اجتماعيةدراسات

«الفقر وثقافة انظر».. أهم أسباب تدني الذوق العام في العالم العربي

تدني الذوق العام العربي

إعداد: هالة الدسوقي

ما كان قديما غير مقبولا أصبح مقبولا..وما كان مرفوضا أصبح مستساغا، وكلمة “عيب” اختفت من حياتنا، و”الممنوع” قديما أصبح مرغوبا بل و”مفعولا”، وفي سنوات أصبحت الأحوال لا ترضي العقلاء وذوي الأخلاق ولا تسير بمنطق .. وبمرور الوقت “تدني الذوق العام”، ووصل لمرحلة نعايشها الآن غاية في الخطورة قد تصل في بعض الأحيان لـ”انعدام الذوق العام”، وتبخر الأخلاقيات والقيم..لنستيقظ على بشر غاية في الغرابة يتعاملون بمنطق اللاذوق مع الجميع دون حدود ودون قيود.

هالة الدسوقي تكتب.. قفا الحلاقة
هالة الدسوقي

خطورة الوضع الحالي وتراجع الذوق وتبخر القيم قد طبع المجتمع بتلك السمة، التي أصبح يتحلى بها غالبية أفراد مجتمعنا، وعلى كافة المستويات على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأسرة والتعاملات المجتمعية وصولا للخطاب الإعلامي، وبالطبع محتوى وسائل التواصل الحديثة وعالم الصور الذي فرضته علينا التكنولوجيا الحديثة، وهو ما ترك أثر في تعاملاتنا ولغاتنا وسلوكياتنا بشكل مخيف مرعب، لابد من مواجهته ودفع طوفانه ليعود للمجتمع رونقه الخلقي وقيمه الرفيعة.

وسائل الاتصال الحديثة

ولو تأملنا في جوانب الذوق العام، فلن نترك جهة إلا وأشرنا إليها، ونتأمل المستوى الشخصي الذاتي لكل منا، فقد أثرت الأجهزة الحديثة في كل منا بدرجات متفاوتة، فهناك من يستخدمها في خدمته على الوجه الأمثل، فيستفيد من تلك الوسائل في عمله في رفعه ثقافته وتوسيع مداركه وإضافة الجديد لمعلوماته، ولعل هؤلاء قلة من الجيل القديم أو من يتسم بالعقلانية من الأجيال الوسط أو الجديدة.

أما الأغلب، للأسف، فقد أثرت وسائل التكنولوجيا الحديثة عليهم بالسلب، فالكل الآن يطالع النت ويحمل الموبايل، حتى وصل لحد الإدمان لدى البعض، فأعماه عن كل من حوله دونه، فنرى الرجل أو السيدة أو الولد أو الفتاة وهم لا يتركون هذا الموبايل من يدهم حتى أثناء تناول طعامهم أو عند دخولهم الحمام !!

فتيات.. فتي أحلامهم يضع “مساحيق التجميل”

والخطورة التي تكمن في هذا السلوك هو أن أعينهم تطالع كل ما يُعرض عليهم من تافه أو منحرف أو شاذ، متلاشين أي نوع من أنواع الإفادة أو الجدية، بدعوى أنهم يسعون للتسلية، فيطالعون فيديوهات خالية من الأخلاقيات تدعو للانحراف ومسلسلات سطحية لا فائدة ترجي منها.

ولو تأملنا في حال كثير من فتياتنا الآن كمثال، فقد اختلفت صورة فتى الأحلام لديهن بشكل يصدم، فنجومهن المفضليين “المغنيين أو أفراد فرق موسيقية عالمية”، من الذين لا يخرجون للتصوير إلا وعلى وجوههم مساحيق التجميل، ويعلقون الأقراط في آذانهم ويرقصون ليلا ونهارا، وهو ما يثير الضحك، فالواحدة منهن لا تمانع الارتباط بشخص يضع مساحيق التجميل وكأنه “أختها”.. فكانت البنات قديما تلتمس في الرجل مروءته وشكله الدال على كونه رجل فتشترط بعض الفتيات مثلا “الشنب” فيمن تحلم به كزوج، وطبيعي فالرجل من صفاته الخشونة والمرأة النعومة، ولكن الوضع الآن أصبح مقلوبا معكوسا، وهن يعتبرن “عادي”.

كارتون “السم في العسل”

ولا يُستبعد تغير ذوق الأجيال الحالية لتأثير قنوات الأطفال التي تعرضوا لهم في صغرهم، فبعضها تعرض أفلام كارتون مدبلجة باللغة العربية ولكنها غارقة في القيم الغربية والشاذة، وتقدم لهم “السم في العسل”، ويقبلن الشاذ والقبيح دون امتعاض أو اعتراض.

والملاحظ أيضا هذه الأيام هي أن بعض الفتيات لا يخجلن من مغازلة الأولاد الذين يستحسن شكلهم، وقديما ..الفتاة كانت وجهها يحمر خجلا حينما يسمعها أحدهم كلمة معاكسة، أما الآن فالولد هو من يحمر وجهه خجلا من معاكسات الفتيات.

أولاد بترتر وجينز مهلهل !!

وكذلك الأولاد، تغيرت سلوكياتهم فلا مانع لديهم في الرقص ليلا ونهارا،  ولا مانع من الحديث بنعومة مقززة أو ارتداء ملابس بها الترتر أو الألوان الصارخة أو التصميم الذي يصلح للفتيات أكثر منها للأولاد، وبالطبع السلسلة تصاحب الرقبة والحظاظة في معصم اليد، وحال يثير العجب فلا صلة لمظهرهم بالرجولة.

والفتيات والأولاد في النهاية لا يمانعون من لبس “الملابس التي تتزين بالتقطيع” ويُظهر البنطلون على سبيل المثال جلدهم حتى وإن كان في عز البرد، وهو ما نراه جميعا، فقد تجد فتى يرتدي بنطلون ذو ركبة مقطوعة في جو شديد البرودة وتظهر ركبه .. في مشهد مضحك ومُبكي في نفس الوقت، فلا يهتم بالبرد قدر ما يهتم بالموضة، التي لغت عقول هؤلاء الصغار، بينما تلبسهم الموضة أيضا الملابس شديدة الضيق تكاد تنفجر، في منظر ملفت للجميع، دون مراعاة لأخلاقيات أو عادات أو قيم أو ذوق.

لغة جديدة مطعمة بالبذاءات

وإن انتقالنا للغة فقد ظهر في المجتمع لغة جديدة بألفاظ وكلمات عجبية، وهو ما لا يعانيه الأجيال الجديدة فقط، فالمُلاحظ  أن اللغة انحدرت لدي الجميع، فنطالع قنوات التليفزيون لنسمع ما لا نتخيله، من شتائم مقدمي البرامج وتدنى لغتهم وسب من يختلف معهم في الرأي، والتحدث بطريقة مجافية للذوق بعيدا عن الأخلاقيات، بإدعاء “الوصول للبسطاء من الناس”، مرورا بحديث الناس سويا فيوصف أي شيء بـ”أم كذا … أو أبو كذا”.. وكذلك استخدام الشتائم بين الجميع دون خجل، وترصد الناس لبعضهم البعض واختلاق البعض للخلافات ، حتى وإن كان مع من ساقه حظه العسر للركوب معه في نفس وسيلة المواصلات.

دراما الإجرام وأغاني التوكتوك

بينما نرى على شاشة التليفزيون وعلى خشبة المسرح وساحة الانترنت ما تحويه دراما “اليومين دول”، والتي تحول جميع فئات المجتمع لحفنة من الأشرار المجرمين، ما بين بلطجية ومتعاطي مخدرات وخائنين، فهي تقدم كم عنف غير عادي، ومقاطع فاضحة وأفلاظ يندى لها الجبين، وكذا الحال بالنسبة للأغاني المتداولة الآن والتي يطلق عليها صفة “شعبية”، والتي تحوي  كم ألفاظ نابية وشتائم يتغنى بها على نغمات الموسيقى، وهي للاسف تجد استحسان من البعض، فتسمعها في المواصلات العامة، ولعلها المفضلة لسائقي التكاتك، والتي تصدع بها ميكروفوناتها في الطرقات.

أما على المستوى الأسري، فغالبية الأسر في مجتمعنا المصري طالها التغير المؤسف وفي ذلك حدث ولا حرج، أصبح أفراد الأسرة أشخاص متجاورين وليسوا متقاربين، فكل من الأب والأم والأولاد، كل في واد، كل منهم في جزيرة منفصلة عن الآخر، فالأب يعمل ويكون في غاية الذوق مع زملائهم وغاية الظرف مع زميلاته،  بينما يُركب وجها آخر في المنزل، إما وجه السكوت ودفنه داخل موبايله، أو وجه العبوس وشدة الأعصاب بدعوى الضغوط وكثرة متطلبات الحياة.

وإن وجدنا مثل هذا الأب فسوف نجد الدفة كلها في يد الأم التي تلعب كافة الأدوار في وقت واحد، وهذا في حالة عدم إدمانها للتليفون أيضا، فنجدها الطباخة والشغالة والممرضة والمدرسة ومربية الأطفال ومديرة المنزل والعاملة التي تجود بدخلها على الأسرة مع دخل زوجها، وبالتالي تجد نفسها مستهلكة لأقصى درجة، أما في حالة إدمانها للتليفون، فسوف تضاعف المصيبة ويضيع الأطفال في الوسط.

ماديات بحتة تُغيب دفئ الأسرة

وكلا الطرفين في وقتنا الحالي تراجع دورهم في التربية، فلا توجيه ولا تربية، وإن حدث متابعة للأولاد وتربية تقوم على القيم والأخلاقيات فسوف تكون أشبه بحالة حرب ضروس ضد ما يتعرض له الأولاد  في مجتمعهم وما يعايشونه من أخلاقيات منعدمة وما يحكي عنه الآباء.

وتلك الأجيال الجديدة مسكينة حقا لأنها محاطة بمُغيرات كثيرة ووسائل اتصال عديدة تشبع نهمها من التسلية والتفاهة والسطحية ما لا يمكنه مقاومته، من وجهة نظرهم المحدودة، فيكون تأثيرها أعلى من توجيهات أب أوأم يشغل غالبية وقتهم عملهم أو أجهزتهم عنهم، وبالتالي يصبح وجود الأسرة المترابطة الفاعلة مفقود، فلا هدف ولا رؤية يحارب من أجله الجميع، ولو عدنا بذاكرتنا إلى الخلف فسوف نرى أم وأب متفانين في تخريج أولاد صالحين نافعين لأنفسهم ولمجتمعهم، فكانوا يربونهم على الأخلاق والذوق والرحمة، يزرعون بداخلهم الضمير والوعي.

وكرد فعل على هذه الحياة المادية البحتة الخالية من الايجابيات والتواصل، يتضح التفكك الأسري، ويصبح وراء عقوق الأبناء وانسحاب الاحترام من جانب الأبناء تجاه آبائهم بل ومن يكبرونهم في السن عامة، فقد تصادف ولد صغير أو شاب يُكيل الشتائم لآخر في عمر جده دون رحمة أو خجل.

لمعان نجوم الفن والرياضة ومعضلة القدوة

والمؤكد أن غياب القدوة هو ما دفع الجميع للجرى وراء السراب واللهث وراء اللاشيء فيما عدا الماديات الطافحة، ففي ظل ثقافة الصورة أصبح القدوة أبطال المسلسلات والمطربين ولاعبين الكرة، في ظل تواري النماذج الناجحة في المجالات الأخرى فهناك المدرس والطبيب والمهندس والعالم والخبير وحتى العامل البسيط ممن لديهم رؤية وهدف للوصول بأنفسهم ومجتمعهم للأفضل، وقد تواروا مع لمعان نجوم الفن والرياضة ونجوم الانترنت.

ولعل هذه الصور متجمعة هي ما أفرزت في مجتمعنا نماذج يُخيفنا وجودها في الحياة، ترتكب جرائم لم نسمع بها من قبل، قد تكون في قلب الأسرة الواحدة، فظهر “زنا المحارم”، وطفا على السطح “الشذوذ” وانتشرت جرائم القتل على أتفه الأسباب، وأصبحت المخدرات موجودة وفي متناول الشباب، بل أن بعضهم يتعاطها في الطريق العام، وكثر “الانتحار” حتى بين المتقدمين علميا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا..ما الذي دفع بنا إلى أسلوب تدني الذوق العام وانعدامه في أحيان كثيرة؟ وإن وصل بنا الحال إلى هذا الطريق .. فهل هناك سبيل للعودة إلى نشأنا عليه من قيم ومباديء وأخلاقيات وذوق رفيع ؟

أمة “إقرأ” تحولت لأمة “أنظر”

يرى السينارست سمير الجمل، أن تدني الذوق العام يرجع إلى عدة عوامل، على رأسها يأتي انخفاض مستوى القراءة، وتحول أمتنا من أمة “اقرأ” إلى أمة “أنظر” أو أمة “ألمس”، في إشارة إلى التليفونات “التاتش” التي تتوافر في يد الجميع الآن، موضحا أن الصورة التي تبث على شاشات التليفزيونات والموبايلات أصبحت العنصر الأساسي لتكوين ثقافتنا، والدليل على ذلك “التريندات” التي تصل إلى الملايين على مقاطع الفيديو المختلفة على المواقع المختلفة، وهو ما يعني تدني الذوق العام، لأن غالبية تلك “التريندات” يتم تسجيلها لصالح مواد سطحية وتافهة ولا يرجي منها نفع.

ويوضح الجمل أن هناك سببا آخر لتدني الذوق العام وهو المستوى الذي وصلت له الكتابة الدرامية حاليا، وهو مستوى متدني للغاية، فمعظم المواضيع المطروحة في المسلسلات أو الدراما بشكل عام سطحية تعتمد على العنف والخيانة والانحراف والبلطجة، وكأنها مؤامرة على الناس وتوجيه لتشكيل وعيهم بالشكل الخاطئ، مبينا أن الهدف الأساسي من التأليف السطحي هذا هو الكسب السريع فالعملية تتم بشكل تجاري ولكي تكون “تريندات”.

أعمال “التنمر”

ويلفت النظر إلى ظاهرة خطيرة تُمارس خاص في الأعمال الكوميدية وهي فكرة “التنمر” بالمسمى العصري، وهي فكرة واضحة وضوح الشمس حيث تمارس السخرية بشكل فج على بعض الأشخاص، كأن يأتي المخرج بشخص سمين أو آخر أسمر، والاستهزاء بشكله، وهو ما يخلق عقد نفسية عند الناس ويغذي شهوة الانتقام لديهم، بمعني أن الضعيف يريد أن يرى كل قويا مكسورا أمامه، وبالقياس .. يريد كل  فقير أن يرى كل الناس فقراء مثله، وهذا المنطق المشوه يشل المجتمعات ويُغير تركيبتها بشكل يضرها، مؤكدا أن لا أحد ضد الترفيه ولا ضد التسلية، ولكن بحدود وشروط، فالدين الحنيف منع ذلك منذ 1400 سنة، لكن البعض لديه حساسية عندما يذكر الدين، ولكن هذه هي حقيقة.

الإعلانات تتحكم في الإعلام

ويبين السينارست سمير الجمل أن مجتمعنا ظل محافظا على عاداته وتقاليده وأخلاقيات وقتما كان مجتمعا مغلقا، ينال المعلومة من إعلام الدولة، الذي كان يتحكم فيما يُقدم للجمهور من دراما وبرامج  ويبين للناس الصواب من الخطأ، وبالتالي كانت المسألة محكومة، لكن الانفتاح على العالم من خلال وسائل الاتصال الحديثة جعلتنا نتعرض لكثير من السلوكيات، التي إما أن يتبناها الناس متناسين عاداتهم وتقاليدهم متخلين عن أخلاقياتهم وإما أن يتحلوا بشخصية منفردة تحميهم من كل ما هو دخيل لا يناسب ثقافتنا وقيمنا.

ويستعرض الجمل سببا آخر من أسباب تدني الذوق العام وتراجع الأخلاقيات، وهي تحكم الإعلانات في الإعلام، والدليل أن كل النجوم حاليا وكل الأسماء المعروفة تظهر في الدعايا فهذا يحمل موبايل وآخر يحمل كيس شيبسي والذي يعلن عن ثلاجة وآخر عن بوتجاز، وبالتالي تحول النجوم إلى مديرين إعلانات وليسوا فنانين، موضحا أن معظم الشركات المعلنة شركات عالمية مثل “الشيبسي والبيبسي والكوكولا والثلاجات والسيارات”، واستخدامهم للفنانين يقتل الفن ويجعل الفنان يفقد مصداقيته، ويخلق حيرة داخل المشاهد هل هذا شخص يُعلن عن منتج أم فنان؟

فنانون بعيدون عن الوعي

ويؤكد سمير الجمل أن الفنانين أنفسهم يفتقرون للوعي،  فما الذي يدفع الفنان الذي  يربح 20 أو 30 مليون من المسلسلات، “للقفز والرقص في الإعلانات “مما يضيع مصداقيته نهائيا، وهو ما يخلق مشكلة كبيرة لدي الجمهور، مكملا :” وكمثال ماذا لو كان عبدالحليم في عصره يعلن عن الشيبسي أو أم كلثوم تعلن عن أدوات تجميل ؟ بالطبع كانت شعبيتهم تدمرت ومصداقيتهم ضاعت، ولم يصل فنهم إلى الجمهور ولم يترك أثرا جميلا بداخلهم كما حدث ومازال، فمازال فنهم يُعلم في القلوب ويتركها وقد ترك فيها بالغ الأثر، لتمتعهم بالمصداقية التي لم يشوبها شائبة.

ويتعجب السينارست سمير الجمل من تبرير بعض الفنانين لإتباع هذا الأسلوب في الكسب، مبررين ذلك بأنه “باب رزق”، وهم بالطبع يحققون الأرباح، قائلا “: لست واصيا على أحد ولا أوجه أحد”، مبينا أن المسألة بها خلط أوراق والجو العام يعاني من فقدان التوازن وعملية خلل غير طبيعي.

وينبه الجمل إلى خطورة ترك الساحة لمجموعة من المؤلفين والمخرجين ممن يستهدفون الكسب والربح السريع حتى وإن كان على حساب أخلاقيات شعب بأكمله، وهو ما يشكل خطورة كبيرة، خاصة مع تلاشي دور الرقابة الإعلامية، فلا يمكن الآن منع مسلسل أو غيره من العرض فسوف يصل الناس إليه عن طريق قنوات الفضاء المفتوحة ليلا ونهارا، إذا فقد وُكل الأمر برمته إلى الرقابة الذاتية للكاتب والمخرج.

الجمل: طالبت وزير التعليم بعرض سنبل بالمدارس

ووجه سمير الجمل إلى معالجة الوضع الحالي بتقديم أعمالا جيدة تنمي الذوق لدي الجمهور، قائلا :”لقد طالبت من وزير التربية والتعليم سابقا أن يعرض حلقات سنبل في المدارس، لأن الدراما ليست للتسلية فقط ولكن تقدم فكر في نفس الوقت، قائلا:”كنت أكرر دائما أن المسلسلات الاجتماعية أمن قومي .. وأنا في ذلك لم أكن أبالغ بدليل ما وصلنا إليه اليوم”.

مكملا:” للخروج من أزمة تدني الذوق العام بتربية الوعي داخل الجيل الجديد وتربية أولادنا في البيوت والمدارس من خلال وتنمية حس الاختيار لديه، :” ولو لم أربي ابني بشكل جيد يكون عرضه لتأثير أي شخص آخر بمنتهى السهولة، ولكن تربيته بشكل جيد تجعله حائط صد ضد أي مُغريات قد تضره في النهاية، فيكون شخصية واعية مسئولة يرفض الخطأ ويقبل الصحيح ولا يحيد عن  طريق الصواب ..فأنا لست واصيا على ابني ولست رقيبا عليه خلال الـ 24 ساعة”.

ويكمل سمير الجمل :”أن فكرة الوعي تلك لابد وأن يتم إحيائها داخل الصغار والكبار أيضا، فيستطيع عامة الناس وقتها مقاومة أي شيء قبيح من تلقاء أنفسهم وبالتالي حمايتهم من تدني الذوق والمحافظة على أخلاقهم”.

من ينكر “نظرية المؤامرة” .. جاهل

ولا يستبعد الجمل “نظرية المؤامرة” فيما آل إليه حال المجتمع اليوم، مؤكدا أن من ينكر وجودها جاهل ولا يفهم شيئا، فـ”اليهود الصهاينة” منذ دعوتهم لإنشاء دولة لهم وهم يناقشون ذلك في مؤتمراتهم وتحطيم الأجيال العربية ومحو أخلاقهم هدفا رئيسيا لهم، وهو موجود في لوائحهم وقوانينهم، بدليل أنهم يتحكمون في أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم.

د. سامي أيوب: إذا دخل الفقر من الباب خرجت القيم من الشباك

بينما يرجع د. سامي أيوب، استاذ علم النفس التربوي وعميد تربية المنوفية، تدني الذوق العام إلى الفقر، الذي ” إذا دخل من أي باب طرد أي حاجة من الشباك.. القيم والفضائل والأخلاق وكل شيء جميل”، فلو نظرنا لسعر الدولار في الثمانينات فكان 82 قرش، والآن أصبح سعره 16 جنيه تقريبا.

ويستكمل :”وفي ظل ثبات مرتب الموظف أو زيادته زيادة بسيطة مع أسعار مشتعلة تضاعفت عشرات المرات في الآونة الأخيرة، فكل شيء سعره في ارتفاع من مأكل ومشرب وكهرباء ومياه وغيره، وبالتالي من كان مرتبه 2000 أو 3000، لابد وأن يحسبها جيدا قبل أن يشتري كيلو لحم، أو قد يكون يمتلك الأموال الكثيرة ولكن مع قلة ثقافته يفقدها بسهولة ويعيش فقير، ومثال على ذلك السباك الذي يصل دخله في الشهر 15000 ينفق منهم 12000على المخدرات، ويتبقى له 3000، وبالتالي يعاني قطاع كبير من الفقر”.

فقر الفكر والثقافة

ويبين د. أيوب أنه في حالة اشتعال الأسعار وازدياد الفقر يتنازل الناس عن كثير من القيم والمبادئ، كالموظف الذي يعوض ضعف مرتبه بقبول الرشوة،  بالإضافة إلى التنازل عن الكثير من الأذواق، لأن ببساطة المتحكم في الأذواق هم من لا يملكون الثقافة ولكن يملكون الأموال..إذا فالفقر ليس نقص في الأموال فقط، ولكن الفقر قد يكون فقرا ثقافيا وفكريا، وهو ما يعيشه المجتمع المصري حاليا فيعاني التدني في الأخلاق والأذواق والفقر، ولذا تظهر الكثير من الأمراض والموبيقات.

ويرى د. سامي أيوب أن الإعلام لا يسعي لوضع الناس في الوضع الثقافي المطلوب، فقد عزف الناس عن القراءة ففي ظل الفقر لا يملك الناس أموالا لشراء الجرائد التي ارتفعت أسعارها نتيجة ارتفاع سعر الورق وهو ما ينطبق على كل ما هو مقروء من مجلات وكتب، في حين حلت الموبايلات و”اللاب توب” و”التابلت” محلها، فالشخص يصل لكل ما يريده في لحظات قليلة دون أدني مجهود.

“هبل” اليوم ..ومروءة زمان

ويحذر د. أيوب من خطورة تلك الوسائل إذا تم استخدامها استخدام خاطيء، حيث تبث من الأفكار الهدامة ما لا يحصى، والألفاظ البشعة والسلوكيات المنحرفة والتي تصل في بعض الأحيان إلى “زنا المحارم”، مضيفا أن كل ذلك يؤدى إلى وقوع حوادث تثير العجب فهناك حالة من “الهبل”، كالشخصيات المريضة التي تغتصب الأطفال.

ويذكر أن الرجال قديما كانوا يحترموا النساء جدا والناس في المجمل كانوا غاية في الاحترام ولم تغب عنهم المروءة والشهامة، فإن حدث وصادف شابا جارته في الطريق العام في وقت متأخر، يظل يمشي خلفها ليطمئن عليها ويحميها ولا يتركها وكل ذلك “دون أن يحدثها”، ولا يدخل منزله إلا بعد أن يطمئن أنها قد وصلت منزلها دون تُصاب مضايقات أو مشاكل، إذا كان المجتمع يتمتع بأخلاق ومروءة وذوق عالي.

الترفيه أصبح رقم واحد

ويضيف د. سامي سببا آخر لتدني الذوق العام وتراجع الأخلاقيات وهو تراجع الأولويات، فالترفيه أصبح رقم واحد، فكل الاهتمام من جانب الناس يصب في صالح كرة القدم ولاعبيها وبطولاتها وكذلك الاهتمام بالفن والفنانين، بينما تراجع الاهتمام بكل ما هو جاد ومفيد وانصرف الشباب كليا عن العلم والثقافة، متسائلا بدهشة :” كيف ستحكم تلك الأجيال مصر في يوم من الأيام؟”

ولا يرى د.أيوب الصورة سوداوية إلى النهاية فبالرغم مما يعانيه المجتمع من تدني، إلا أن مصر في النهاية تشهد إلى حد ما نهضة حضارية تحدث بشكل أو بآخر في مصر، والرئيس السيسي يحاول على كافة المستويات تعديل الأوضاع، وكمثال وزيرة الثقافة تحاول تغيير الوضع، ولكن الواقع أشبه بمن يريد تغير لون البحر فيلقي فيه “دوايه حبر”، وبالتالي الموضوع يحتاج لوقت طويل للغاية.

القدوة .. كلمة السر

أما عن تغيير الوضع الحالي، فيؤكد د. سامي أيوب أن لكلا منا دور، خاصة الكبار، الذين يتخذهم الشباب والأطفال قدوة ويقلدونهم، فمثلأ حكى أحد الشباب عن منع الناظر التدخين في المدرسة، فما كان من المدرسين سوى الاختباء خلف الحمامات ليدخنوا السجائر مع الطلبة، متسائلا بدهشة:”بأي منطق تسير الأمور إذا، فالمدرس المفترض أن يكون قدوة ..والناظر يحاول منع خطأ جسيما يحدث، فيساعد عليه المسئول وهو المدرس..وفي النهاية كيف نطلب من الطالب أن يكون ذو أخلاق أو أن يتمتع بالذوق؟ فهل هذا منطق؟” .

ويختم حديثه بأن التدين له عظيم الأثر في تعديل الأحوال السيئة والحد مما وصل إليه المجتمع من تراجع، رغم أن البعض يروا أن الشخص المتدين خطر على المجتمع، وهي نظرة خاطئة، حيث أن الشخص المتدين لا يُخطئ ويراقب ربنا في كل أموره، ولعل تلك النظرة الخاطئة ترسخت بعد حادثة “قتل السادات”، حيث صدرت صورة خاطئة عن المتدين، وهي غير حقيقية فمن قام بقتل السادات لا يفهم الدين بل أنه مشوه الفكر، فالدين لا يقبل القتل ولا ترويع للآمنين من أي دين”.

برامج سهرة كروية ودراما التمرد

أما عن دور الإعلام ومسئوليته عن حالة تدني الذوق العام السائدة في المجتمع الآن، فيؤكد د. صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن الإعلام الآن لا يقدم برامج تربوية أو ثقافية تنشط الذوق العام ولا الاتيكيت ولا السلوكيات، وينشأ ذلك عن انعدام الرؤية والهدف لتلك القنوات.

ويضرب د. صفوت المثال ببرامج السهرة التي تلتف حولها الأسرة مساءً، التي تستضيف لاعبي الكرة ومدربي الكرة ومحللين رياضيين يشرحون خطة الماتش القادم ومن تم بيعه بكام مليون وهكذا، وتقدمهم كقادة رأي، بينما لا تستضيف مفكرين ولا علماء ولا خبراء ولا قادة رأي يقدمون توعية ثقافية فكرية معرفية للناس.

ويرى د. العالم أن الدراما الحالية تنقل ثقافة ساذجة تدفع للانحراف والتمرد على أسلوب الحياة، فتجعل السيدة الهادئة تتمرد على حياتها وترفض زوجها، فتعرض لمن تقابل صعوبات في حياتها أن تحب على زوجها والرجل يحب على زوجته،  وكثير من السلوكيات المنحرفة التي تدفع الناس لانعدام الأخلاق وتراجع الذوق.

بعد ان تناولنا موضوع  تدني الذوق العام العربي يمكنك قراءة ايضا

السعودية في أسبوع..  أردوغان يزور المملكة في هذا الموعد.. وبيروت تتنصل من تطاول حسن نصر الله

أحمد شيخو يكتب.. تجديد الخطاب الديني ودمقرطة الإسلام   

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى