د. محمد جبريل العرفي يكتب.. المُرجِفون الجزء الأول: مقارنة لدروس حصار الأحزاب مع حصار غزة
المرجفون هم مروجو الأخبار والفتن التي تثبط العزائم وتروج للهزيمة بتضخيم قوة الأعداء، وإشاعة أنه لا طاقة لمحاربتهم، ولا سبيل إلا مداهنتهم.
يروج المرجفون أن حماس دخلت في مغامرة ستؤدي إلى مذبحة ونكبة للفلسطينيين، وأن إيران خذلتها وحزب الله خذلها. وتناسوا أن العدو يستهدف الوجود العربي، عنده العربي الجيد هو الميت، ويدعمه الإنجيليون المتصهينون يستهدفون الإسلام لا يفرقون بين سني وشيعي. فهل حماس كانت السبب في مذبحة دير ياسين أو قانا وصبرا وشاتيلا؟ لمصلحة من الفتن بين السنة والشيعة في هذا الوقت؟ ثم لماذا لا يلومون على العرب السنة بجيوشهم الجرارة؟
المرجفون بين خائن وخائف وخائر، منهم ملوك وأمراء ورؤساء من الذين خرّب طوفان الأقصى مشاريعهم في التطبيع وصفقة القرن والإبراهيمية، فسمعنا ذاك الملك يقول: “طبعا فأعدنا الأمور إلى طبيعتها، لأن هناك مليون إسرائيلي من رعايا أمير المؤمنين”، وآخر يستعرض بإسقاط ثلاثة صناديق صغيرة من الجو بعد أن فتشها الإسرائيليون قبل شحنها وقطعت الطائرات 155 كيلو مترا تحت أعينهم وفي حمايتهم، هذا سلوك تلميعي لامتصاص غضب الجموع في الداخل أو المحتشدة لاقتحام الحدود الوهمية، ويذكرنا باستعراض لوالده بقيادته لطائرة حربية عام 67، وآخر سمعناه يقول: “التنسيق الأمني مقدس”، مستخدماً جهازا أمنيا لحماية المستوطنين، اختار عناصره وشكل عقيدته الصهيوني (دايتون)، واستخدمهم مخبرين لاعتقال المقاومين، وسمعناه يقول: “أرجوكم تخلوا عن المقاومة المسلحة وانتهجوا المقاومة السلمية”، ثم نراه يقمع الفلسطينيين الذين تظاهروا سلمياً دعما لغزة، كما حدث يوم 17/10/2023 في رام الله وجنين فارتقى منهم الشهيد محمود أبو اللبن دهسا بالمصفحات، والشهداء رزان تركمان، وفراس تركمان، ومحمد صوافطة، رمياً بالرصاص… وآخرون يعترضون الطائرات والصواريخ المنطلقة لضرب دولة الكيان. وشيوخ السلاطين يمنعون المظاهرات بحجة الاختلاط وطاعة ولي الأمر. ألم يأمركم رسول الله بتغيير المنكر؟ وهل هناك منكر أكبر من تعطيل فريضة الجهاد في سبيل مسرى الرسول؟! المجد والتحية للقادة العرب الذين انحازوا لمواقف شعوبهم.
نحن أمة يتشكل وجدانها من عبق وعمق تاريخها ولنا في حصار المدينة دروس.
أولها: الله جمع المرجفين مع المنافقين ومن في قلوبهم مرض، وأنذرهم فقال تعالى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
“لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ”.
ثانيها: كشف الله حقيقتهم في التخويف والتعويق والتخذيل، ونشر الفتنة بين المؤمنين: فقال تعالى: “قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا”.
“وَلِيَعلَمَ الَّذينَ نافَقوا وَقيلَ لَهُم تَعالَوا قاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَوِ ادفَعوا قالوا لَو نَعلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعناكُم هُم لِلكُفرِ يَومَئِذٍ أَقرَبُ مِنهُم لِلإيمانِ”.
ثالثها: كشف أضرار وجودهم أثناء القتال، وحذر من الاستماع لهم فقال تعالى: “لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ”.
لأن المسلمين البسطاء، يسمعون لهؤلاء المنافقين المفتنين، فيتأثرون بإشاعاتهم، فيتولد توهين عزائم المؤمنين وإرعابهم، كقولهم دعوا محمدا وأصحابه يلتهمهم أبو سفيان وأصحابه، وترديدهم كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط فقال تعالى: “وَإِذ یَقُولُ المُنَـٰفِقُونَ وَالَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورا”.
ورابعها: التذكير بأن الموت ملاقيهم رغم الفرار من المعركة فقال تعالى: “قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل”.
“الَّذينَ قالوا لِإِخوانِهِم وَقَعَدوا لَو أَطاعونا ما قُتِلوا قُل فَادرَءوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ”.
وخامسها: أن طريق النصر تكتنفه الآلام والتضحيات فقال تعالى: “وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ”.
“إِذ جَاءُوكُم مِّن فَوقِكُم وَمِن أَسفَلَ مِنكُم وَإِذ زَاغَتِ الأَبصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالا شَدِیدا”.
وسادسها: التأكيد على أن نصر الله ومدده مرهون بالثبات في مواجهة العدو، فقال تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ”.
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
“یَـٰأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَیكُم إِذ جَاءَتكُم جُنُود فَأَرسَلنَا عَلَیهِم رِیحا وَجُنُودا لَّم تَرَوهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعمَلُون بَصِیرًا”. “وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا”، “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”.
سابعها: يبين الندم الذي يصيب المخلفين بعد أن ينتصر المؤمنون فقال تعالى: “سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ”.
وثامنها: يثمن مواقف المؤمنين فقال تعالى:
“منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
“قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ”
صَدَقَ اللهُ العَظيمُ
هذه دروس ثمانية مستفادة من المواجهة بين الحق والباطل في حصار المدينة المنورة الشبيه بحصار غزة الآن فلنعتبر من التاريخ ونأخذ منه زاداً لمعركتنا.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب