د. محمد جبريل العرفي يكتب.. محاولات لتنصيب عميل
الجزء الثاني: المتضررون والمعارضون وأساليب المواجهة
تحدثنا الأسبوع الماضي عن تنظيم المخابرات البريطانية للقاءات بإسطنبول لوفود منتقاة مخابراتياً، لتنصيب عميل، بالتعاون مع جماعة الإخوان والدبيبات، مستغلين حالة الضيق، للقبول بهذا العميل ولو مفروضا من البوارج البريطانية. تسربت رسائل تخدير للقوى التي يُخشى معارضتها.
دستور (أدريان بلت) يجمع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد الملك، وليس رمزيا كملوك اليوم.
جنّد الإنجليز جماعة الإخوان كمستشارين؛ المعروفة بالتقية والإقصاء وتمكين الجماعة، ستطرح تعديل الدستور لتوسيع سلطات الملك، بمواد محصنة يستحيل تعديلها، كإصدار أوامر بالإعدام دون اللجوء إلى المحاكم، وتعديل الدستور دون تشاور مع مجلس الأمة، وإعادة الألقاب، وتشكيل مجلس بيعة من الأسرة السنوسية، وتسمية المملكة السنوسية.
قد يظن البعض أن هذا التوجه ضرب من الخيال، ولكن ما دام الإنجليز هم المستفيدين والإخوان مستشارين، فلا يستبعد ما لا يتوقعه عاقل. والبدء بتنصيب مزدوج جنسية، مزور لوصية والده رحمه الله، بشهادة شقيقه خالد عام 1994 فقد انتزع ولاية العهد من أخيه المهدي بوصية كتبها بعد وفاة والدهم، الذي لم يرتض التوصية بها لأنه متنازل عنها علناً عام 1969، ومن ناحية أخرى المجاهد أحمد الشريف عندما سلم إدريس قيادة الحركة 1918 أوصاه بأن يختار أحد أبنائه نائبا له، لكن إدريس خان الوصية ونصب البنداوي المطلين محمد الرضا وليا للعهد. إدريس غير مقتنع بكفاءة ولي العهد، ولا يثق في بقية العائلة السنوسية، فاستقال ونسق مع العقيد عبدالعزيز الشلحي لتعيينه رئيسا للجمهورية مدى الحياة، وتحدد يوم 1969.9.5 موعدا لذلك.
حددنا المستفيدين الخمسة من تنصيب العميل: وهم الإنجليز ليحكموا ليبيا باسمه، وجماعة الإخوان ليمارسوا الإقصاء والتمكين واستغلال الدين، والأنظمة الوراثية بإقامة نظام ملكي حليف لهم بالطبيعة، ورابعهم عائلة الدبيبة تصبح حاشية الملك، لتحل محل عائلة الشلحي، تتحكم في العطاءات والتجارة، وشراء الأسلحة وعقود النفط، وملكية الإقطاعيات، وتعيين وإسقاط الحكومات، وخامسهم العائلات المتنفذة لإعادة النظام الطبقي باحتكارها الوظائف العليا بالدولة من وزارات وولاة ونواب وشيوخ وقيادة جيش وبوليس، كثير من هؤلاء موعودون بوظيفة مستشارين أو طباخ للملك.
رغم أن هذا عبث محكوم مسبقاً بالفشل لأسباب واقعية ومنطقية، لكن تأمين مستقبل أجيالنا لا يحتمل المجازفة. يمكن حصر المعارضين والمتضررين في خمسة على الأقل:
أولهم: القوات المسلحة العربية الليبية، لن ترضى بعودة نظام ثارت عليه، ولن تعود لحالة التهميش أيام إدريس الذي كان يخشى الجيش وعمل على إضعافه، وسعى لحله مقابل تقوية البوليس، مما ولّد سباقا محموما للإطاحة بالملك، بين أربع مجموعات على الأقل من الضباط، هي مجموعة عبد العزيز الشلحي، وهو بمثابة انقلاب داخل القصر، والمجموعة الثانية من الضباط المعارضين للشلحي وهم خريجو الزاوية والعراق وأوروبا، على رأسهم العقيد جبريل صالح الشلماني، والمجموعة الثالثة مجموعة مكي بوزيد وعبد المطلب عزوز صاحب الميول الناصرية، والمجموعة الرابعة هي حركة الضباط الوحدويين الأحرار، التي سبقت تنظيم الشلحي بخمسة أيام فقط. القوات المسلحة عقيدتها وطنية فلن ترضى بالعودة لنظام العمالة ومعاداة العروبة، وفقدان السيادة وعودة القواعد الأجنبية وانتشار الفساد وسيطرة مراكز القوى.
ثانيها: مصر لن ترضى بنظام معادٍ في خاصرتها، فالنظام الملكي حليف طبيعي لجماعة الإخوان العدو التاريخي لمصر.
ثالثها: الجزائر لن ترضى أن توضع بين فكي كماشة نظامين ملكيين حليفين معاديين.
رابعها: الروس يدركون أن النظام الملكي صناعة بريطانية، فلن يرضوا أن تتحكم بريطانيا وحلفاؤها في بوابة إفريقيا أو تتمدد على الشاطئ الجنوبي للمتوسط، أو تفقد روسيا فرصة خنق أوروبا بإمدادات الطاقة، والتنغيص عليها بالتحكم في الهجرة والإرهاب والجريمة المنظمة.
الروس يزحفون حثيثا إلى إفريقيا لطرد الغرب منها، ويتحملون مصاعب وتكاليف قلب أنظمة قائمة في مناطق إفريقية محصورة وفقيرة، فما بالك بمنطقة فراغ سياسي بمنطقة استراتيجية مثل ليبيا، تتربع على أطول ساحل بطول 1770 كيلومترا من المياه الدافئة، وتتمدد في إفريقيا إلى عمق ما وراء الصحراء، وتحوي أكبر مخزون غاز في إفريقيا.
خامسها: الليبيون لن يتقبلوا الفكرة مهما كانت أساليب التضييق والخديعة والتضليل، فلن يعودوا إلى حكم العائلات المتنفذة، ومجتمع الطبقات، في الأربعينيات حزب واحد وجمعية واحدة نغصوا على الإنجليز والملك، ولولا تضحية السعداوي لفشلت مساعيهم، فما بالك بالوعي الحالي لليبيين، وتطلعاتهم للحرية وممارسة السلطة.. كما أنه لن يفرط سكان برقة في أراضيهم التي سلبها منهم الإيطاليون ثم استولت عليها الحاشية الملكية، ولن يعود سكان فزان إلى حكم البي، ولن يفرط سكان الغرب في مزارعهم وعقاراتهم التي استردوها من الحاشية، والمستوطنين الطليان الذين سيطالبون بها بحكم دستور 51 يمنح الجنسية الليبية لكل من في ليبيا يوم 1951.10.7، وحتى الفيدراليون سيعارضون لأن الشركات النفطية تعارض الفيدرالية.
المواجهة تتم بالوعي والتنظيم لحراك شعبي تقوده القيادات السياسية الوطنية وتحميه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وفرض حل بإرادة ليبية بالتسريع بعقد مؤتمر تأسيسي جامع، وغل يد الأجنبي من التدخل السلبي في الشأن الليبي، والتحالف مع قطب موثوق، لأن المتغطي بالإنجليز أو الأمريكان عريان. وتشكيل قطب من الأنظمة التحررية العربية والإفريقية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب