اجتماعيةالرئيسيةدراسات

تهريب المخدرات عبر الساحل الشرقي لأفريقيا (إلى أوروبا والولايات المتحدة) وتأثيره الممتد إلى كينيا

إعداد/ نِهاد محمود

باحثة دكتوراة بكلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة

 في البداية، كان يُنظَر إلى الساحل الشرقي لأفريقيا -المُمتَد من ساحل البحر الأحمر حتى نهر النيل غربًا، ومن جنوب مصر حتى بلاد الحبشة (إثيوبيا) جنوبًا- في الغالب على أنه منطقة عبور لتجارة المخدرات فقط لأوروبا وأميركا، ولكن بمرور الوقت لُوحِظ أن بقايا هذه المخدرات لا تزال موجودة على امتداد المنطقة، كما يوضح “بونيفاس ويلوندا” مسؤول إدارة البرامج في مكتب الأمم المتحدة المَعني بالمخدرات والجريمة. وإذا نظرنا إلى كينيا على وجه التحديد، فقد كانت تُرى كسوق عبور فقط لهذه المخدرات، لكنها أصبحت الآن سوقًا وجهة رئيسة للمخدرات غير المشروعة. علمًا أنهم يسلكون هذا الطريق الأطول للهروب من إنفاذ القانون الأكثر صرامة عبر أوروبا الشرقية.  على صعيد مخدر الهروين بشكل خاص، ورغم الآثار الصحية الخطيرة لإدمانه والتي تكون سيئة للغاية، لايزال المجتمع والحكومة والمنظمات ذات الصلة (في كينيا) تتجاهله، وتعتقد أن إرادة الشخص هي المحفز على التعاطي، لكن الأمر يشترك فيه عدد من العوامل التي تدفع إلى البدء في تعاطيه، والتي يأتي أبرزها توافر المخدرات بهذه البقعة.

حول سجون الكونغو الديموقراطية

ويقول أحد مُدمني مخدر الهيروين في كينيا “محمد تاي”: “إنه إدمان سيئ للغاية، لكن المجتمع والحكومة والمنظمات الأخرى تعتقد أن إرادة الشخص هي السبب في الاستمرار باستخدامه. لكن الأسباب الصغيرة هي التي تدفعك إلى البدء في الاستخدام”. “إنه يضعك في حالة من الغيبوبة، ولا تفهم نفسك، يمر الوقت بسرعة، وأنت في عالم آخر، دون أي قدرة على التفكير”.

بيانات ووقائع كاشفة:

كان مخدر “الهيروين” يمر عبر كينيا في طريقه إلى أوروبا وأميركا، ولكنه أصبح الآن يُباع بشكل متزايد داخل البلاد، مما يغذي الطلب “الإدمان” المحلي. بقول آخر: في السابق كان يُنظر إلى كينيا على أنها منطقة عبور بحتة وليس وجهة للمخدرات، ولكن هذا تغير الآن تغيرًا جذريًا.

ورغم نُدرة البيانات لكن يمكن الإشارة إلى أحدث أرقام مكتب الأمم المتحدة المَعني بالمخدرات والجريمة لعام 2019، والتي تشير إلى أن هناك ما يقرب من 27,000 مستخدم للهيروين بين السكان الكينيين. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة وأرقامه لعام 2013، فإن 22 طنًا من الهيروين تنتقل عبر ساحل شرق إفريقيا سنويًا، مع حوالي 2.5 طن بقيمة حوالي 160 مليون دولار مخصصة للسوق الكينية المحلية. لذا ليس بمستغرب القول إن إدمان الهيروين يدمر حياة الناس في كينيا، الدولة التي تحولت من كونها مجرد طريق عبور للمخدرات غير المشروعة إلى سوق وجهة هامة للاتجار بها وتعاطيه.

من جهة أخرى نجد أنه خلال العام الحالي 2024، ضبطت الشرطة 73.6 كيلوجرامًا من الماريجوانا بقيمة 2.2 مليون شلن على الطريق السريع ميجوري-سيراري.  وفي حادثة أخرى، صادرت الشرطة الكينية في طريق نامبالي-بوسيا 350 لفة من البانج تزن 22 كجم بقيمة تقديرية تبلغ 660 ألف شلن.

كما إنه عند طريق ماي ماهيو-نيروبي، ألقى ضباط الشرطة من وحدة مكافحة المخدرات (ANU) ووحدة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية (TOCU) القبض على مشتبه به يحمل 19 عبوة من القنب. كما ألقى المحققون في بوسيا، بناء على بلاغ، القبض على فتاة بحوزتها رزمة واحدة من البانج ملفوفة بشريط أبيض، تزن 17.15 كيلوغرامًا، بقيمة سوقية تقدر بـ 514500 شلن. وعليه جددت الإدارة العامة للمباحث الجنائية الكينية التزامها الثابت بمكافحة الاتجار بالمخدرات، وحثت المواطنين على ضرورة الابتعاد عن هذه التجارة غير المشروعة، حيث سيواجه المخالفون القوة الكاملة للقانون.

التعاطي مع الأزمة:

تعمل منظمة أطباء بلا حدود منذ أكثر من 5 سنوات على تقديم خدمات العلاج بمساعدة طبية في مقاطعة كيامبو الكينية التي يعاني سكانها من إدمان المخدرات على نحو لافت، في البلد الواقع بشرق أفريقيا، وتوفر العلاج ببدائل الأفيون لمساعدة الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات، على احتواء إدمانهم. كما سلَّمت منظمة أطباء بلا حدود المرافق اللازمة إلى إدارة الصحة في مقاطعة كيامبو وشركائها. وقبل ذلك، لم يكن هناك مرفق طبي قائم يقدم الرعاية لهؤلاء المرضى في كيامبو، وكان عليهم السفر لمسافات طويلة للوصول إلى أقرب عيادة للعلاج بمساعدة طبية، والتي كانت في نيروبي، مما أدى إلى انخفاض معدلات الالتحاق للمرضى.

وعليه تُشَكِّل خدمات العلاج من خلال تقديم الأدوية جزءًا من الحد من الضرر والحد من الوفيات وتفشي الأمراض المرتبطة بإدمان المخدرات مثل الجرعة الزائدة والعواقب الصحية والاجتماعية والقانونية والمالية السلبية لإدمان المخدرات. لكن رغم ذلك يميل الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات إلى عدم طلب الرعاية الصحية بسهولة بسبب الوصمة والتمييز من قِبَل العاملين في مجال الرعاية الصحية والمجتمع.

أما في لامو (بلدة صغيرة في كينيا) فقد أصبح الإدمان مشكلة صحية عامة كبيرة. كما أنشأت مستشفى الملك فهد عيادة الميثادون لمساعدة المدمنين على التخلص من الهيروين. في هذا الإطار تقول عزيزة شي مبارك، مدربة سريرية بالمستشفى: “إنه تحدٍ كبير جدًا بالنسبة لنا، وقد جربنا عدة وسائل لمكافحة استخدام المخدرات، لذلك بدأنا في إنشاء عيادة الميثادون”. وكان الميثادون بمثابة شريان حياة للمدمنين المتعافين مثل بوي كيتا، الذي يتذكر التأثير المدمر للإدمان على حياته. “كان الإدمان سيئًا جدًا بالنسبة لي. لم يكن لدي أي أصدقاء؛ “لم يكن بإمكان إخوتي في المنزل وحتى الغرباء على الطريق أن يثقوا بي. لم يكن أحد ليوظفني”، كما يضيف: “لكن منذ بدأت في استخدام الميثادون قبل أربع سنوات، ساعدني كثيرًا”. وجدير بالذكر أن الميثادون هو مسكن ألم ينتمي لمجموعة من العلاجات تسمى الأفيونات أو العلاجات المخدرة، يستخدم في علاج أنواع الألم المتوسطة إلى الشديدة، حيث يعمل على تثبيط مستقبلات الألم في الجهاز العصبي المركزي.

سُبُل التصدي والتحجيم:

تعمل كينيا بالفعل من خلال منظمات المجتمع المدني الناشطة لديها على تدشين برامج لإعادة الإدماج الاجتماعي وتمكين المرضى من التعافي، وتكون هذه المراكز بمثابة ملاذات آمنة لهم؛ حيث يشارك المرضى في أنشطة تهدف إلى تعزيز رفاهتهم، كما يشاركون في أنشطة رياضية وترفيهية كالملاكمة واليوجا والشطرنج والبلياردو، وأنشطة ترفيهية تعليمية أخرى مثل عرض الأفلام التحفيزية والمعرفية لتعزيز معرفتهم وانضباطهم “سلوكياتهم”. بالإضافة إلى ذلك، يخضع المرضى لورش عمل لبناء قدراتهم في مجال تغيير السلوك ولمساعدتهم على الانخراط في أنشطة تدر لهم الدخل.

من ناحية أخرى يُعتبَر الأشخاص المتعافين حلقة اتصال هامة للغاية؛ حيث يعمل بعضهم كمرشدين لتوعية الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات، وفي معظم الأحيان، هم نقطة الاتصال الأولى مع المرضى لأنهم عانوا من تعاطي المخدرات بأنفسهم والآن أصبحوا مرشدين وقدوة لمساعدة غيرهم، من أقرانهم. كما إنهم هم الرابط بين الأوكار (حيث يجتمع الناس لتعاطي المخدرات) ومراكز تقديم الدعم والتوجيه، حيث يمكن للأشخاص الذين يستخدمون المخدرات الحصول من هؤلاء (الموجهين) على مزيد من المعلومات حول برنامج العلاج بمساعدة الأدوية والالتحاق به.

لكن بعيدًا عن الرعاية الطبية، يظل إعادة الإدماج الاجتماعي والدعم للمرضى من ضحايا الإدمان للمخدرات، عاملًا حاسمًا في تعزيز التعافي والحد من الوصمة حيث يقلل الدعم الاجتماعي والاقتصادي من فرص الانتكاس.

وفي الأخير لا يمكن إغفال تفشي المخدرات بشكل عام داخل كينيا (كوكايين، هيروين،.. وغيرهم) ففي كينيا تجد كل شيء، ومع ذلك تعتبر السلطات أنها تبذل كل ما بوسعها لوقف تفشي هذه الآفة. لكن يبدو أن الفساد يلعب أمرًا محفزًا على استمرار هذه الأنشطة- كحال أغلب دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تعاني من ظواهر الجريمة المنظمة ومخاطرها المتعددة- وبخاصة ما يتعلق بإغراء المال السهل الذي يجد طريقه بسهولة إلى قلب الشرطة نفسها، فبعض قادة الشرطة يتلقون رشاوى من كبار مهربي المخدرات، ما يكشف لنا عن بعض من جوانب الصورة المظلمة في كينيا (والحالات المشابهة لها بالقارة)، التي أصبحت ملتقى طرق عالمي للمخدرات.

المصادر:

جعفر عروم، كينيا: الطريق الجديد للمخدرات، فرنسا 24، 22 أكتوبر 2019، متاح على: https://2u.pw/IZ5AFTTv، تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2024.

كينيا: إدارة مكافحة المخدرات تصادر 73.6 كيلوجرامًا من الماريجوانا بقيمة 2.2 مليون شلن على طول طريق ميجوري-سيراري السريع، 26 أغسطس 2024، متاح على: https://2u.pw/AiRMQRFn، تم الاطلاع في 25 نوفمبر 2024.

Heroin trafficking to Europe fuels rising addiction on Kenya’s coast, Nov 17, 2024, https://newsroom.ap.org/editorial-photos-videos/detail?itemid=f5405f6a1ec34e8f8d04872e92d65ac3, accessed Nov 25, 2024.

Kenya: Fighting to thrive beyond opioid addiction, Aug 16, 2024, https://msfsouthasia.org/kenya-fighting-to-thrive-beyond-opioid-addiction/, accessed in Nov 25, 2024.

Heroin addiction crisis in Kenya: A growing challenge, Nov 22, 2024, https://www.africanews.com/2024/11/18/heroin-addiction-crisis-in-kenya-a-growing-challenge/, accessed in Nov 25, 2024.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى