رأي

أحمد شعبان محمد يكتب.. إشكالية الاختلاف 2

وضحنا في العدد السابق أن المتفرقين المختلفين داخل الأمة الواحدة لهم عذاب عظيم مثلهم مثل الكافرين، وفي هذا العدد نستأنف التأكيد، وإن جاز لنا أن نستنتج فالفئة غير المستثناة فيمن بيننا وهم الذين اختلفوا لتحقيق مآربهم غير مؤمنين أي “كافرين”.

ولماذا الاستنتاج؟ فلننظر إلى ما جاء بعد الآية 105 آل عمران.

“ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون” (105، 106 آل عمران).

فهل وضحت الرؤية ليس هؤلاء متساوين بالكافرين، بل هم الكافرون حقا.. فكيف يهدينا سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم ويحذرنا سبحانه من الاختلاف لنكون خير أمة أخرجت للناس، ولنكون شهداء على الناس، ويبين لنا عاقبة المختلفين المتفرقين ثم بعد كل هذا نختلف ونتفرق.

ولكن ما وسيلتهم لتبرير وتكريس الاختلاف الذي أصبح ساري المفعول حتى وقتنا الراهن؟

إن تعدد الرؤى ظاهرة صحية، ونصل إليها بالمجاهدة، ولابد منها لأنها تضع أمامنا الحد الأقصى من الاحتمالات الممكنة، ولكن الثبات عندها هو الآفة الكبرى التي نتحدث عنها “الاختلاف”، لأن كل فريق يتمسك بوجهة نظره “رؤيته” لتحقيق مآربه التي هي ظلم للآخرين، بدلا من أن تمحص مع الرؤى الأخرى “الحجة بالحجة” حتى تظهر أكثر الرؤى قربا إلى الصحة لنعمل على أساسها في توجه عام يوحد الأمة ولا يفرقها إلى أن تأتي المعلومات المكتشفة التي يمكن أن تعدل أو تغير أو تثبت وهكذا (نسق مفتوح)، ولكن الذي حدث غير هذا، ثبتت كل الاجتهادات وتبع كل منها طائفة، فكنا وما زلنا مجموعة من الطوائف على شكل فرق ومذاهب، كلٌ فرح ويحتج بما لديه في مواجهة الآخر، وبذلك وعلى مدى تاريخنا نتشاحن ونتشاجر ونتحارب ويقتل بعضنا بعضا في نفس الوقت الذي نحن فيه كعامة مؤمنون وعلى درجة عالية من الالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى، ولكن كل حسب ما يتلقاه من فهم فتعددت أفهامنا وتناقضت حسب أفهام من نتلقى عنهم أوامر الله سبحانه وتعالى، وكل ممن هو قائم علينا دينيا يدعي لنفسه الصحة وما عداه على خطأ أو يحتمل على صواب، وفي نفس الوقت يبررون هذا الموقف ويدعون أن هذا الاختلاف صحي، وأن القرآن حمال أوجه “متعدد الاحتمالات”، ونردد وراءهم القول إن الاختلاف بين المذاهب رحمة للتيسير على العباد، حتى وصل الأمر بقول البعض “نعم الاختلاف رحمة والاتفاق نقمة”. في حين لا يخفى على أحد منا وفي أعماقه أننا متخلفون عن الركب الحضاري بسبب اختلافنا الذي يؤدي دائما إلى تشتيت قوانا ومواردنا، خاصة ونحن في عصر التكتلات الذي تتكامل فيه القوى التي ليس لديها من مقومات الوحدة شيء مما لدينا، وأن نجاتنا في الدنيا والآخرة مرهونة بتحقيق ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى ووهبنا مقوماته.

وأتساءل هل يوجد تغييب للوعي لدى أي أمة مهما كانت متخلفة مثل ذلك؟

قد يقول قائل إن الاختلاف لابد وأن يكون قائما إلى يوم الدين، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وهذه مغالطة، لأن الاختلاف حقيقة لابد وأن يكون قائما إلى يوم الدين، ولكن فيما بين الناس وليس بين أبناء الأمة الواحدة كأمتنا التي أرادها المولى عز وجل أمة واحدة، والتي لها مرجعية واحدة ألا وهي القرآن الكريم.

وهذا ما تبينه كل الآيات القرآنية التي ذكر فيها الاختلاف.

وردت مادة “خلف” في القرآن الكريم في 127 موضعا جميعها بمعنى ثبات التباين الذي يمكن أن يصل إلى حد التضاد. وبالنظر إلى أسباب الاختلاف بصورة عامة نجد أن له أربعة أسباب لا يخرج عنها وهي:

قلة المعلومات، خطأ المعلومات أو عدم دقتها، اتباع الهوى، عدم تحديد معاني الألفاظ بدقة.

فالثلاثة الأسباب الأولى لا يختلف حولها أحد لأنها بديهيات، أما السبب الرابع فهو الذي تم التعتيم عليه، وهو المسئول عما وقعنا فيه من مصيبة الاختلاف، سواء بسوء نية قد ارتكن عليه من أرادوا الاختلاف كمسوغ ليبغي بعضهم على بعض، أم عن جهل بما درجنا عليه في تعاملاتنا، ولم نفرق بين كلامنا كبشر نتعامل بما يسمى ألفاظا اصطلاحية يمكن أن يتغير معناها بالتطور الزمني أو من موقع إلى آخر وأيضا ألفاظا معربة هذا من جانب.

والبقية بالعدد القادم بإذن الله.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى