إعداد: د. مصطفى عيد إبراهيم- خبير في الشئون الدولية
وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على اتفاقية دفاعية تاريخية مع كوريا الشمالية في يونيو الماضي، وهي الصفقة التي تأتي وسط تقارير تفيد بأن بيونج يانج أرسلت آلاف القوات للقتال ضد أوكرانيا. في حين قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الخميس الماضي الموافق 7 نوفمبر 2024 إن كوريا الشمالية أرسلت 11 ألف جندي إلى روسيا وتكبد بعضهم خسائر في القتال مع قوات كييف في منطقة كورسك بجنوب روسيا. في حين لم تؤكد روسيا وجود القوات الكورية الشمالية. ويتعين على الاتفاق أن يمر عبر البرلمان الروسي ويوقعه زعيم الكرملين حتى يدخل حيز التنفيذ. وبموجب هذا الاتفاق -الذي وقعته روسيا وكوريا الشمالية- يتعين على الدولتين تقديم المساعدة العسكرية “دون تأخير” في حالة وقوع هجوم على الأخرى. كما يلزمهما بالتعاون الدولي لمعارضة العقوبات الغربية وتنسيق المواقف في الأمم المتحدة. وقام الكرملين بنشر القانون الموقع الذي يصادق على المعاهدة على موقعه على الإنترنت مساء السبت الموافق 9 نوفمبر 2024، ويضفي الاتفاق طابعا رسميا على أشهر من التعاون الأمني المتعمق بين البلدين، اللذين كانا حليفين شيوعيين طوال الحرب الباردة. وأصبحت كوريا الشمالية واحدة من أبرز الداعمين للهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا.
خلفية الاتفاق
في أول زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية منذ 24 عاما، وقع على تعهد دفاعي مشترك مع كيم جونج أون يوم الأربعاء الموافق 19 يونيو 2024، مما يؤكد مدى إعادة صياغة روسيا لعلاقاتها مع الدولة الوحيدة التي اختبرت سلاحا نوويا هذا القرن. وفي هذا السياق، قال أرتيوم لوكين، من جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية في روسيا، إنه اعتمادا على الصياغة الدقيقة للاتفاقية، والتي لم يتم الكشف عنها على الفور، فقد يكون ذلك تحولا دراماتيكيا في الوضع الاستراتيجي بأكمله في شمال شرق آسيا. وقال لوكين: “إذا قدمت روسيا ضمانات أمنية لكوريا الشمالية، فإن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تصبح نظيرا لبيلاروسيا، الحليف الرئيسي لروسيا في أوروبا الشرقية. سيكون هذا تحديا مفتوحا لنظام التحالفات التي تركز على الولايات المتحدة في شمال شرق آسيا. وبطبيعة الحال، سيكون مشكلة ضخمة بالنسبة لسول وطوكيو”. وفي حين أن كوريا الشمالية لديها معاهدة دفاعية مع الصين، إلا أنها لا تقيم تعاوناً عسكرياً نشطاً مع بكين كما طورت مع روسيا على مدى العام الماضي. وذلك على الرغم من ان الصين، الشريك التجاري الأكبر لكوريا الشمالية وحليف متزايد الأهمية لروسيا، كانت حذرة في التعامل مع العلاقات الناشئة بينهما، وتجنبت أي ترتيب ثلاثي قد يعقد علاقاتها في أماكن أخرى.
وقال رامون باتشيكو باردو، أستاذ العلاقات الدولية في كينجز كوليدج في لندن، “إن أول زيارة يقوم بها بوتين منذ 24 عاما تظهر أن الأمر يتعلق بما يمكن أن تحصل عليه روسيا من كوريا الشمالية – وهذا مدفوع بالحرب في أوكرانيا. واضاف باتشيكو باردو، إنه يتوقع أن تشارك روسيا بعض المعرفة والخبرة في تطوير برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية، وإن لم تكن التكنولوجيا الأكثر تقدما لدى موسكو. وقال: “أعتقد أن هذا تغيير كبير في العلاقة مع كوريا الشمالية”. “بدون غزو أوكرانيا، لا أعتقد أن روسيا كانت لتشعر بأنها مضطرة لمشاركة مثل هذه التكنولوجيا.
وقال أربعة دبلوماسيين تحدثوا إلى رويترز شريطة عدم الكشف عن هويتهم إنهم يتوقعون علاقات أعمق مع كوريا الشمالية لكنهم قالوا إن روسيا، باعتبارها أكبر قوة نووية في العالم، ستكون انتقائية للغاية بشأن التكنولوجيا التي تشاركها مع كيم. وقال دبلوماسي غربي آخر مقيم في سيول إن مدى تعاون روسيا مع كوريا الشمالية يضفي شعوراً بالإلحاح على مشاركة أوروبا مع دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وقد يؤدي إلى المزيد من التحولات في التحالفات العالمية.
وتقول روسيا إن علاقاتها مع بيونج يانج ستتوافق مع الاتفاقيات الدولية ولن يُملى عليها كيفية إدارة علاقاتها من قبل أي قوة أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة. ونفت كل من روسيا وكوريا الشمالية الاتهامات التي وجهها مسؤولون أميركيون وحلفاؤهم، ومراقبو العقوبات التابعة للأمم المتحدة، بأن بيونج يانج تتقاسم الأسلحة لاستخدامها في أوكرانيا. وقال بوتين إن روسيا “لم تستبعد تطوير التعاون العسكري التقني” مع كوريا الشمالية بسبب الدعم الغربي لأوكرانيا.
وعلى صعيد الولايات المتحدة الامريكية، ذكر “باتريك رايدر” المتحدث باسم البنتاجون للصحفيين “إن التعاون المتزايد بين روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية هو أمر يجب أن يكون موضع قلق، وخاصة لأي شخص مهتم بالحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية”.
يرى الدبلوماسيون أن تحرك بوتن تجاه كوريا الشمالية يمثل نقطة تحول رئيسية في نظام العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية، والذي تم تشكيله في عام 1948 بدعم من الاتحاد السوفييتي آنذاك.
والجدير بالذكر انه في مارس الماضي، استخدمت روسيا حق النقض ضد التجديد السنوي للجنة الخبراء التي تراقب تنفيذ العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة منذ فترة طويلة على كوريا الشمالية بسبب برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وامتنعت الصين عن التصويت. وقالت روسيا إن القوى الكبرى بحاجة إلى نهج جديد تجاه كوريا الشمالية، متهمة الولايات المتحدة وحلفاءها بتصعيد التوترات العسكرية في آسيا.
وخلاصة الامر، ان العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا تطورت بدافع المصلحة المشتركة او بالأحرى التهديدات المشتركة. وبدأت تتخذ ناحية التركيز على نقل الأسلحة والتكنولوجيا، بعد ان كانت تعتمد على المعاملات التجارية، ولكنها الآن تنتقل إلى أنظمة الدفع والتعاون البحثي والتبادلات من أنواع مختلفة”، كما يقول نيكلاس سوانستروم، مدير معهد سياسة الأمن والتنمية في السويد. “يبدو أن هذه العلاقة عميقة لدرجة أننا قللنا من تقديرها. لكن المحللين يقولون إن هناك حدودًا للعلاقة. فروسيا، أكبر قوة نووية في العالم، ليست مهتمة بالانتشار النووي على نطاق واسع، وخاصة من قبل جارتها. ولا تريد ان تصطدم بالصين التي لا تهتم أيضًا بهذا النهج في الإقليم والعالم. وبينما ساعد الاتحاد السوفييتي كوريا الشمالية في بناء مفاعل أبحاث في يونجبيون، كان الكرملين في الحقبة السوفييتية حذرًا دائمًا من الطموحات النووية لكيم إيل سونج – مؤسس الدولة وجد كيم جونج أون – ووجد في بيونج يانج شريكًا صعبًا واستفزازيًا، خاصة عندما حاولت دفع موسكو من خلال تعميق العلاقات مع الصين.
وأخيرا، سيتوقف التطور في العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا على الصعيد العسكري على نتائج حرب أوكرانيا وموقف الغرب والولايات المتحدة منها وانتخابات أوكرانيا في العام المقبل وموقف إدارة ترامب من تقديم المساعدات لاوكرانيا ، وكلها علاقات طردية مع تنامي العلاقات الروسية الكورية الشمالية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب