رأي

دكتور محمد يحيى غيدة يكتب.. كيف نعالج ظاهرة التفكك الأسري العربي؟

كاتب المقال أستاذ بجامعة المنصورة.. وعضو الهيئة الاستشارية في مركز العرب

بناء المجتمع يبدأ من الأسرة، فعندما تكون الأسرة متماسكة يكون المجتمع متماسكا، وعلى الرغم من تأثير العوامل الاقتصادية والثقافية والدينية على تماسك الأسر بشكل سلبي وإيجابي يبقى الأهم هو بناء اللبنة الأولى من العقيدة والإيمان لدى النشء من بداية الطفولة، فما تزرعه في الطفولة تحصده في النشء والشباب والرجولة والكهولة، وهنا لابد أن نؤهل الزارعين بداية من اختيار التربة وانتهاء برعاية الزرع ليكون ثمره ناضجا سليما، هكذا بناء الإنسان وتنميته وهو مسعى جديد في الجمهورية الجديدة التي أسسها الرئيس السيسي وخطط لها على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكانت مبادرة حياة كريمة هي اللبنة الأولى في بناء الإنسان، الصحيح المعافى والجاهزة لتنفيذ المهام والمساهمة في البناء.

لذلك سوف أتناول في أطروحة اليوم معالجة مشكلة من المشاكل التي تهدد بناء المجتمع وهي مشكلة الطلاق.

 (الطلاق) تفكك أسري

الإحصائيات في الوطن العربي تفتقد الدقة، ولكنها تعد مؤشرا مهما لقياس الظواهر التي تحدث في المجتمع بالسلب والإيجاب، فظاهرة الطلاق في الوطن العربي تحتاج إلى حوار مجتمعي يشارك فيه الجميع بعد أن وصلت إلى أرقام مخيفة، فالأمم المتحدة أصدرت في عام 2017 إحصائية عن الطلاق في العالم، احتلت فيها دول عربية المراتب الأولى، إذ ارتفعت نسب الطلاق من 7 % إلى 40 % خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في الوطن العربي إلى 7 ملايين مطلقة، في مقابل 14 مليون طفل من أبناء الأزواج المطلقين، والرقم مرشح للزيادة.

وحتى نعالج الظاهرة المخيفة التي تدل على تفكك أسري وصل إلى ذروته والدراسات والبحوث الاجتماعية تشير إلى واقع مؤلم لابد أن نبحث عن الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى الطلاق، التي أجدها محصورة في أسباب معينة لا تتعداها من وجهة نظري.

أولا التكنولوجيا

لعل غول التكنولوجيا كان سببا مباشرا أو غير مباشر في حالات الطلاق والخلع، فالتطور التكنولوجي هدم الكثير من البيوت، وكان لوسائل التواصل (الفيسبوك الواتس) وغيرهما دور سلبي للغاية في الطلاق والخلع، وهناك الملايين من الحالات التي تنظرها محاكم الأسرة كانت التكنولوجيا فيها أهم الأسباب.

ثانيا: الأهل

تدخل الأهل وخصوصا الحموات من الطرفين في صلب الحياة بين الزوجين يعد سبباً مهما وجوهريا، والقصص والحكايات تؤكد أن نصيب هذا السبب بين الأسباب الأخرى تجاوز 70% من الإجمالي.

ثالثا: زواج بدون معرفة

الزواج السريع بدون معرفة سابقة أحد أهم الأسباب لأن الزوجين يكتشفان حقائق لم تكن في الحسبان، وقد يلعب الكذب وإخفاء الحقائق دورا كبيرا في حدوث الطلاق، فهناك إحصائية تؤكد لجوء “8500” زوجة من المتزوجين حديثاً إلى الطلاق، وكان أهم أسبابها إخفاء بعض الأزواج أمراضا مزمنة عن زوجاتهم، وآخرون يكذبون ويحتالون فيما يتعلق بعملهم وأهلهم، والبعض يهرب من تحمل المسئولية الأسرية.

رابعا: غياب الحب

أغلب الأزواج يفكرون في الارتباط دون أن تكون هناك عاطفة تربط الطرفين أو حتى قبول يولد فيما بعد الحب، ولذلك القبول كان شرطا لإتمام الزواج في الإسلام لأنه بوابة الحب.

خامسا: الحالة الاقتصادية

الحالة الاقتصادية هي صاحبة النصيب الأكبر في حدوث حالات الطلاق، فعندما يعجز الزوج عن تلبية متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وحياة كريمة تهرب الزوجة إلى الطلاق وخصوصا عندما يكون الزوج متكاسلا غير مدرك المسؤولية.

سادسا: تلبية الرغبات الجنسية لدى الطرفين

الجنس في الحياة الزوجية أمر مهم جدا، وعندما يغيب عنهم تغيب الحياة ويهرب الحب وتبدأ الخلافات ويكون الطلاق هو الحل وخصوصا في حال العجز.

تلك هي أهم الأسباب التي يمكن معالجة بعضها وتقليص نسب الطلاق، أما باقي الأسباب فهي جوهرية وعلاجها أمر صعب للغاية، بالإضافة إلى أن هناك أسبابا أخرى منها الخيانة الزوجية التي استبعدتها من معرض حديثي لأني أتحدث عن الأسوياء وإلى الأسوياء فقط.

وقبل أن أختم حديثي عن أسباب الطلاق أقول نسب حالات الطلاق السابقة تختلف من المدن إلى القرى، ففي المجتمعات المدنية ترتفع النسبة بشكل كبير، إذ ما قورنت بالمناطق الريفية التي تحتفظ ببعض العادات والتقاليد المميزة والتي تحث على التجمع وتنبذ الفرقة والطلاق.

حلول مناسبة لظاهرة الطلاق

حتى نقوم بدراسة الظاهرة جيدا ومحاولة الحد من انتشارها بهذا الشكل نحتاج إلى فترة زمنية طويلة لغرس بعض المفاهيم وتطبيق بعض السياسيات التي تدعو إلى المحافظة على الكيان، ومع أن هناك مكاتب لحل النزاعات الأسرية ومحاولة الصلح بين الزوجين قبل وقوع الطلاق وهذه المكاتب تكلف الدولة أموالا طائلة، إلا أن دور هذه المكاتب لم يحقق أي مردود إيجابي، فهؤلاء لا يملكون أي مؤهلات حقيقية لمحاولة الصلح بين المختلفين ولا محاولة الوصول إلى حلول، وفي النهاية يقع الطلاق.

في الحقيقة العالم كله يستفيد من مراكز الأبحاث والدراسات إلا في مصر التي لا يتعدى دورها عن النشر في وسائل الإعلام لنطلع عليها الرأي العام فقط دون أن يكون للدولة والمسؤولين أي دور إيجابي في محاولة معالجة تلك المشاكل من خلال رصد الأسباب الحقيقية ووضع الحلول الواقعية.

الطلاق في حد ذاته خراب للمجتمع كله، وتفشي الظاهرة مؤشر خطير له مدلول سلبي على مستقبل العرب ويكلف الدول المليارات ويصيب الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالشلل التام.

لذلك..

تقع المسؤولية على المجتمع كله تجاه تلك الظاهرة، فرجال الدين وعلماء النفس والاجتماع مطالبون بدور كبير لمعالجة هذه الظاهرة الهدامة ومحاولة الحد من تفشيها بكل الوسائل المتاحة حتى نعيد إلى مجتمعنا العربي الانسجام والحب والتفاهم، فالطلاق هدم للأسرة والمجتمع.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى