رأي

د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. بين “الهولوكوست” ومحرقة غزة

الحديث عما يسمى بـ”الهولوكوست Holocaust”، حديث يخفي وراءه الكثير من الحكايات والأساطير والأسرار، المبنية جميعها على معطيات مضللة وكاذبة، ظل الصهاينة ومن ولاهم يروجون لها في كل المحافل الدولية، بمناسبة أو من غير مناسبة، ويدفعون المال لكبار السينمائيين والمسرحيين في العالم من مخرجين وممثلين وكتاب وغيرهم لتناول هذا الموضوع والتأكيد على أن تمة محرقة مزعومة تسمى بـ”المحرقة اليهودية” ذهب ضحيتها ـ حسب زعمهم ـ أزيد من ستة ملايين يهودي في مجزرة يقولون إن الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر كان ضالعًا فيها.

جاء في كتاب “‏الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”)، للمفكر الفرنسي المسلم روجي غارودي، تحديدًا في فصلٍ كاملٍ سماه “أسطورة الملايين الستة الهولوكوست”، أن “الهدف من هذه الأسطورة التبرير الآيديولوجي لإنشاء دولة إسرائيل (…) ‏أنه لا توجد وثائق يقينية بأنه تمت إبادة ستة ملايين يهودي في معسكرات الإبادة والاعتقال أيام حكم النازيين في ألمانيا‏”، وأن فكرة “أفران الغاز”، يضيف الكاتب والمفكر الفرنسي: “هذه الفكرة غير ممكنة التنفيذ من الناحية الفنية، وأن أحدًا لم يوضح حتى الآن كيف كانت تعمل هذه الأفران المزعومة، وما الدليل على ثبوت وجودها، وعلى من لديه الدليل على وجودها أن يتقدم”.

وليس المفكر الفرنسي روجي غارودي وحده من تصدى لهذه الأكذوبة التاريخية، فقد تصدى لها أيضًا مؤرخون وإعلاميون وكتاب ومفكرون آخرون، منهم المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ، الذي وصف في مقابلة مع صحيفة إسبانية، ما تسمى المحرقة اليهودية (هولوكوست)، بأنها “لا تعدو كونها دعاية تجارية”، وأضاف أن المحرقة اليهودية ما هي إلا “كذبة دعائية”، مؤكدًا أن الرئيس الألماني أدولف هتلر كان بسيطًا، ولم يتضمن خطابه السياسي أي عبارة مناهضة للسامية سوى جملة واحدة عندما قال: “حينما تبدأ الحرب، أريد أن يعاني اليهود”.

وقال المؤرخ والكاتب البريطاني، الذي سجن 11 شهرًا بأحد السجون النمساوية لتفنيده هذه المزاعم الصهيونية، إن “المحرقة مجرد شعار ومنتج لا يختلف عن المناديل الورقية (كلينكس) أو طابعات زيروكس ثم حولوه إلى ظاهرة تجارية، ونجحوا في جني الأموال حيث صنعوا الأفلام وكسبوا الملايين”.

ومنهم الصحفي والإعلامي البريطاني دوجلاس ريد، الذي يعتبر من أبرز الصحفيين الذين تابعوا وغطوا جميع أطوار الحرب العالمية الثانية، وقد صدر له خلال عام 1947 بهذا الخصوص، كتاب يحمل عنوان “بعيدا وواسعا Far and Wide”.

الكتاب تدور فصوله عما يسمى “المحرقة النازية” والترويج لها، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية.. معتمدًا في ذلك على أسلوب عملي يستند بالدرجة الأولى إلى المعطيات الحسابية والرقمية، التي تكون الأقرب للمنطق، وقد أورد دوغلاس ريد -ضمن ما أورد- إحصاء عصبة الأمم عن عدد اليهود في العالم سنة 1938، وهو آخر تقريرٍ سنوي لهذه المنظمة الدولية قبل الحرب العالمية الثانية، ثم قارنه بما ورد في أول إحصاء أصدرته هيئة الأمم المتحدة، المنظمة الدولية التي حلت محل عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية، وإذا بالمقارنة تظهر أن عدد اليهود في العالم بعد الحرب (1939 – 1945) بقي بعدها كما كان قبلها في حدود 11 مليون نسمة.

بدوره، تصدى الكاتب والباحث الأمريكي آرثر بوتز لهذه المهزلة التاريخية، وأصدر كتابًا يحمل عنوان “أكذوبة القرن العشرين”، يتضمن مجموعة من المعلومات العلمية الدقيقة عن معتقل “أوشفيتز” الذي قيل إن 1.2 مليون يهودي تم إحراقهم فيه، فأثبت آرثر بوتز أن هذا المعتقل أحرقت فيه جثث الموتى بفعل الحرب (يهود وغير يهود)، وأن جثثهم أحرقت حتى لا تتسبب في انتشار الأمراض المعدية بسبب تركها في الشوارع لفترة طويلة، وأنه من الأرجح أن الذي بناها ليس هتلر، بل البولنديون بعد الحرب، وأن الروائح التي انبعثت في الأفران التي أحرقت فيها الجثث، كانت أيضًا لخيول نافقة بفعل الحرب، والطريف أن هذا الباحث المدقق، كان قد أخذ “عينات” لتحليلها من أماكن المحرقة المزعومة ومن بقايا المحروقات، وخرج من كل هذا بأن هذه “المحارق” بالوصف الذي قدمه الإسرائيليون، ومن لف لفهم من مؤسسات الابتزاز الأخلاقي العالمي، أكذوبة آن أوان الكشف عن خيوطها المضللة.

بل إن يهودًا تصدوا لهذه الأكذوبة ومنهم الكاتب اليهودي الأمريكي الدكتور نورمان فنكلشتاين ابن أبوين مرحلين أمضيا وقتًا طويلًا في معسكرات الاعتقال النازية، وصاحب كتاب “كيف صنع اليهود الهولوكوست؟!”، الصادر خلال عام 2000، يؤكد من خلاله على أن “الهولوكوست” أصبحت صناعة رائجة ليهود أمريكا يبتزون من خلالها المال من القارة العجوز، مضيفًا أنه من خلال “الهولوكوست” يبرر يهود أمريكا سياسة “إسرائيل” الإجرامية تجاه الشعب الفلسطيني.

يقول نورمان فنلكشتاين في مقدمة هذا الكتاب: “الهولوكوست بناء آيديولوجي صنع من أجل مصالح خصوصية، (…) تأتي مبادئه الأساسية إلى دعم المصالح السياسية والاجتماعية المعينة، وقد ثبت في الواقع أن الهولوكوست هو سلاح آيديولوجي ضروري، ولا بد منه، وبهذه الوسيلة، فإن إحدى أكبر القوات العسكرية وأعظمها في العالم، وحيث فيها انتقاصات حقوق الإنسان هائلة، قدمت نفسها للعالم كبلد ضحية، وإن المجموعة الإثنية الأكثر ازدهارًا في الولايات المتحدة الأمريكية، اكتسبت هي أيضًا قانون حالة الضحية، وقد جنت أرباحًا وفوائد هائلة عن هذا (الوضع الضحية)”، الذي لا مبرر له.

وحدها محرقة غزة، التي طالت كل شيء، حتى الأطفال الرضع والخدج والنساء الحوامل والعجزة والمرضى والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأمام مرأى ومسمع من كل سكان كوكب الأرض، تستحق أن تنعت بـ”الهولوكوست”.

لقد دفع هذا الهولوكوست الصهيوني خروج الملايين من سكان هذا الكوكب في وقفات ومسيرات في كل المدن والعواصم العالمية، تضامنًا مع ضحايا هذه المحرقة غير المسبوقة، وتنديدًا بالمجازر الصهيوأمريكية المروعة.

فبالدعم الأمريكي خاصة والغربي عامة، اقترف الكيان الصهيوني بين 7 أكتوبر 2023 و24 يناير 2025، إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح ومفقود، 70 % منهم نساء وأطفال، إضافة إلى دمار واسع وكارثة إنسانية لا مثيل لها، دون أن يحقق أي نصر ولا أي هدف من الأهداف التي سطرها قبل بداية هذا العدوان.

يقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) جيمس إلدر، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عقده يوم 18 يناير 2025، في مكتب هيئة الأمم المتحدة بالعاصمة السويسرية جنيف، “إنه بحسب البيانات الطبية، فإن 15 ألف طفل استشهدوا منذ 7 أكتوبر 2023″، وأضاف أن “هذا يعني استشهاد 35 طفلًا في اليوم الواحد طوال أشهر الحرب على قطاع غزة”.

لقد تبث عبر كل العصور أن التاريخ لا يسجل الأكاذيب؛ بل يركمها ويجعلها في مزبلته، وإنما يسجل الحقائق، والدليل على ذلك أن مسيلمة الذي ادعى النبوة منذ أزيد من أربعة عشرة قرنًا من الآن، ظل اسمه مرتبطًا بما اقترفه من زور وبهتان وكذب، حتى باتت عبارة “مسيلمة الكذاب” تجري طيلة كل تلك المدة الزمنية على ألسنة كل الناس مسلمين وغير مسلمين.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى