القاهرة- عبدالغني دياب
في بداية الألفية لم يكن يحلم تاجر الإبل السوداني محمد حمدان دقلوا أنه سيبصح قائد عسكري بارز في السودان، لكنه ما هي إلا قفزات في الهواء ليصبح الرجل في غضون أقل من عقدين نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان.
في أحد مناطق غرب البلاد ولد محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي، تحديدا في أحد ايام العام 1975، وهو ينحدر من قبيلة الرزيقات من رفاعة من جهينة.
انقلابات متتابعها
رغم الجينات العربية التي تحري في عروق حميدتي لكنه لم يتمتع يوما بخلق الفرسان، فالرجل الذي لم يكمل تعليمه وترقي لرتبة فريق أول دون أن يلتحق بأي كلية أو معهد لدراسة العلوم العسكرية أو غيرها من العلوم، ليس هذا فحسب فحميدتي انقلب على كل من عمل معهم.
تاجر الإبل يصبح قائد ميليشيا
البداية كانت من دارفور غربي السودان ففي عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات شبة عسكرية من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في المنطقة، كانت نواة هذه القوة من عشيرتي المحاميد والماهرية لتعرف لاحقا باسم “الجنجويد”.
داخل ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة، لمع اسم حميدتي، فكان هو الرجل الثاني الذي اعتمد عليه موسى هلال زعيم عشيرة المحاميد في قيادة هذه الميليشيات، ورغم أن هلال كان هو السبب الرئيسي في تحويل حميدتي من تاجر للإبل لقائد عسكري، إلا أنه كان أول من ساعد في الانقلاب عليه.
البشير يصنع قواته
بعد سنوات من الحرب الطاحنة التي حصدت مئات الألوف من أهالي دارفور، يبدو أن الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير قرأ شيء ما في شخصية حميدتي، تمثل ذلك في تطلع الأخير للسلطة وحب الظهور، ليكون ذلك سببا في الاطاحة بموسى هلال وتصعيد دقلو محله.
لأن السوداني عاني من عدد كبير من الانقلابات العسكرية كان البشير يخشي من انقلاب المؤسسة العسكرية عليه لذا فضل أن يحتفظ بميليشات الجنجويد بعيدا عن كنف المؤسسة العسكرية وكام يعتبرها مصدر تأمين له في منصبه حتى أنه كان يلقب حميدتي بحمايتي.
في عام 2007، منح البشير حميدتي رتبة عميد لتصبح قواته جزءًا من أجهزة الاستخبارات في البلاد، لكنها ليست جزءا من الجيش بل تابعة للرئاسة.
الانقلاب الثاني.. البشير يتجرع سمه
المفارقة الغريبة في الأمر أن القوات التي شكلها البشير تحت اسم قوات الدعم السريع عام2013 وكانت مهمتها الأولى حمايته من الانقلاب كانت المعول الأهم في الإطاحة بحكمه، فحينما قرأ حميدتي مشهد التظاهر في 2018 عاد لعادته القديمة ولمح أن مستقبله سيكون أفضل في حال عدم وجود البشير في السلطة.
ركب حميدتى في موكب الثورة، وصار نائب لرئيس المجلس الانتقالي بحكم انه يتحكم في قوة عسكرية قوامها يتعدى الآلاف، لكنه رغم تواجه في ثاتي مقاعد القيادة كان طوال الوقت يتطلع لشغل الموقع الأول لذا تصدى لكل محاولات دمج قواته في الجيش السوداني، وكان سببا في تعطيل أي اتفاقات بين الشق المدني والعسكري في السلطة لينقلب للمرة الثالثة في أقل من عشرين سنة على الجيش السوداني محدثا شق في الصف السوداني في وقت تعاني البلاد من أزمات سياسية واقتصادية خانقة.
الثروة ونمو القوات
لم يستغل حميدتي الظروف السياسية فقط لتحقيق أحلامه في الترقي بل ترافق معها التراكم السريع للثروة.
اشتد التنافس بين حميدتي وهلال عندما اكتُشف الذهب في جبل عامر في ولاية شمال دارفور في عام 2012.
وجاء ذلك في اللحظة التي كان فيها السودان يواجه أزمة اقتصادية لأن جنوب السودان قد انفصل، مستحوذا على 75 في المئة من نفط البلاد، بدا الأمر وكأنه هبة من السماء.
واستولى رجال ميليشيات هلال بالقوة على المنطقة، وقتلوا أكثر من 800 شخص من قبيلة بني حسين، وباتوا أثرياء عن طريق تعدين الذهب وبيعه.
استولى قائد القوات شبه العسكرية على مواقع تعدين الذهب الرئيسية في منطقة دارفور. وبحلول عام 2017، شكلت مبيعات الذهب في البلاد 40٪ من الصادرات.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اعتقلت قواته هلال، واستولت قوات الدعم السريع على مناجم الذهب الأكثر ربحية في السودان.
كان حميدتي يطور أيضًا علاقات خارجية مهمة حتى أنه حاول أن يعرض نفسه كرجل لروسيا في السودان فمبجرد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير قبل الماضي كان أول من زار موسكو ووقتها قال إنه لا يمانع في وجود قاعدة عسكرية في بلاده.
لم يكتف بذلك بل بذل كل جهده للاستفادة من الاضطرابات في البلدان الأفريقية من حولها وقدم جنوده كمرتزقة للقتال قي أكثر من موقع ملتهب.
رغم اتهام قوات الدعم السريع بالاشتراك فيما عرف إعلامياً بـ “مجزرة القيادة العامة” إلا أنه يحاول خداع السودانيين مرة أخرى عبر ادعاء أن انقلابه الحالي هو لدعم الديمقراطية متناسيا أنه كان طوال الوقت كان عدوا لها وأن تاريخه لم يعرف سوى الاضطرابات واستغلال الفرص لصالحه فقط.