عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. الوجه الآخر للحرب الروسية الأوكرانية
الكاتب باحث وإعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية
مرت حتى الآن قرابة الشهر ونيف على غزو القوات الروسية لأوكرانيا، دون أن تحقق الآلة الدبلوماسية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أي تقدم يذكر، ودون أيضا أن تقنع باقي العالم بمخططاتها وبوجهة نظرها بخصوص هذه الحرب، بل إن الفاعل الوحيد في الساحة السياسية والعسكرية والدبلوماسية هو الدب الروسي، وحده يعقد المؤتمرات ويطلق التصريحات القوية وينفذ عملياته بكل ثقة في النفس.
أما آلتها العسكرية فقد دخلت غياهب النسيان، ولم تعد تصول وتجول كما كانت، في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من دول العالم الثالث، حتى الحديث عنها بالتعريض لم يكن سالكا، وكلما فعلته هو اللجوء إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ورياضية، وثقافية..، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام عن الجدوى من وجود هيئة الأمم المتحدة؟ والجدوى كذلك من وجود قانون دولي إذا كان سيتعرض لمثل هذه الانتهاكات والاختراقات؟
ورطة بلاد العم سام
ما يشد الانتباه في الحرب الروسية الأوكرانية، هو صمت الغرب العسكري المطبق بقيادة بلاد العام سام أمام ما يجري من أحداث، صمت عسكري أقل ما يقال عنه أنه غير مفهوم، إلا أنه يحمل الكثير من المعاني والدلالات، التي تؤكد أن للغرب وجه آخر، إن لم نقل وجوه أخرى، ويظهر ذلك جليا عندما ننبش في ملف العراق، فعندما كانت الولايات المتحدة الأميركية تتهيأ لغزو العراق، متهمة نظام صدام حسين بامتلاك أسلحة نووية، أو ما اصطلح عليها آنذاك بصيغة “أسلحة الدمار الشامل”، كانت تعلم بالمطلق أن الرجل لا يمتلك هذه الأسلحة، وعلى الرغم من ذلك، حشدت قواتها وقوات الدول الحليفة، لغزو بلاد الرافدين ونصب عينيها ليس الأسلحة النووية كما ادعت، ولكن نهب خيرات وثروات هذا البلد وتخريب مدن بغداد والكوفة والبصرة أحد أكبر رموز الحضارة العربية الإسلامية، بل وتخريب كل أثر من آثار هذه الحضارة، وإجهاض تجربة عسكرية فتية كان من الممكن أن تحدث الفارق لولا التدخل الأمريكي.
- اقرأ أيضا: د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. مقترح الحكم الذاتي يخرج العلاقات المغربية الإسبانية من النفق
وكان من تداعيات هذا الغزو غير المبرر كما يقول محلل سياسي “إنتاج ديمقراطية مشوهة وحرية لا تختلف كثيرا عن الفوضى وفقدان للأمن والسيادة وتدمير مؤسسات الدولة الأساسية مثل الجيش والشرطة”، مضيفا “كما أدى الغزو أيضا إلى شيوع الطائفية والعرقية وتفوق قانون القبيلة على قوانين الحكومة وشيوع ثقافة سرقة المال العام وتراجع الصناعة والزراعة والتجارة”، وقال آخر “بدت الفتن الطائفية والعرقية في البلاد بالظهور عقب الغزو الأميركي، فحرب مع السنة، وأخرى مع الشيعة، وتلك مع الأكراد، والكل مستهدف فيها! والجميع يمثل دور الضحية، وأميركا جاثمة على صدور العراقيين تحرك الأطراف كيفما تريد في مشهد دموي وكارثي فقد فيه العراق خيرة علمائه وأبنائه ناهيك عن تدمير مؤسساته وبنيته التحتية..!”.
وكان من نتائج ذلك الغزو أيضا، تعرض العراق لعمليات سرقة ونهب من قبل قوات الاحتلال، ومن ذلك ما تعرض له المتحف العراقي في بغداد، حيث “اختفت أكثر من (13864) قطعة أثرية من المتحف العراقي، لتسجل بذلك أكبر عملية سرقة لمتحف في تاريخ البشرية”، زد على ذلك، التدمير الذي لحق المواقع الأثرية في بابل حيث تم “استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات الاحتلال من العام 2003 وحتى العام 2004 مما جعل منه مكانا لتجوال الدبابات والمدرعات وهدفا للقصف والتدمير”.
واليوم عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، تظهر بلاد العام سام ومن معها بوجه مغاير، لا هي تستطيع التدخل ولا هي تستطيع التوقف، ما تسبب لها في إحراج سياسي شديد أسقطها في العديد من المفارقات والتناقضات الصارخة، وذلك لاعتبارين اثنين، الأول، أنها الراعي وزعيمة النظام العالمي الجديد، والثاني، أنها المعنية الأولى والأخيرة بهذه الحرب ففلاديمير بوتين عندما كان يهدد باستعمال السلاح النووي كان يتوجه بتهديده إلى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
نظام بيونغ يانغ
وليست هذه هي المرة الأولى الذي يكشف فيه الغرب بقيادة أميركا عن وجهه الآخر، ويفتضح أمره وينكشف، ففي الملف الكوري الشمالي حدث نفس الشيء وإن بدرجة أقل، فقد بدا عجز الترسانة العسكرية الأمريكية عن التدخل ظاهرا للعيان، على الرغم من اقتراف النظام الكوري الشمالي العديد من الخروقات والانتهاكات الجسيمة في القانون الأممي.
وظلت الإدارة الأميركية لمدة عقود وهي تتوعد وتهدد النظام الكوري الشمالي بالتدخل العسكري، من دون أن تجرؤ على فعل ذلك، أو حتى التلويح به، وكل ما تستطيع فعله هو فرض العقوبات تلو العقوبات، وعزل بيونغ يانغ سياسيا، والسبب أنها، هذه المرة، تعلم أن في حوزة كوريا الشمالية فعلا أسلحة نووية قادرة على تدمير قارة بأكملها، وليس منطقة جنوب شرق آسيا فقط، حيث يوجد شركاؤها الاستراتجيون، والإشارة هنا على الخصوص إلى اليابان والتايوان وكوريا الجنوبية.
بل إن المضحك في القضية، أن من يهدد ويتوعد الآخر ليست الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما نظام كيم جونغ أون، مثل ما فعل يوم 25 يوليو/ تموز 2017 حين هدد في بيان رسمي بتوجيه ضربة نووية إلى قلب أميركا، إذا ما حاولت هذه الأخيرة المساس بالقيادة العليا في كوريا الشمالية، ونقلت وكالة الأنباء المركزية في كوريا الشمالية عن وزارة الخارجية في البلاد تعليقات على تصريحات لمايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) الذي سبق له أن تحدث عن إمكانية تغيير النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وعزل “شخص قد تكون لديه نوايا نووية”.
وجاء في البيان أنه “في حال تهديد الكرامة العليا لكوريا الشمالية”، على بيونغ يانغ أن تبادر إلى إبادة “تلك الدول والكيانات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر”، مؤكدة أنها ستعتمد كل وسائل الهجوم المتوفرة لديها، بما فيها الأسلحة النووية.
ومثل ما فعلت أيضا قبل عام من الآن وبالضبط يوم الأحد الثاني من أيار/مايو 2021، عندما هاجمت بيونغ يانغ الإدارة الأمريكية، مشيرة إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن تمثل دليلا على سياسة عدائية تتطلب ردا مماثلا، ومحذرة من “أزمة خارجة عن السيطرة”..
وقالت في هذا الصدد “من المؤكد أن الرئيس الأميركي ارتكب خطأ فادحا في ضوء وجهة النظر الحالية”، وأضافت: “الآن بعد أن أصبح الخطاب الرئيسي للسياسة الأميركية الجديدة تجاه جمهورية كوريا الديمقراطية واضحا، سنضطر للضغط من أجل تدابير مماثلة تجاه أميركا مع مرور الوقت”، مشددة على أنها “ستواجه أزمة أسوأ وخارجة عن السيطرة في المستقبل القريب إذا كانت ما تزال متمسكة بالسياسة التي عفا عليها الزمن من منظور ووجهة نظر تتعلق بفترة الحرب الباردة”.
يجري ذلك في الوقت الذي يعتبر فيه النظام الكوري الشمالي من أكبر المغتصبين للقيم الكونية لحقوق الإنسان، بحيث يستلزم هذا النظام، في كل الأحوال، تدخلا عسكريا مستعجلا، حتى ولو لم يكن يمتلك أسلحة نووية.
بداية عهد جديد
إن الناظر والمتمعن فيما يجري من أحداث على الأراضي الأوكرانية، وما يعيشه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركي من مفارقات عجيبة، ليدرك جيدا أن ثمة بداية لعهد جديد في طور التشكل، وأن ما كان يسمى بالنظام العالمي الجديد قد دخل غرفة الإنعاش، وبات يعيش لحظته الأخيرة،
وبالفعل بدأت روسيا والصين في الإعداد لهذا العهد الجديد، وفي هذا السياق، استغل سيرغي لافروف لقاء ثنائيا في شرق الصين مع نظيره وانغ يي لإعلان نظام عالمي جديد يرغب فيه البلدان، وقال لافروف في تسجيل فيديو نشرته وزارة الخارجية الروسية إن العالم “يعيش مرحلة بالغة الخطورة في تاريخ العلاقات الدولية” وفي نهاية إعادة صياغة العلاقات الدولية هذه “سنمضي نحن وإياكم والمتعاطفين معنا، نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل وديموقراطي”.
وهذا هو ما يفسر رفض بكين القوي لإصدار بلاغ تدين من خلاله روسيا، بل الأكثر من ذلك أشادت بكين بداية مارس/آذار الماضي، بما أسمتها صداقة “متينة جدا” مع موسكو، ودافعت عن مخاوف الدب الروسي “الحقيقية” بشأن أمنه القومي.
ويبدو من خلال المعطيات الجديدة التي أفرزتها الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن مقولة جورج بوش الأب إنه “لا يوجد بديل للقيادة الأميركية”، التي ترددت مرات عديدة عقب اختبار حرب الخليج الأولى ثم الثانية، لم تعد اليوم وأمام الاختبار الروسي صالحة، ولم تعد ذات مغزى، فهلا فعلا تجاوزها التاريخ؟ هذا ما ستكشف عنه المعطيات في القادم من الأيام.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب