د. محمد جبريل العرفي يكتب.. أربعة عوائق أمام الحل الجذري للأزمة الليبية
السؤال البديهي هو: هل في الأفق حل جذري للأزمة الليبية، أم ننتظر حلاً قدرياً؟
الإجابة التي لا يختلف حولها اثنان عاقلان أن الحل الجذري ممكن وواضح، وقد يكون وحيدا وهو التقاء الليبيين في (حوار ليبي – ليبي) دون تدخل سلبي أجنبي، لأن مشكلة الليبيين تكمن في التدخل الأجنبي، لأن من أسقط الدولة القوية الموحدة عام 2011 لا يرضى لها بأن تقوم من جديد. فإن لم يلتق الليبيون في حوار شامل داخل مؤتمر تأسيسي، فستستمر الأزمة، وقد تتعقد، وقد تهدد بقاء ليبيا على الخريطة، وللتحضير للمؤتمر التأسيسي وجب الإجابة عن أربعة أسئلة:
- اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. أبو عجيلة يوحد كل الليبيين باستثناء الدواعش والعملاء والنهابين
ما المهام التي توكل إليه؟
ممن يتكون المؤتمر التأسيسي؟
كيف يكتسب المؤتمر شرعيته؟
ما آلية تنفيذ مخرجاته؟
من السهل الإجابة عن السؤال الأول، لأنه توجد تجارب دولية عديدة لمؤتمرات تأسيسية انعقدت وحققت نتائج إيجابية وصنعت حلا لأزمة بلدانها، فالمؤتمر التأسيسي يضطلع بالمهام الآتية:
1 – يحدد شكل الدولة وتنظيمها الإداري، ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهويتها وعلمها ورمزها ونشيدها.
2 – يحيل ما يتم التوافق عليه إلى لجنة فنية لصياغته في مشروع دستور دائم للبلاد، يعرض على استفتاء عام.
3 – يشكل المؤتمر إدارة مؤقتة للمرحلة تتولى بسط الأمن (بما فيها جمع السلاح وطرد المرتزقة وإدماج أفراد التشكيلات المسلحة) وتوفير الخدمات للمواطنين، والشروع في إجراء المصالحة الشاملة، وتهيئة البيئة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
4 – الانتقال بالبلاد من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الدائمة.
قد يصعب الاتفاق على تحديد الأطراف الحقيقية المؤثرة في المشهد، وخاصة في ظروف سطوة السلاح والمال، والاستقواء بالأجنبي، والإنكار والمغالبة والتهميش. هذه الجزئية تحتاج إلى عصف ذهني وإجراء حوار نزيه حولها، وبمجرد أن يتم تحديد الأطراف المؤثرة بدقة وموضوعية يترك لها حرية تسمية مندوبيها في المؤتمر التأسيسي.
أما الشرعية فإما أن تكون شرعية شعبية أو دولية أو انتخابية أو تنظيمية أو برلمانية.
بينما آلية تنفيذ مخرجات المؤتمر التأسيسي فإما بقرار أممي، كما حصل في الصخيرات وجنيف، أو بحماية من القوات المسلحة العربية الليبية والأجهزة الأمنية.
لكن أمام هذا الحل أربعة عوائق:
أولها الأجسام السياسية الميتة سريريا المتشبثة بالسلطة، والحريصة على إطالة أمد الأزمة، هذه الأجسام شعارها «من يذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا؟»، ولهذا هي متفقة في الباطن وإن اختلفت في الظاهر. وبارقة الضوء في آخر النفق هو التحذير الموجه لها بمنحها الفرصة الأخيرة حدد أجلها بعام 2023 لوضع خريطة طريق لإجراء انتخابات عامة برلمانية ورئاسية متزامنة دون أن تقصي أحدا، انتخابات تكتسب سلطتها من الشعب دون سواه.
أما العائق الثاني فيتمثل في ماراثونات الحوارات والمؤتمرات واللقاءات التي تنظمها المجموعات الإسلاموية مختطفة فكرة «المؤتمر الجامع» مثلما حصل قبل أسبوعين في طرابلس أو مؤتمر المقاتلة المزمع عقده بغدامس، حيث يدعى إليها العناصر المتماهية مع المشروع العدمي الإسلاموي، أو النفعيون أو الجاهلون.
والعائق الثالث، يتمثل في التغييب وفقدان المرجعية، فالتغييب يتم بفعل أدوات التواصل الاجتماعي التي ألهت الناس عن التفكير في الأخطار المحدقة بهم، وأفرغت شحنات غضبهم، فنادرا ما تجد جموعا غاضبة في الشوارع والميادين، بل إن كل مواطن يصب جام غضبه في غرفة اتصال إلكتروني أو صفحة فيسبوك. واختفت المرجعية التي ممكن أن تقود الجموع، بل برز على السطح جهلة ونفعيون وعملاء ومفترون وفارغون تصدروا المشهد كشيوخ قبائل أو قادة رأي أو نشطاء سياسيين. وسط هذا الكم وبفعل الإعلام الإلكتروني اختفت المرجعيات الوطنية أو قلّ عددها أو ضعف تأثيرها. هذا يتطلب من القوة الوطنية أن تضطلع بدورها في تجذير الوعي وقيادة الجماهير، لتخلق مرجعيات وطنية تنقذ الوطن من الأخطار المحدقة به.
العائق الرابع: استهلاك الوقت واللعب على عامل الزمن بتغيير الظروف الدولية بالخروج من الحرب الأوروبية الثالثة القائمة الآن بين الغرب والشرق، وتحييد الجنرال صقيع فتسقط ورقة الطاقة من أيدينا، أو زوال الصخرة الصماء بأي وسيلة إما بالتآمر أو بالغزو أو بالعزل أو بالطبيعة. وهنا تتقاطع مصالح المستفيدين من الوضع من الواجهات المحلية، مع مصالح الدول الأجنبية، فحتما سنشاهد لقاءات وحوارات وتدخلات دولية مع دخول الربيع القادم.
على القوة الوطنية أن تضطلع بواجباتها التاريخية بنشر الوعي ورص الصفوف وقيادة الجموع لإنقاذ ما تبقى من حطام الوطن، ودرء الأخطار المحدقة به.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب