إعداد: أحمد عزام حسن
باحث سياسي متخصص في العلاقات الدولية
مقدمة
في ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولًا محوريًا في المشهد السياسي بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهو الحدث الذي أفضى إلى تولي أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، المسؤولية. هذا التغير جاء نتيجة لتراكمات سياسية وعسكرية واقتصادية على مدار أكثر من عقد منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011. خلال هذه السنوات، مرت سوريا بصراعات معقدة شملت تفكك المعارضة إلى فصائل متعددة، وضغوط اقتصادية دولية، وتدهور داخلي في النظام.
تولي الجولاني السلطة فتح بابًا جديدًا في التاريخ السوري، حيث يسعى لتقديم نفسه كقائد سياسي يسعى لتحقيق الاستقرار في بلد منهك من الصراعات. ومع ذلك، فإن هذا التغيير جاء محاطًا بجملة من التحديات الداخلية والخارجية. داخليًا، تتطلب إدارة البلاد إعادة بناء المؤسسات الحكومية وتوحيد الفصائل المختلفة، إلى جانب مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. أما على الصعيد الدولي، فيبرز تساؤل حول كيفية تعامل القوى الكبرى والدول الإقليمية مع صعود الجولاني، خاصة في ظل تاريخه وعلاقة هيئة تحرير الشام مع الجماعات الإرهابية.
في هذا السياق، يمثل اللقاء الإعلامي لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) مع قناة العربية في ديسمير2024 نقطة تحول إضافية في محاولة الجولاني لتغيير صورته أمام الرأي العام العربي والدولي. من خلال تقديم رسائل سياسية تعكس تحولًا من الفكر الجهادي إلى البراغماتية، وسعيه إلى كسب الدعم العربي والدولي، يهدف الجولاني إلى تبييض صورة هيئة تحرير الشام وتصويرها كجزء من الحل وليس المشكلة. ورغم ذلك، يبقى المشهد معقدًا، حيث تواجهه تحديات تتعلق بالاعتراف الدولي وإدارة الملفات الداخلية الشائكة، ما يجعل مستقبل سوريا رهين قدرته على تحقيق التوازن بين هذه العوامل
السياق التاريخي
منذ بداية الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد في عام 2011، كان هناك شعور عام بالاستياء من السياسات القمعية والفساد المستشري في الحكومة. وقد أدت هذه الاحتجاجات إلى تصعيد العنف، مما أسفر عن اندلاع حرب أهلية شاملة ومع مرور الوقت، انقسمت المعارضة إلى فصائل متعددة، بعضها مدعوم من قوى خارجية، مما أدى إلى تعقيد الصراع . في السنوات الأخيرة، ومع تزايد الضغوط العسكرية والاقتصادية على النظام، بدأت تظهر بوادر انهيار النظام، حيث فقد السيطرة على العديد من المناطق الحيوية.
- اقرأ أيضا: السعودية في أسبوع.. مؤتمر الرياض يبحث آليات دعم سوريا والمملكة تستعد لتطوير برنامجها النووي
انهيار النظام
بحلول ديسمبر 2024، أدت سلسلة من الهزائم العسكرية إلى تفكك القوات الحكومية، مما جعل النظام غير قادر على الحفاظ على سلطته. كانت هذه الهزائم نتيجة لعدة عوامل، منها تزايد قوة الفصائل المسلحة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، التي تمكنت من استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب على الأرض كما ساهمت الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية وتدهور الأوضاع المعيشية في تفشي الفساد داخل المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى تآكل الثقة في النظام.
تولي الجولاني المسؤولية
مع انهيار النظام، برز أبو محمد الجولاني كقائد جديد للبلاد. وقد جاء هذا التغيير في القيادة في وقت كانت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى استقرار سياسي وأمني. الجولاني، المعروف بقدرته على تنظيم الفصائل المسلحة، تمكن من توحيد بعض هذه الفصائل تحت راية واحدة، مما أعطى انطباعًا بوجود قيادة جديدة قادرة على إدارة البلاد ومع ذلك، فإن تولي الجولاني المسؤولية لم يكن خاليًا من التحديات.
التحديات التي تواجه الجولاني
تواجه هيئة تحرير الشام، تحت قيادة الجولاني، تحديات كبيرة تتعلق بإدارة البلاد في ظل الظروف الحالية. أولاً، هناك حاجة ملحة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان. فقد وصل الوضع الاقتصادي في سوريا إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور، حيث يعاني معظم السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء .ثانيًا، يجب على الجولاني التعامل مع التوترات الداخلية بين الفصائل المختلفة، حيث لا يزال هناك انقسام بين الجماعات المسلحة حول كيفية إدارة البلاد.
الموقف الدولي
على الصعيد الدولي، فإن موقف القوى الكبرى من تولي الجولاني المسؤولية سيكون له تأثير كبير على مستقبل سوريا. فبينما قد ترى بعض الدول في الجولاني قائدًا يمكن أن يجلب الاستقرار، فإن هناك دولًا أخرى قد تعتبره تهديدًا، مما قد يؤدي إلى تدخلات جديدة في الشأن السوري كما أن العلاقات مع الدول المجاورة، مثل تركيا والأردن، ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث في الفترة المقبلة.
دلالات لقاء الجولاني مع قناة العربية
- التوقيت وأهداف الظهور الإعلامي
- التوقيت: جاء اللقاء في وقت حساس بالنسبة للملف السوري، حيث تتراجع حدة الصراع العسكري ويتزايد التركيز على الحلول السياسية وإعادة الإعمار. ظهور الجولاني على قناة العربية يشير إلى محاولة تحسين صورته أمام الرأي العام العربي.
الأهداف:
- تسويق نفسه كزعيم سياسي: يسعى الجولاني إلى تقديم نفسه كقائد يسعى لتحقيق الاستقرار في سوريا، وليس كشخصية جهادية متطرفة.
- كسب الدعم العربي: دعوته للدول العربية لدعم الشعب السوري تشير إلى رغبته في جذب دعم مالي وسياسي، وربما تخفيف الضغط الدولي على هيئة تحرير الشام.
- إعادة صياغة الهوية السياسية
تحدث الجولاني عن التحول من الفكر الجهادي إلى نهج براغماتي، مما يظهر رغبة في التكيف مع الظروف الجديدة، هذا التحول يهدف إلى تبييض صورة هيئة تحرير الشام، التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، ومحاولة إعادة تقديمها كحركة وطنية سورية بعيدة عن الأيديولوجيات المتطرفة.
- النفي العلني للارتباط بتنظيمات إرهابية
نفيه لأي صلة حالية بتنظيم القاعدة أو داعش يمكن قراءته كمحاولة للضغط على المجتمع الدولي لإعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، هذا النفي قد يكون موجهًا أيضًا لتحسين العلاقة مع الفاعلين الدوليين والإقليميين، خصوصًا تركيا ودول الخليج.
- رسالة إلى الداخل والخارج
- للداخل السوري: الجولاني حاول تقديم نفسه كجزء من الحل وليس المشكلة، داعيًا إلى بناء دولة مؤسساتية تحترم جميع المكونات السورية.
- للخارج: أشاد بتجارب دول الخليج والتنمية فيها تبدو كرسالة تهدف إلى جذب دعم هذه الدول، وربما التلميح إلى استعداده للتقارب معها في المستقبل.
- التحديات التي تواجه الجولاني
الملف الدولي: هيئة تحرير الشام لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية في العديد من الدول، مما يجعل من الصعب تحقيق الاعتراف الدولي بها.
التحدي الداخلي: المعارضة السورية التقليدية وبعض الفصائل المسلحة الأخرى قد ترفض محاولاته لإعادة التموضع، خاصة في ظل ماضيه المرتبط بالتطرف.
- الدلالات الإستراتيجية
اللقاء يعكس تحولًا في إستراتيجية هيئة تحرير الشام، من الاعتماد على القوة العسكرية إلى محاولة دخول الساحة السياسية كفاعل شرعي.
ويمثل لقاء الجولاني مع قناة العربية محاولة جريئة لإعادة تقديم نفسه كزعيم سياسي قادر على قيادة مرحلة ما بعد الحرب في سوريا. ورغم الرسائل الإيجابية التي حاول إيصالها، إلا أن الشكوك حول مصداقية هذه التحولات ستبقى قائمة، خصوصًا لدى المجتمع الدولي والمعارضة السورية.
الخاتمة:
يمثل سقوط نظام بشار الأسد وتولي أبو محمد الجولاني السلطة نقطة انعطاف حاسمة في المشهد السوري. ومع كل التحديات التي تواجهه، يحاول الجولاني إعادة صياغة دوره من قائد فصيل مسلح إلى زعيم سياسي يسعى لكسب الشرعية محليًا ودوليًا. لقاءه الإعلامي مع قناة العربية يعكس هذا التحول، لكنه أيضًا يفتح الباب لتساؤلات حول مدى مصداقية توجهاته الجديدة، خاصة في ظل الإرث الثقيل لهيئة تحرير الشام وعلاقتها بالتطرف.
يبقى مستقبل سوريا مرتبطًا بقدرة القيادة الجديدة على معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، توحيد الفصائل، والتعامل مع تعقيدات الموقف الدولي. وبينما يمكن أن تكون هذه المرحلة فرصة لإعادة بناء سوريا على أسس أكثر استقرارًا، إلا أن نجاح هذه الجهود يعتمد على مدى التزام القيادة بتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة صياغة دورها بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري ومعايير المجتمع الدولي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
Shehab, M. and Abdullah, N. (2023). الأزمة السورية وأسبابها الداخلية. Journal of Tikrit University for Humanities, 30(1, 2), 188-199. https://doi.org/10.25130/jtuh.30.1.2.2023.10
Tahboub, N. (2024). أثر التحديات الإقليمية والدولية على السلوك السياسي الأردني (2017-2022). Dirasat Human and Social Sciences, 51(6), 91-101. https://doi.org/10.35516/hum.v51i6.5297
الابراهيمي, ج. (2024). موقف القوى الدولية والإقليمية من الأزمة السورية بعد عام 2011م. Journal of Kufa Studies Center, 1(74(B)), 525-550. https://doi.org/10.36322/jksc.v1i74(b).17751
الجبور, ب. (2024). أثر العامل الجغرافي في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأردنية “الأزمة السورية أنموذجا2011 -2023. The Jordanian Journal of Law and Political Science, 16(3). https://doi.org/10.35682/jjlps.v16i3.908
الرفاعي, ل. (2021). رؤى: كيف ساهم نظام الأسد بخلق ودعم واستمرار «تنظيم الدولة»؟. Rowaq Arabi – رواق عربي, 26(3). https://doi.org/10.53833/bpel2026
المرهون, ن. (2024). العلاقات الروسية السورية وانعكاساتها على الأزمة الحالية في سوريا (2011 – 2017م). Journal of Science and Humanities, (60), 17-21. https://doi.org/10.37376/1571-000-060-002
مصطفى, س. (2024). تطور الأزمة السورية وتداعياتها على الداخل السوري. المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية, 38(4), 121-151. https://doi.org/10.21608/sjrbs.2024.243743.1543
موسى, و. (2023). قراءة في توجهات الدولة القطرية من الأزمة السورية 2011 – 2018. مجلة العلوم الإقتصادية و الإدارية و القانونية, 7(4), 111-120. https://doi.org/10.26389/ajsrp.w251022
موسى, و. (2024). مظاهر فشل الأمم المتحدة في تدبير الأزمة السورية. المجلة الدولية للدراسات القانونية والفقهية المقارنة, 5(1), 82-89. https://doi.org/10.31559/lcjs2024.5.1.7