رأي

د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. كيف يواجه أتباع بنكيران منتقديهم؟

الكاتب باحث إعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية  

يتخذ هجوم حزب العدالة والتنمية المغربي على منتقديه، عدة أشكال مختلفة ومتنوعة، أبشعها استهداف شرف وأعراض هؤلاء المنتقدين وتشويه سمعتهم، وهو في ذلك لا يفرق بين إن كان المنتقد رجلا أم امرأة، وبين ما إن كان ذلك المنتقد من علية القوم، أم من الأشخاص البسطاء، مثل ما فعل زعيمهم المثير للجدل مع ناشطة على اليوتيوب، وهي في عمر أصغر بناته.

فهذا الحزب بارع في السب والشتم والقذف والاعتداء ونشر خطاب الحقد والكراهية، ومن ذوي الاختصاص في مجال الهمز والغمز واللمز، على الرغم من أنه يصنف نفسه على أساس أنه حزب إسلامي، جاء لينشر الإسلام وقيم الفضيلة والأخلاق!

مجرد وهم

وكان أتباع هذا الحزب في بدايات عهدهم، يظهرون بمظهر الأخ السمح اللطيف، الذي يهتم ويستمع ويستوعب الآخر، ويشجعون بعضهم البعض على المواجهة والصدح بالحق والنقد، والنقد الذاتي، مستشهدين في ذلك بمجموعة من الأقوال المأثورة عن الصحابة رضوان الله عليهم من قبيل “أحب الناس إليَّ من أهدى إليَّ عيوبي”، ومن قبيل “الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بن الخطاب بسيفه”، وأيضا “لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها”.

إلا أنهم وبمجرد ما دخلوا قبة البرلمان ومعظم المجالس المنتخبة وولجوا على الخصوص مقر الحكومة وذاق “الإخوان” لذة الكرسي حتى سال اللعاب، تغير كل شيء، وتبخرت تلكم الأقوال فانفرط العقد وتبعثرت لآلئه، وسقط القناع عن القناع، واختفى الوجه السمح اللطيف، ليحل محله وجه آخر مغاير تماما، يحمل كل أنواع الغل والحقد والكراهية لكل فئات المجتمع المغربي، بمختلف توجهاتها السياسية والثقافية والاجتماعية، فلم يسلم من لسانهم السليط، سواء الأمازيغي، أو العربي أو اليهودي، وحتى ذوي الأصول الأندلسية والإفريقية، وتبين فيما بعد أن عقيدة النقد والنقد الذاتي، مجرد وهم ومجرد آلية من آليات الاستقطاب الجهنمية ليس إلا.

أسلوب لاذع وقبيح

لقد دأب أتباع بنكيران على محاربة خصومهم ومنتقديهم ومناوئيهم من السياسيين الآخرين بأسلوب لاذع وقبيح، يصل أحيانا إلى درجة التهديد، ومن ذلك الحرب التي شنوها على مدى سنوات كثيرة وبكل الطرق والوسائل، على مشروع الإصلاحات الخاصة بحقوق المرأة، كما اقترحه آنذاك محمد سعيد السعدي، كاتب الدولة في شؤون الأسرة والتضامن، على عهد حكومة التناوب الأولى، ليعودوا بعد ذلك ويدوروا دورة كاملة ويقبلوا هذه المرة ليس فقط بالمقترحات، ولكن بالإصلاحات جملة وتفصيلا.

يقول محمد سعيد السعدي، الذي كان قياديا سابقا بحزب التقدم والاشتراكية اليساري المغربي في حوار أجرته معه صحيفة الأسبوع الصحفي يوم 8 أبريل/ نيسان 2014، “وقت مناقشة الخطة (يقصد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية)، تم الهجوم علي، وتم تهديدي بشكل شخصي، لكنني لم أتحدث عن هذا الأمر، واتخذت السلطات الأمنية الإجراءات الضرورية لتأمين حياتي وحياة زوجتي وأبنائي”.

ويضيف في الحوار نفسه: في هذا السياق أعطي مثالا بسيطا، قبل أحداث 16 ماي 2003 ببضعة أيام، صدرت افتتاحية بجريدة “التجديد” الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح، وكان رئيس تحريرها آنذاك هو محمد يتيم، (وزير الشغل والإدماج المهني السابق المثير للجدل في الحكومة الحالية والقيادي في حزب العدالة والتنمية)، الافتتاحية تتحدث عما أسمتهم “اللادينيون”، وتم ذكرهم بالأسماء، وهم في نظره سعيد السعدي (صاحب الخطة الجهنمية)، وعبدالعالي بنعمور رئيس جمعية “بدائل”، والمرحوم محمد العيادي، صاحب برنامج “مناظرات”، الذي كانت تبثه القناة الثانية”، مشددا على أنها “إشارة دالة على التكفير”.

كما نعتوه وفقا لما جاء في ذات الحوار، بـ”العميل الإمبريالي والملحد والشيوعي وأن زوجته يهودية” وما إلى ذلك من النعوت والأوصاف التي تمس العرض والشرف وتخرج من الملة وتضع صاحبها في إطار آخر غير إطار الإسلام.

على هذا المنوال يتعامل إسلاميو العدالة والتنمية وبكل خسة وغلظة وفجور مع خصومهم ومنتقديهم والمناوئين لهم، من الإطارات والفصائل السياسية الأخرى خاصة ذوي النزعة اليسارية والليبرالية منهم.

محنة الأنصاري

أما إذا كان منتقدهم من الفصائل الإسلامية الأخرى أو كان على الخصوص منهم فإن الأمر يعظم ويشتد ويكون أكثر خسة وغلظة، وأشير في هذا السياق إلى ما جرى للراحل الدكتور فريد الأنصاري، الذي كتب ذات يوم كتابا أسماه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.. انحراف استصنامي في الفكر والممارسة”، ينتقد فيه على الخصوص تنظيم التوحيد والإصلاح، الذي كان في وقت سابق عضوا في مكتبه التنفيذي، فثارت ثائرة رفاق الأمس وأغلظوا عليه ونعتوه بأقبح النعوت واتهموه بـ”خدمة أجندة سياسية معادية لهم”، علما أنه أوضح ذلك في مقدمة الكتاب كما لو أنه رحمة الله عليه، كان على علم من أنهم سيهيئون له هذه التهمة وسيروجونها عبر كتائبهم الإلكترونية على أوسع نطاق.

يقول الراحل فريد الأنصاري في مقدمة الكتاب بخصوص هذه النقطة “ثم إننا قبل إصدار هذه الورقات قد استشرنا مع بعض أهل العلم والفضل باعتبار أنها قد تواجه تهما بالدعاية السياسية لصالح جهة ضد أخرى، لمن لهم غرض في خوض غمار السياسة، وشهد الله أن قصدنا من ذلك براء!..”

إن قرار حركة التوحيد والإصلاح في المغرب أن تلد حزبا سياسيا، هو “العدالة والتنمية”، هو النقطة الحاسمة التي أفاضت كأس الخلاف بين فريد الأنصاري وبين أتباع بنكيران، وجعلته ينهي علاقاته التنظيمية بالذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية ويتفرغ لأعماله ودراساته وأبحاثه العلمية.

وهو قرار لم يكن نابعا من فراغ أو يعوزه الدليل، وإنما كان قرارا مبنيا على أسس متينة وأدلة واضحة جلية، كما أن انتقاده لحركة التوحيد والإصلاح لم يكن انتقادا من أجل الانتقاد، بل من أجل البناء، ولذلك نجده في الفصل الرابع من كتابه “البيان الدعوي” يخصص حديثا عن بعض معالم المنهج الدعوي الصحيح القائم بداية على أهم ما في الدعوة الإسلامية، وأهم ما يجب أن يشتغل به الدعاة طوال مسيرتهم وهو التعريف بالله عز وجل، وبين أثناء انتقاده للذين يشتغلون بـ”الدعوة إلى الله” داخل هذه الحركة كيف أنهم يدعون إلى التنظيم ولا يدعون إلى الله.

يقول فريد الأنصاري في لقاء مناقشة حول كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.. انحراف استصنامي في الفكر والممارسة” نظمه في وقت سابق، موقع المغني الإلكتروني “التعامل مع الحركة يجب أن يكون على خلفية الدين لا على خلفية الانتماء، بمعنى يجب أن نحاكم الحركة إلى الدين لا أن نحاكم الدين إلى الحركة، وأن نحاكم الأشخاص إلى الدين لا أن نحاكم الأشخاص إلى الحركة، فالأنصاري مصيب إذا وافق الحركة، ومخطئ ضال إذا ناقض الحركة، هل الحركة صارت مقياسا لرضا الله عز وجل وللدين الحق هذا هو الاستصنام عينه وهو الذي انتقدناه، ينبغي أن يكون الأنصاري مخطئا إذا ناقض كتاب الله وإذا أخطأ في تنزيل حقائق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يكون مصيبا إذا قارب ذلك واقترب منه هذا هو المنهج الحق..”.

وقال خلال هذا اللقاء موجها كلامه إلى امرأة انتقدته نصرة لحركة التوحيد والإصلاح “أقول لك صراحة إن انتماءك لهذه الحركة لن يدخلك الجنة”، مبينا لها أن “الذي يدخلها الجنة هو عملها الصالح وحده شريطة أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله، لا ما كان خدمة لفلان أو علان أو لهذه الحركة أو تلك”، كما توجه إلى عموم الإسلاميين ودعاهم إلى “التحرر من هذه الهياكل الوثنية التي سكنت عقولهم وقلوبهم ووجدانهم، لقد حجبتهم عن الله، فالله الله في ديننا جميعا”.

إن الملفت في كل ذلك، هو أن أتباع هذا الحزب سيجدون أنفسهم بعد حملات متسلسلة من السب والشتم والقذف وتشويه سمعة منتقديهم، وسط مستنقع كريه كله انتكاسات وجرائم ثقافية واجتماعية وسياسية، وفضائح أخلاقية موثقة داخل وخارج المغرب، تورط فيها وزراء وقياديون في كل من حزب العدالة والتنمية المغربي وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح.

لقد تعود هؤلاء على الانتعاش على أنقاض خصومهم إلى أن نفذ اعتمادهم، وعلى الرغم من افتضاح أمرهم ما زال زعيمهم في بحث مستمر عن خصوم جدد، وخوض معارك وهمية، في محاولة منه للعودة للمشهد السياسي، لكن هيهات فـ”فاقد الشيء لا يعطيه”.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى