الرئيسيةدراساتسياسية

تحولات جيواقتصادية في أفريقيا: المعادن الأرضية النادرة كمفتاح للاستقلال الاقتصادي

إعداد: محمود سامح همام – باحث مصري سياسي متخصص في الشؤون الأفريقية

 في ظل التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، تبرز المعادن الأرضية النادرة كأحد المحاور الاستراتيجية التي تعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية. لطالما احتكرت الصين هذا القطاع، إلا أن أفريقيا تمتلك فرصة تاريخية للاستفادة من مواردها الغنية بهذه المعادن، ليس فقط عبر الاستخراج، بل من خلال تطوير قدراتها التكريرية والتصنيعية. وبينما تسعى القوى الاقتصادية الكبرى إلى تقليل اعتمادها على الصين، فإن أفريقيا تقف عند منعطف حاسم، حيث يمكن أن يصبح استغلال المعادن الأرضية النادرة نقطة انطلاق لتحقيق استقلال اقتصادي حقيقي. فهل تنجح القارة في الاستفادة من هذه الفرصة الاستراتيجية، أم ستظل أسيرة النماذج الاقتصادية التقليدية التي تكرس التبعية؟

الوضع الإنسان

 أفريقيا ونهضة المعادن الأرضية النادرة: خطوة استراتيجية نحو الاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي

مع دخول عام 2025، تُقبل القارة الأفريقية على مرحلة مفصلية في مجال تعدين المعادن الأرضية النادرة، مما يعزز موقعها كلاعب محوري في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للصناعات الاستراتيجية. وفي إطار سعيها نحو تحقيق استقلالية اقتصادية أعمق وتعزيز مكانتها ضمن سلاسل الإمداد العالمية، تضع الدول الأفريقية نصب أعينها هدفًا طموحًا يتمثل في توفير 10% من الإمدادات العالمية لهذه المعادن خلال السنوات الخمس المقبلة. ويتزامن هذا الطموح مع انطلاق مشاريع تعدين جديدة في ملاوي وجنوب أفريقيا ودول أخرى، وهو ما يفتح الباب أمام تحول استراتيجي في ميزان القوى الاقتصادية الدولية.

رغم أن المعادن الأرضية النادرة ليست نادرة من حيث التواجد الجيولوجي، فإن توزيعها الواسع يجعل استخراجها مجديًا فقط في مناطق ذات تركيزات عالية. وقد ظلت الصين لعقود المُنتِج المهيمن، حيث توفر نحو 70% من الإمدادات العالمية، ما منحها نفوذًا كبيرًا في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة. غير أن أفريقيا، التي تمتلك ما يقرب من 30% من الاحتياطيات العالمية لهذه المعادن، بدأت تتحرك بخطوات حثيثة نحو استغلال هذا المورد الاستراتيجي. ومع دخول منطقتي سونغوي هيل في ملاوي وستينكامبسكراال في جنوب أفريقيا مرحلة الإنتاج التعديني الكامل في عام 2025، تقترب القارة من تحقيق اختراق نوعي في هذه الصناعة الحيوية، مما يضعها على مسار تصاعدي لتعزيز قدراتها الصناعية والتفاوضية عالميًا.

تمثل المعادن الأرضية النادرة العمود الفقري للصناعات المتقدمة، إذ تُستخدم في تقنيات حيوية تشمل الأجهزة الطبية الحديثة، مثل أجهزة الرنين المغناطيسي والمشارط الليزرية، فضلًا عن مكونات الأجهزة الذكية التي تشكل أساس الحياة الرقمية المعاصرة. كما تُعد هذه المعادن حاسمة في الصناعات العسكرية والطيران والفضاء، بالإضافة إلى دورها المحوري في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. فبفضل مساهمتها في إنتاج الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، أصبحت تُعرف بـ “المعادن الانتقالية” لدورها في تسريع الانتقال من اقتصاد الوقود الأحفوري إلى اقتصاد مستدام قائم على الطاقة المتجددة.

اقرأ أيضا: التعقيدات الأمنية في مالي وانعكاساتها على الأمن القومي الجزائري.. دراسة للباحث محمود سامح همام 

وفي ظل تزايد الطلب العالمي على هذه المعادن، فإن نجاح الدول الأفريقية في توطين صناعاتها التعدينية وتعزيز سلاسل القيمة المضافة سيشكل رافعة قوية لتحقيق سيادتها الاقتصادية، وتقليل تبعيتها للاقتصادات الكبرى. إن دخول القارة الأفريقية هذا المجال بقوة لا يمثل مجرد تقدم اقتصادي، بل هو خطوة استراتيجية تعيد رسم خرائط النفوذ الاقتصادي العالمي، مما يتيح لأفريقيا فرصة غير مسبوقة للتموقع كمحور رئيسي في الاقتصاد العالمي الجديد.

 

استقرار الأسعار يعزز مكانة أفريقيا في سوق المعادن الاستراتيجية

 

في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، يشهد قطاع التعدين الأفريقي تطورًا استراتيجيًا، مدفوعًا باستقرار أسعار المعادن الأرضية النادرة في لحظة فارقة. ففي حين تهيمن الصين على أكثر من ثلثي الإنتاج العالمي لهذه المعادن، فإن سياساتها الإنتاجية المفرطة لتلبية احتياجاتها الصناعية، لا سيما في قطاع الروبوتات البشرية، بدأت في إحداث ارتدادات اقتصادية عالمية. ومع تراجع الإنتاج الصيني، ارتفعت أسعار المعادن الأرضية النادرة بنسبة 2% في يناير 2025، ما يفتح نافذة جديدة أمام أفريقيا لتعزيز مكانتها كمورد رئيسي لهذه الموارد الاستراتيجية.

إن ازدياد الاستثمارات في قطاع التعدين الأفريقي يتزامن مع توقعات بارتفاع الطلب العالمي على المعادن الأرضية النادرة إلى أربعة أضعاف بحلول عام 2030، مدفوعًا بالتحول نحو الطاقة المتجددة والتوسع في التقنيات المتطورة. وفي هذا الإطار، تستعد القارة لمرحلة مفصلية، حيث ستبدأ ثمانية مناجم رئيسية جديدة عملياتها التشغيلية في أنغولا وملاوي وجنوب أفريقيا وتنزانيا، مع تأكيد جميع المشغلين جاهزيتهم للإنتاج بحلول عام 2029. ووفقًا للخطط المعلنة، فإن هذه المناجم وحدها ستوفر 9% من الإمدادات العالمية للمعادن الأرضية النادرة، مما يعزز الحضور الأفريقي في السوق العالمية. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن ترتفع مساهمة القارة إلى 10% من إجمالي الطلب العالمي، بعد أن كانت تقل عن 1% في عام 2020، ما يمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى الاقتصادية.

غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن الدقيق بين العرض والطلب، وهو ما يتطلب استراتيجيات استباقية لمنع حدوث اختلالات تؤثر على استقرار الأسواق. فعلى سبيل المثال، يشير تحليل قطاع التعدين إلى أن فائض الإنتاج في بداية عام 2025 من أكسيد النيوديميوم والبراسيوديميوم، وهما عنصران أساسيان في تصنيع المغناطيسات المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية، سيدفع إلى تقليص الإنتاج من 5400 طن في عام 2024 إلى 500 طن فقط في عام 2025. ومع ذلك، من المتوقع أن ينمو الطلب على هذين العنصرين بنسبة 15% خلال العام نفسه، خاصة من قبل قطاعي السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، ما سيؤدي إلى تحول سريع من فائض في المعروض إلى عجز بنهاية العام.

وفي ضوء هذه المعطيات، يُشكل قطاع التعدين الأفريقي ركيزة أساسية في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، مع ضرورة تبني سياسات مدروسة لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة الاستراتيجية. إن إدارة العرض والطلب بحكمة، إلى جانب تطوير قدرات التصنيع المحلي، سيمكّن أفريقيا من ترسيخ موقعها كقوة صاعدة في الاقتصاد العالمي الجديد.

 

 

 

 

أفريقيا وتعزيز سيادتها الاقتصادية: المعادن الأرضية النادرة كمحرك للتصنيع والتنمية

 

في خضم التحولات الاقتصادية العالمية، تُتاح لأفريقيا فرصة استراتيجية لإعادة تشكيل مستقبلها الصناعي عبر تطوير قطاع المعادن الأرضية النادرة، مدفوعة بتغيرات هيكلية في سلاسل التوريد الدولية. ففي ظل توجه الصين نحو تقليص صادرات منتجاتها المصنّعة من هذه المعادن منذ ديسمبر 2024 لتلبية احتياجاتها الداخلية، تتزايد أهمية تنويع مصادر الإنتاج عالميًا. ومع استمرار الصين في توفير 90% من المعادن الأرضية النادرة المكررة، لا تزال قدرتها على التحكم في السوق العالمية قائمة، لكن التكنولوجيا اللازمة للتكرير ليست حكرًا عليها. غير أن التباطؤ التاريخي في تطوير قدرات التكرير في الغرب، بسبب الهيمنة التقليدية لصناعات الفحم والنفط، خلق فراغًا يمكن لأفريقيا أن تستغله لصالحها.

وفي هذا السياق، يضع صانعو السياسات الأفارقة خططًا طموحة لتحويل ثروة القارة المعدنية إلى ركيزة للتنمية الاقتصادية، من خلال تطوير قدرات التكرير وتعزيز سلاسل القيمة الصناعية. فقد ظلت القارة لعقود تصدر معادنها الخام إلى الخارج، ليتم تصنيعها وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة، ما أدى إلى استنزاف إمكانياتها الاقتصادية. لكن هذا النموذج بدأ يتغير، كما أظهرت زيمبابوي في 2023 عندما فرضت حظرًا على تصدير الليثيوم الخام، واشترطت على الشركات الراغبة في الاستفادة منه أن تؤسس مصانع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية داخل البلاد.

ويعكف الخبراء الاقتصاديون في الحكومات الأفريقية على بلورة استراتيجيات تعزز التصنيع المحلي، مستفيدين من إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لتوسيع الشراكات الإقليمية وتحقيق قيمة مضافة من المعادن الأرضية النادرة. وفي الوقت ذاته، يُبدي كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اهتمامًا متزايدًا بالحد من الاعتماد على الصين كمورد رئيسي لهذه المعادن، ما يخلق دافعًا قويًا لدعم الطموحات الأفريقية، بما يشمل تطوير قدرات التكرير وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية.

ومن اللافت أن الاستثمارات الكبرى في هذا القطاع داخل أفريقيا لا تخضع للسيطرة الصينية، على الرغم من استمرار بكين في استثماراتها الواسعة في القارة. فالشركات الرائدة في استخراج المعادن الأرضية النادرة مسجلة في الدول الغربية، بما في ذلك ماكانغو ريسورسز وبينسانا بي إل سي ورينبو ريسورسز. ومن المنتظر أن تبدأ لينديان ريسورسز الأسترالية الإنتاج في ملاوي عام 2025، في حين تخطط أيونيك ريسورسز المحدودة لإطلاق عملياتها في مشروع ماكوتو عام 2026.

ولا يقتصر الأثر الاقتصادي للمعادن الأرضية النادرة على التعدين والتكرير فحسب، بل يمتد ليشمل تعزيز سلاسل التوريد وتوفير فرص عمل واسعة، إلى جانب تحفيز تطوير البنية التحتية، خاصة شبكات السكك الحديدية والطرق، مما يعزز قدرة القارة على الاستفادة القصوى من مواردها. إن نجاح أفريقيا في استثمار هذه الفرصة لن يساهم فقط في تحقيق السيادة الاقتصادية، بل سيضعها في موقع استراتيجي ضمن النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

ختامًا، إن التحولات المتسارعة في قطاع المعادن الأرضية النادرة تضع أفريقيا أمام مسؤولية تاريخية، حيث لم يعد الاستخراج والتصدير خيارًا وحيدًا، بل بات تطوير سلاسل القيمة والتصنيع المحلي ضرورة اقتصادية وسياسية. ومع دخول مشاريع التعدين والتكرير حيز التنفيذ، وارتفاع الطلب العالمي على هذه الموارد، فإن الفرصة سانحة للقارة لتثبيت موقعها كفاعل رئيسي في الاقتصاد العالمي الجديد. إن نجاح أفريقيا في هذه المساعي سيعزز من سيادتها الاقتصادية، ويعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي، مما يضعها في موقع متقدم ضمن معادلة القوى الاقتصادية الدولية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى