رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الكارثة وحدت الليبيين وعرّفتهم أعداءهم

كارثة فيضان الجبل الأخضر رغم قسوتها، وما أظهرته من عورات الإدارات المتعاقبة، والتقصير في الاحتراز منها، فإنها وحدت الليبيين من غرب زوارة والجبل الغربي إلى شرق البطنان، ومن خليج سرت شمالاً إلى غات في أقصى الجنوب. رسم الليبيون صورة للوحدة الوطنية، مسحت آثار الفتنة التي زرعها أعداؤهم بينهم عام 2011؛ فقد جاد الليبيون من مختلف الاتجاهات والانتماءات بأرواحهم لإنقاذ أشقائهم، وبأموالهم لتخفيف آثار الكارثة، واندثرت النعرات وانتهت العداوات وذابت الخلافات، هذا التلاحم يغيظ جماعة الإخوان والعملاء والإنجليز، لأنهم لا يريدون الليبيين موحدين، فهم كالبكتيريا لا يروق لها اندمال الجرح.

كما التحمت كثير من المجموعات المسلحة في الغرب الليبي مع رفاقهم في القوات المسلحة العربية الليبية، فالذين بالأمس كانت تفصل بينهم المتاريس، اليوم كتفا بكتف لنجدة أهلهم في الجبل الأخضر.

درنة مدينة كل الليبيين، مدينة الياسمين وعاصمة الأدب والفن، ذات الإرث التاريخي منذ أيام الصحابة إلى المواجهة مع بذرة الشر عام 1805 في أول معركة للبحرية الأمريكية خارج حدودها.

والدرس الثالث من الكارثة أنها عرَفت الليبيين أعداءهم الحقيقيين، الذين سعوا لتسييس الكارثة واستثمارها لتحقيق أجندتهم المعروفة المتمثلة في استمرار النهب والعمالة وفقدان السيادة، وتجويع الليبيين وإرهابهم. انتهج هؤلاء المرضى أسلوبهم المعتاد في تجييش الإعلام وتوظيف ذبابهم الإلكتروني لتشويه المؤسسة العسكرية والإنقاص من إنجازاتها، وتحميلها (زورا) أسباب الكارثة بمعلومات مضللة، مسترشدين أحيانا بمقالات منسوبة لصحف إنجليزية صفراء، (الإنجليز المؤسس والراعي للإخوان) واجتروا إشاعات مشابهة لتدمير فشلوم وتاجوراء بالطيران، و5000 معتصبة، ووصف الشهيد الشوشان العجيلي بالمرتزق الإفريقي، وقزموا دور مصر المتميز وشككوا في نواياها، مقابل تضخيم لدور تركيا.

توجد جذور تاريخية لانشقاق المجتمع الدرناوي إلى كتلتين، وسط مدينة خليط قبلي تحيط به أغلبية تنتمي لتركيبة واحدة، ربما معالجات القرن الماضي كانت غير موفقة، بالتغاضي عن خصوصية درنة، باستخدام أساليب الدمج والفصل، وانتهاك قاعدة الشورى الجماهيرية التي تحترم رأي الأقلية، هذا الوضع الاجتماعي المنقسم انتماءً وثقافةً، مضاف إليه الطبيعة الجبلية الوعرة لدرنة واتصالها بالبحر خلق بيئة حاضنة للتكفيريين والإرهابيين، ولهذا أول ما تم القضاء على القاعدة في أفغانستان تحولت جبال درنة إلى (تورا بورا) إفريقيا، أسسوا الجماعة الليبية المقاتلة وشرعوا في تقتيل الليبيين، وأشهرها مذبحة ثانوية الشرطة في درنة.. تمت مواجهتهم والقضاء عليهم عام 1996 ولم يتبق إلا ثلاثة، منهم بالحاج والغيثي متخبئان لسنوات في كهوف ووديان درنة.

عام 2011 تصدر تكفيريو درنة مواجهة القوات المسلحة ومارسوا أعمالا شنيعة ضد الليبيين، وعندما تمكنوا من مفاصل الدولة شرعوا في تجميع التكفيريين من كل أنحاء العالم، وأسسوا تنظيم القاعدة ثم داعش، إلى أن قامت ثورة الكرامة عام 2014 وشرعت في اقتلاعهم في معركة شرسة استمرت ثلاث سنوات، خلقت المواجهة مع الزنادقة في أعوام 1995 و2011 و2014 ندوبا في اللحمة الاجتماعية للمدينة، وازدادت الهوة بعد 2017 ببروز ظاهرة أهالي النازحين، مقابل من يسمون أنفسهم بأولياء الدم.

تسلل الزنادقة إلى مظاهرة الأسبوع الماضي، واستخدموا عقلية القطيع لينشروا هتافات تصب في مشروع الإخوان والزنادقة، ركزوا على إسقاط شخص ليسقط الجسم الذي يرأسه؛ لينكشف الغطاء الشرعي عن القوات المسلحة فيوصف بميليشيا، ليحل محله الحرس الوطني المؤدلج، ظهرت شعارات وإيماءات زنادقة تكفيريين، فعدو الله هو الذي طبّع مع الصهاينة ومهد الطريق لتهويد مسلمي ليبيا، وهو الذي يكفر كل من يخالفه في الرأي السياسي ويفتي بالفتنة.

فلتكن الدعوة لإسقاط الأجسام (الخمسة) دفعة واحدة، فمجلس النواب ليس أسوأ من البقية، بل إن به عناصر وطنية ونزيهة تحاول أن تؤدي واجبها الوطني، لكنها أحيانا تُغلب على أمرها من الفاسدين والعملاء بالمجلس. كما أن الهتافات الجهوية تضر باللحمة الاجتماعية، وتعطي الانفصاليين الفرصة لرد الفعل، البدو أصحاب فزعة، (ولو كانت على باطل)، فمن الغباء أن تأتي في وسطهم وتشتم أحدهم وتطرى من قتل منهم.

جماعة الإخوان صنيعة الغرب وخاصة الإنجليز، ولهذا سمعناهم يسعون لتدويل الأزمة بإشراف دولي على الإنفاق والتحقيقات، وهذا إنقاص من حق الليبيين وكأنهم قصر يحتاجون لوصاية أجنبية. خبرنا تجربة فساد موظفي الأمم المتحدة في العراق أثناء تنفيذ النفط مقابل الغذاء، وشهد بطرس غالي في كتابه (خمس سنوات في بيت من زجاج) بفساد المنظمة.

نعيق الإخوان والزنادقة ومفتيهم وذبابهم، غرق في هدير الجماهير الشعبية، لكن يخشى أن يفتر الحماس الجماهيري، مما يمكّن جماعة الإخوان من السير في مشروعهم التدميري، وخاصة أنهم منظمون ولديهم مشروع.

البلاد تمر الآن بمفترق طرق، فليستثمر الحراك الشعبي لاسترداد ليبيا لأهلها الحقيقيين، ويوظف الحماس الشعبي لإنهاء المراحل الانتقالية، بأجسامها السياسية (الخمسة) الهرمة والفاسدة، وأن تضطلع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالدور المنوط بها في حفظ السلم المجتمعي وحماية سيادة الوطن وثرواته وهيبته، وأن تتحول هذه المجموعات المسلحة في الغرب الليبي إلى أداة تحرير بدلاً من منشف يستخدمه الفاسدون والعملاء في حكم ليبيا، وبعد القضاء على حالة الفوضى وعودة الهدوء يسار إلى عقد مؤتمر تأسيسي ينهي المراحل الانتقالية، ويرسم الطريق إلى المرحلة الدائمة.

مهمة القيادات السياسية الوطنية، استثمار فزعة الوطن لخير الوطن، فلتأخذ المبادرة في قيادة الجماهير وألا تتركها للتكفيريين والعملاء والنهابين.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى