محمد الأمين أبوزيد يكتب.. قمة ترامب – بوتين.. ترتيب أولويات أم سايكس – بيكو جديدة؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عقد لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيعقد في العاصمة السعودية الرياض قريبا جدا.
في إطار التحضير لهذا اللقاء، التقى وفدان رفيعان من البلدين؛ أمريكا برئاسة وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز والمبعوث الأمريكي للشرق الاوسط ستيف، ويتكون الوفد الروسي برئاسة وزير الخارجية سيرجى لافروف، تمت المحادثات بحضور المسؤولين السعوديين وتركزت على سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يسهم اللقاء في تحسين العلاقات بين أمريكا وروسيا، وتعزيز التعاون في مجالات متعددة بما في ذلك الأمن والاقتصاد.
اقرأ أيضا: محمد الأمين أبوزيد يكتب.. ذكرى الثورة والاستقلال تطابق التواريخ وتقاطع النتائج فى أزمنة الحرب
في المجمل يتوقع أن يكون هذا اللقاء خطوة مهمة نحو تهدئة التوترات الدولية، ورسم خرائط نفوذ متفق عليها وتعزيز التعاون بين القوى الكبرى في العالم.
لماذا اختيار المملكة العربية السعودية مكانا للقاء؟
تعد المملكة مكانا محايدا مناسبا لعقد اللقاء نظرا لعلاقتها الجيدة بالطرفين وبسبب عدة عوامل استراتيجية ودبلوماسية أهمها:
-الموقع الجغرافي للمملكة بما يجعلها نقطة التقاء بين الشرق والغرب، وتمتعها بعلاقات قوية مع الطرفين مما يسهم في تسهيل الحوار.
-الاهتمام بالاستقرار الإقليمي، حيث تلعب المملكة دورا بارزا في قضايا الشرق الأوسط ومركزا للمباحثات الاستراتيجية والتوصل إلى اتفاقات تتعلق بالأمن الإقليمي.
-النفوذ الاقتصادي الكبير للمملكة، حيث تعد من أكبر منتجي النفط ولها دور كبير في تحديد أسعاره، ما يجعلها نقطة اهتمام رئيسي أمريكي – روسي.
-النفوذ الكبير والمكانة التي تحتلها المملكة في المحيط العربي والإسلامي كمنطقة اهتمام مشتركة للطرفين.
إن الملامح العامة للسياسة الخارجية السعودية تركز على مجموعة من المبادئ التي تؤثر على علاقاتها مع القوى الكبرى بما في ذلك روسيا وأمريكا، من بين هذه المبادئ:
-تعزيز العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى، إذ تعدهما من أهم الشركاء في السياسة الإقليمية والدولية.
-استقرار أسواق الطاقة بالنظر إلى أن السعودية واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، فهي تعمل على الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة وتنسيق السياسة النفطية مع الدول الكبرى.
-التركيز على الأمن الإقليمي وأمن الشرق الاوسط وقضايا مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في مناطق النزاع.
-التوازن بين القوى الكبرى وتحقيق مصالحها دون التورط في صراعات مع القوى العظمى.
بالمجمل؛ فإن السياسة الخارجية السعودية تعزز من فرص نجاح اللقاء من خلال الدور الفاعل الإقليمي والدولي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية.
هذه العوامل مجتمعة جعلت من المملكة مكانا مثاليا لاستضافة القمة الأمريكية – الروسية.
قلق أوكراني أوروبي من القمة
إن المباحثات التي جرت في الرياض دون مشاركة أوكرانيا أو أي ممثلين أوروبيين، أثارت استياء الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي صرح بأنه لا يمكن لأوكرانيا قبول أي اتفاقات تعقد دون مشاركتها المباشرة، مؤكداً ضرورة وجود ضمانات أمنية قوية ضد أي عدوان روسي مستقبلي.
على المستوى الأوروبي أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قلقها من استبعاد أوروبا من هذه المفاوضات، مشيرة إلى أهمية مشاركة الاتحاد الأوروبي في أي تسوية محتملة لضمان استقرار المنطقة.
من جانبها، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى ضرورة أن تكون أوروبا جزءا من أي محادثات تهدف إلى إنهاء النزاع، محذرة من أي اتفاق يتم دون مشاركة أوروبية قد يؤدي إلى نتائج غير مستدامة.
في المملكة المتحدة شدد رئيس الوزراء بوريس جونسون على أهمية التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا في التعامل مع روسيا، مؤكدا أن أي تفاهم بين واشنطن وموسكو يجب أن يأخذ في اعتباره مصالح الأمن الأوروبي.
تأتي هذه المخاوف الأوربية في وقت حساس، حيث تسعى القارة إلى تعزيز دفاعاتها المشتركة وتوحيد مواقفها في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
ثمة معطيات مهمة تجعل من لقاء قمة ترامب أن تسهم في وقف الحرب.
في أوكرانيا يعتمد هذا على مجموعة عوامل سياسية ودبلوماسية:
-التفاوض المباشر يمكن أن يفتح قنوات تواصل فعالة لحل الخلافات، حيث إن كلا الزعيمين لديه خبرة في التعامل مع الأزمات الدولية.
-الضغط السياسي الذي يمكن أن يمارسه ترامب على حلفائه في الغرب في حال تمام تحقيق اتفاق مع بوتين.
-إيجاد تسوية بشأن القضايا الأمنية بما يسمح بمناقشة القضايا المخاوف الأمنية لكلا الطرفين، بما في ذلك الانضمام المحتمل لأوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو إحدى القضايا التي تثير التوتر بين روسيا والغرب.
-الضغط على النظام الأوكراني، في حال توافقَ الطرفان يسهم ذلك في إقناع أوكرانيا بقبول تسوية سلمية أو تقديم تنازلات تتعلق بمنطقة دونباس أو شبه جزيرة القرم.
-سيشجع اللقاء المجتمع الدولي على تكثيف الجهود الدبلوماسية، وفرض عقوبات أو تقديم حوافز للطرفين للتوصل إلى تسوية.
إن استراتيجية ترامب تجاه حروب العالم تعتمد بشكل كبير على مبدأ “أمريكا أولا”، وهو نهج يركز على حماية المصالح الأمريكية في المقام الأول، ويروج للحد من التدخل العسكري في صراعات خارجية لا تخدم الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر.
إن العناوين المهمة في هذه الاستراتيجية هي التقليل من التدخل العسكري وتقليص الدور الأمريكي في الحروب الخارجية، والتعامل مع الخصوم بشكل مباشر في الحرب التجارية مع الصين والتوترات مع إيران وكوريا الشمالية.
تبني أسلوب صارم مع فرض عقوبات والضغط على الخصوم للوصول إلى اتفاقات تخدم مصالح أمريكا.
مع كل ما سبقت الإشارة إليه، يعمل ترامب على تحديث الجيش الأمريكي لجعله أكثر قدرة على الرد بسرعة على أي تهديدات. وفي سياق آخر يربط ترامب السياسة العسكرية بالمصالح الاقتصادية ويشجع على تحالفات تركز على المنافع الاقتصادية بشكل أكبر.
سايكس – بيكو جديدة؟
لقاء القمة الروسية – الأمريكية يثير كثيرا من التساؤلات حول ترتيبات أو مصالح جديدة على مستوى العالم، بالنظر إلى الخلفيات الاقتصادية والسياسية لكلا الزعيمين، مع ذلك من الصعب الجزم بما إذا كان سيؤدي إلى ترتيبات مشابهة لاتفاقية سايكس – بيكو التاريخية، حيث كانت تلك الأخيرة تقسيما جغرافيا سياسيا للشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى ونهاية المرحلة الكولونيالية المباشرة في العالم الثالث.
هناك عدة عوامل تؤثر على أي اتفاقيات محتملة أهمها:
-المصالح الجيوسياسية للطرفين في الشرق الأوسط وأوكرانيا وآسيا وأفريقيا، على الرغم من التباين الكبير في المواقف والأولويات.
-العلاقات الثنائية بين روسيا وأمريكا قد تتأثر بالتوترات المتعلقة بالعقوبات والقضايا الأمنية والتنافس في مجالات الدفاع والتكنولوجيا.
-هناك مصالح اقتصادية مشتركة مثل صفقات الطاقة والتجارة ستكون محورا في أي اتفاقات أو ترتيبات.
إجمالا من غير المرجح أن يكون لقاء بوتين ترامب بمثابة سايكس – بيكو جديدة، إذ يختلف السياق الزمني والجغرافي بشكل كبير عن الوضع الذي نشأ في أوائل القرن العشرين.
لكن من المؤكد وفي ضوء طبيعة الرجلين وتشابك المصالح وتقاطع الاستراتيجيات يمكن أن يؤثر اللقاء على بناء تحالفات واتفاقات ستلقي بظلالها على الأوضاع الدولية المهمة، لا سيما أن المؤشرات الأولية بعد محادثات الرياض على مستوى وزراء الخارجية أثارت ردود أفعال عنيفة من قبل اوكرانيا والاتحاد الأوروبي، ما جعل أمريكا ترد وبشكل أعنف، لا سيما على الرئيس زيلينسكي.
إن مرحلة جديدة من التوافق الأمريكي – الروسي تقوم على مراعاة المصالح ستكون مدخلا لوقف الحرب وترتيب المصالح المشتركة.
إن ضمان حماية المصالح الأوروبية في ظل التغيرات الجيوسياسية يحتاج إلى وحدة قوية داخل الاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي مع الاحتفاظ مع قنوات تواصل مع القوى الكبرى.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب