد وقلة العائد من الزراعة أو تفكير معظم المواطنين في هجر الريف وترك الزراعة والاتجاه إلى المدن.
الزيادة المستمرة في أعداد السكان للتمسك بعادات وتقاليد غير مستحبة وعدم تنظيم الأسرة بالشكل الأمثل.
زيادة الطلب على العمل من جميع الفئات والأعمار، فحتى الطلبة وغير الخريجين يبحثون عن وظائف للمساعدة في ظروف المعيشة الصعبة التي تمر بها الأسر.
انخفاض الأجور بالصعيد لعزوف الشباب عن العمل بالمحافظة والسفر وهجر الريف، وهناك شباب بمراكز بأكملها قد تركوا الأرض الزراعية وذهبوا للعمل بالخليج.
المقترحات والتوصيات من وجهة نظري:
في إطار البحث عن حلول مقترحة لحل مشكلة البطالة في الصعيد بشكل عام يمكن الإشارة إلى العناصر التالية:
محاولة دعم التكامل الاقتصادي والتشابك بين محافظة سوهاج ومحافظة أسيوط في مجال الزراعة والخدمات.
السعي لدعم التكامل الصناعي بين منطقة المثلث الذهبي.
محاولة التكامل الاقتصادي بين محافظتي سوهاج والوادي الجديد في المجال السياحي.
الاهتمام بدعم التكامل الاقتصادي بين سوهاج والبحر الأحمر في مجال السياحة والتعدين.
السعي لدعم التكامل الاقتصادي بين سوهاج وقنا في المجال الزراعي والصناعي والسياحي.
تطوير القطاع التعديني وإقامة المنتجات الاستخراجية العملاقة في الظهير التعديني للمحافظة.
التوسع في إنشاء المزيد من المصانع كثيفة العمالة والاهتمام بالتوسع في إنشاء مراكز التدريب لإعداد عمالة مدربة من أهالي المحافظة للعمل بها دون اللجوء للسفر أو الهجرة.
إعادة ترسيم الحدود الجغرافية للأقسام الإدارية للمراكز مما يضمن توازنا بين السكان والريف والحضر.
إيجاد فرص عمل جديدة لاستيعاب التخصصات الجديدة والكفاءات الموجودة من شباب الصعيد.
ضرورة توفير قاعدة بيانات لجميع العمالة غير المنتظمة الموجودة بالصعيد لتوزيعها على فرص العمل الموجودة والمستقبلية على مستوى الجمهورية بالتعاون مع وزارة القوى العاملة.
ضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص غير المنظم والذين يمثلون ٨٩.٧ ٪ حيث يستحوذ على نسبة كبيرة من العمالة المهمشة وغير المسجلين رسميا ضمن قوة العمل.
ضرورة دمج القطاع الخاص غير المنظم في دائرة الاقتصاد الرسمي وإدخاله ضمن خطة التأمين الاجتماعي والصحي، خاصة أن هذا القطاع يخفض من حدة البطالة ويستوعب عددا كبيرا من القوى العاملة الماهرة وغير الماهرة.
السعي لحل المشكلات التي تواجه القطاع الصناعي من أهمها ارتفاع أسعار المواد الخام وأسعار الطاقة وصعوبة التسويق ونقص التمويل.
الاهتمام المستمر والمراقبة الدورية على القطاع السياحي بالمحافظة وبذل الاهتمام أكثر بتطوير الأماكن السياحية الأثرية والحضارية بالمحافظة.
رفع مستوى المنشآت السياحية وإحلالها وتجديدها وتشجيع الاستثمار في المجال السياحي.
دعم الدولة بتخفيض الضرائب عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يعد سببا رئيسيا في خفض معدلات البطالة وتحسين بيئة المشروعات، مما يساعد على توفير فرص عمل كثيفة لشباب تلك المحافظات.
وأخيرا يمكننا القول إن مشكلة البطالة في الصعيد من أكبر المشكلات في مصر؛ والتي لابد من السعي لحلها قدر الإمكان. حيث يمكن الاعتماد على المزايا النسبية والموارد الطبيعية التي يتمتع بها الصعيد في مواجهة المشكلة. ويجب الإشارة إلى أنه في حالة الاهتمام والسعي لحل هذه المشكلة فإنه يمكن إحداث طفرة هائلة ليس فقط في اقتصاد تلك المحافظات وإنما في الاقتصاد القومي للدولة المصرية ككل. فضلا عن الاستفادة بالموارد والطاقات البشرية المتميزة فيها والتي تستحق كل التقدير.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب