رامي زهدي يكتب.. حول مشكلة الدمج المجتمعي والإقتصادي لذوي الإعاقة في القارة الإفريقية
التجربة المصرية كنموذج ملهم لدول القارة في التعامل مع هذا الملف
الكاتب خبير في الشؤون الإفريقية- مركز العرب للدراسات والأبحاث
“القارة الإفريقية، قارة معقدة الظروف والأحوال.. الأغني بالموارد، ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة، والأولي في توافر عنصر الشباب بنسب تتجاوز 70٪ في دول عديدة من دول القارة، في الوقت نفسه تنفرد القارة بعدد أرقام سلبية غير محدود للأسف، فهي القارة الأضعف من حيث البنية التحتية، الإقتصادية، المجتمعية، الصحية والإنسانية، قارة في معظم نطاقتها الجغرافية يفتقد فيها الإنسان الأمن والأمان والإستقرار، أمن الغذاء وأمن الطاقة تحدي دائم مجهول المصير،
وسط كل هذا، ووسط غياب بنود عديدة من بنود حقوق الإنسان لدي الأغلبية من شعوب القارة الإفريقية، يأتي الإفريقي من ذوي الإعاقة ليصبح التحدي أعظم والهم أكبر، فحقوق المعاق الأساسية غير مطروحة من الأساس في وقت لا يحصل الإنسان العادي في إفريقيا علي أبسط الحقوق، ربما دول قليلة فقط من دول القارة الإفريقية هي التي إستطاعت تجاوز ذلك، ونجحت في خطوات مؤثرة لدمج ذوي الإعاقة داخل نسيج المجتمع إقتصاديا ومجتمعياََ وحصل فيها ذوي القدرات الخاصة علي قدر كبير من حقوقهم الإنسانية والطبية علي الأقل، من هذه الدول مصر، جنوب إفريقيا وبعض دول الشمال الإفريقي تقريبا”.
في وقت يعيش أكثر من مليار شخص، أو ما يقرب من 15 في المائة من نسبة سكان العالم التي تقدر بـ 7 مليارات نسمة (أكثر من مليار شخص في العالم لديهم شكل من أشكال الإعاقة، وهذا 1 من كل 7 أشخاص) ، مع شكل من أشكال الإعاقة. وتتواجد نسبة 80 في المائة منهم في البلدان النامية ومعظم هذه النسبة متواجدة في القارة الإفريقية، هناك أكثر من 100 مليون طفل هم من ذوي الإعاقة، ذوو الإعاقات أكثر عرضة للعنف 4 مرات من الأطفال غير المعاقين، وللأسف الشديد لا يستطيع 50 ٪ من الأشخاص ذوي الإعاقة علي الأقل تحمل تكاليف الرعاية الصحية، في وقت وقعت 177 دولة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تشير 7 أهداف من أهداف التنمية المستدامةبوضوح إلى الأشخاص ذوي الإعاقة.
مما يضاعف أبعاد المشكلة في إفريقيا، هي في الأساس تراجع البيانات الرقمية وغياب نظم التسجيل والرصد أيضا في عدد كبير من الدول الإفريقية، وبالتالي، لا نجد دراسات قوية ذات ثقة في البيانات والأرقام الخاصة بعدد وشكل الإعاقات في إفريقيا ونسب توزيعها، وبالتالي لاتوجد خطط واضحة للتعامل الجاد مع الملف او تطويره، كما لا تتوافر أي خطط لمواجهة خطر ظهور الإعاقة من الأساس بتجنب الحد الممكن من الأسباب العلمية الطبية او الچينية او الإجتماعية بما في ذلك رعاية الأم والجنين ثم الطفل فيما بعد حالات الولادة، وكذلك تراجع الإجراءات الوقائية وتوافر التطيعمات الكافية لمواجهة إحتمالية ظهور المرض من الأساس.
الأمر بالفعل أليم جدا علي المتابع او متدبر الأمر، وسط أزمات إنسانية مفجعة دائمة ومتجددة وجديدة تظهر من وقت لأخر في القارة نجد مشكلات ذوي الإعاقات نفق مظلم، لا نملك معلومات كافية، ولا آليات تطبيق لحلول، ولا منهج للتعامل مع المشكلة، طالما ان المجتمعات الإفريقية في الأساس سوف تضع مشكلات الإعاقة في ترتيب متأخر وسط أزماتها العديدة.
ليس الأمر فقط تسليط ضوء علي مشكلات هي في الأساس واضحة للجميع، ربما فكرة الحل، ولماذا الحل، في إفريقيا نحتاج جميعا للعمل لإستعياب ذوي الإعاقة أولا إنسانيا ومن واقع الضمير، سواء الضمير الشخصي او ضمير العالم الذي يصف نفسه دائما بأنه قاطرة الحضارة والإنسانية، ثم إستعياب إقتصادي لطاقة الأفارقة من ذوي الإعاقة في دولهم، وفتح المجال للجميع للمساهمة في بناء الأوطان وحل المشكلات.
“ضرورة إنسانية مؤكدة، أن نعمل جميعا وبكل فئات المجتمع تجاه إستعياب ممنهج ومناسب وإحتواء نفسي وإنساني ثم مكاني وإقتصادي لآبنائنا وأهلنا من ذوي الإعاقة، خاصةََ من منا ممن لم يختبر ذلك الإختبار الصعب، فلم يكون هو نفسه او أحد من أهله مباشرة من ذوي الإعاقة، فجميعنا مدين لله ولنفسه لو أنه لم يكون يوما في ذلك التحدي الصعب، مدين بأن يقدم كل ما يستطيع من جهد لمساعدة الآخرين الذين من الله عليهم سواء بإعاقة او بوجودها في قريب منه، ولأنها بالفعل منحة من الله وخيراََ كثيرا وإن بدا عكس ذلك، فالله إن أخذ.. أعطي، وإن منع.. منح، وإذا كنا إستطاعنا في مصر تنفيذ جزء كبير من هذه الأهداف، إذن علينا أن نوجه الفكرة وننقل التجارب لكافة الدول الإفريقية من واقع دور مصر الإنساني والتنموي في القارة الإفريقية.
نتحدث عن ضرورة إجراءات يجب ان تقوم بها الدول وأي دولة من أجل إستعياب ذوي القدرات الخاصة او ذوي الإعاقة لأنهم فئة مؤثرة من فئات الشعب، وأيضا لأنها طاقة كبيرة، قد تكون مهدرة، او غير ملتفت لها، إنها طاقة معطلة في أغلب الأحيان، “لأن…”
“من فقد البصر… لم يفقد البصيرة”
“ومن فقد السمع… لم يفقد الرؤي”
“من فقط قدما أو يدا… مازال يملك ساعداََ”
“ومن فقد أي شئ… بقي له قلبه نابضاََ، وروحاََ مؤثرة”
إذن فإن دمج ذوي الإعاقة في المجتمعات الإفريقية، إحتياج وضرورة قبل أن يكون واجب إنساني، المجتمع الذي يطمح للبناء والتعمير والنمو والتقدم يحتاج توظيف قدرات الجميع، الأمر ليس فقط حق إنساني لذوي الإعاقة، لكن أيضا هم منتجون، مبدعون، بل “قادرون بإختلاف” ، إن إعقاتهم هو سبب إختلافهم وإختلافهم هو يقين قوتهم وقدراتهم الخاصة، التي تستطيع ان تحرك ساكناََ وإن كان جبلاََ وأن تعبر مانعاََ وإن كان بحراََ وغير ذلك من الأمثلة التي حدثت وتحدث دائما لأبطال بيننا فئتهم ذوي إعاقة وحقيقتهم أبطالاََ ملئ السمع والبصر.
نحتاج وضع تصور إقتصادي قوي، سواء في مصر كنموذج ريادي او في بقية دول القارة الإفريقية، نموذج ممنهج فعال وقابل للتطبيق، لتحويل طاقات ذوي القدرات الخاصة لمحرك قوي لإقتصاد الدول، نحتاج وظائف حقيقة تتفق مع قدراتهم، نحتاج ظهور لهم دائم في المشهد المجتمعي للدول، وفي المشهد الثقافي والرياضي كذلك، بل حتي نحتاج لتغيير ثقافة التعامل مع هذه الفئة، نحتاج تغيير الحوار المجتمعي بين فئات المجتمع الخاصة، مابين فئة مرأة، شباب، كبار سن، ذوي قدرات خاصة، فلاحين، عمال.. وغير ذلك، الأمر ليس إلا إختلاف شكلي، بينما المضمون أننا جميعا إنسان.. مواطن، فقط تختلف المسميات.
الدور المجتمعي للشعب لايقل أبدا عن دور الدول، ليس الأمر فقط تشريعات وقوانين، ودور مؤسسي، نحن نستطيع ان نصنع الفوارق، الناس بالناس وللناس، نعمل سويا، ونتحرك سويا ونغير واقعاََ نرفضه دائما، بقي الفعل بالتطابق مع القول، في مدارس، في جامعات، في مؤسسات الإنتاج المختلفة وفي بيئة الأعمال، الدمج الصحيح والفعلي هو مخرج لنا جميعا من أزمات مجتمعية وإقتصادية لا يمكن لنا الإستمرار بها أكثر من ذلك، بقي للعالم أن ينصف إفريقيا، إن لم يكن من واقع استراتيجية القارة، يكون علي الأقل إنسانيا لفئة تعاني ولا تجد لها صوتا مسموعا.”