رأي

هاني الجمل يكتب.. قمة العشرين .. حضور تاريخي وغياب تكتيكي

الكاتب باحث في الشؤون الدولية

اسدل الستار علي واحدة من اهم قمم مجموعة العشرين بنيودلهي واختارت الهند شعار قمة الثامنة عشر هذا العام المرتكز على زهرة اللوتس تحت عنوان “أرض واحدة – عائلة واحدة – مستقبل واحد” حيث ترى الهند أن الشعار والموضوع ينقلان رسالة قوية وهي “السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم” وتأتي هذه الاهمية في ظل حالة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه بلدان العالم بعد الحرب الروسية الاوكرانية وماتبعها من قمم إقليمية ودولية حاولت الدول الكبري استمالة دول القارة الافريقية إلي الانضمام لها عبر حوافز جديدة لم تكن تتمتع بها من قبل ولكن هذه القمة سجلت حضورا تاريخيا نادر الحدوث وغياب تكتيكي من روسيا والصين والذي اهداف خاصة ..

اقرأ أيضا: د. هاني الجمل يكتب.. كامب ديفيد.. بين الناتو الآسيوي والغضب الصيني
فالحضور التاريخي فكان لمشهد رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سوناك” اول رئيس وزراء من المهاجرين ذو الاصول الهندية وهو من الجيل الذي حقق أمنية “المهاتما غاندي” عندما طالب من أغنياء الهند ليس فقط ازاحة الاستعمار البريطاني من الهند وحسب بل والتواجد في المجمتع الانجليزي وزرع أجيال تسيطر علي بريطانيا العظمي كان هذا التحدي سببه العبارة الشهيرة التي كان يكتبها البريطانيون علي أبواب منازلهم وفنادقهم أثناء احتلالهم للهند “ ممنوع دخول القطط والكلاب والهنود”هذه العبارة التي استثارت حفيظة غاندي في كفاحه ضد الاستعمار البريطاني وها هو “سوناك”يأتي علي رؤوس الأشهاد محققا حلم غاندي بعد مرور خمس وسبعون عاما من وفاته وكأنه يحتفي باليوبيل الماسي لهذه الذكرة الخاصة
اما الحضور التاريخي الثاني هو ما أعلنه رئيس الوزارء الهندي”ناريندرا مودي”في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عندما كان جالسا خلف لافتة مكتوب عليها “بهارات” الأمر الذي يعزز التكهنات بأنه سيتم تغيير اسم الهند رسمياً إلى بهارات محققا بذلك حلم شعبه في تغيير هذا الاسم الذي فرضته بريطانيا خلال احتلالها لهذا البلد العريق في حضارته وثقافته ولكن السؤال هل سيتغير اسم تكتل البريكس في حال تغير اسم الهند الي بهارات أم أن الهند ستتعامل بهذا الاسم محليا فقط ؟
في حين كان الحضور التاريخي الثالث هو حصول “الإتحاد الأفريقي ” علي عضوية كاملة لمدة سبعة أعوام لينضم بها إلي هذا التكتل الكبير الذي يمثل أعضائه حوالي 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 75 بالمئة من التجارة العالمية وحوالي ثلثي سكان العالم لتكون هذه العضوية نتيجة الجهد الكبير الذي بذلته مصر خلال رئاستها للاتحاد الافريقي والتي جعلت القارة الافريقية محط انظار العالم ودفعها لتكون شريك استراتيجي تسعي إليه التكتلات الاقتصادية مثل BRICS و ال G20 ليكون قيمة مضافة بما يتمتع به من ثروات طبيعية وبشرية هائلة من الممكن توظيفها في برامج التنمية المستدامة للحد من الهجرة غير الشرعية.
أما الغياب التكتيكي الذي له أهداف متباينة
فهو غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وذلك بسبب ظروف الحرب الروسية الاوكرانية والتي مثار نقاط اختلافا ساخنة بين الدول الأعضاء كادت تعصف بالبيان الختامي للقمة وحتي لا يصدر أزمة دبلوماسية للهند بسبب مذكرة توقيفه من المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب التي تتهمه بممارستها في اوكرانيا
في حين يأتي الغياب التكتيكي الثاني من الرئيس الصيني “شي جين بينغ ” وهي أول مرة يغيب فيها رئيس صيني عن هذه القمة منذ تدشينها في عام 1999 ومنذ قمة 2006 والتي استضافتها بكين أصبحت العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم محفوفة بالتوتر والتنافس المتزايد و ترى الصين أن مساحة مجموعة العشرين موجهة بشكل متزايد نحو الولايات المتحدة وأجندتها التي يعتبرها شي جين بينغ معادية للصين و أن نحو نصف أعضاء المجموعة هم من حلفاء الولايات المتحدة وقد حشدتهم إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة في مواجهة الصين في حين أعربت بكين عن غضبها من علاقات نيودلهي المتنامية مع واشنطن وخصوصاً مشاركتها في المجموعة الرباعية فالصين ترى الهند في المعسكر المناهض للصين وبالتالي لا تريد إضافة قيمة إلى القمة الدولية الكبرى التي تنظمها الهند و هو ما قد يتحقق من خلال تدشين محمد بن سلمان اتفاقاً مبدئياً مع الولايات المتحدة والإمارات والاتّحاد الأوروبي وشركاء آخرين في مجموعة العشرين يتعلّق بالتنفيذ المُحتمل لمشروع كبير للنقل عن طريق البحر والسكك الحديد يهدف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط كما جاء في تصريح نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر بتأكيده علي أن هذا المشروع “أتى نتيجة جهود دبلوماسية هادئة وثنائية وفي إطار متعدد الأطراف و له قدرات كبيرة لكن لا نعرف كم سيستغرق من الوقت ليتبلور ” وهذا ما يهدد مشروع الطريق والحزام الذي تسعي الصين بعد جهد جهيد إلي تنفيذ في نفس المسار الجغرافي تقريبا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى