دراساتسياسية

 هاني الجمل يكتب.. الغموض الاستراتيجي الأمريكي تجاه الصين

الكاتب باحث في الشؤون الإقليمية والدولية

حالة من السجال الساخن بين القطبين الكبيرين، أمريكا والصين، وكأنه “نار تحت الرماد”، وذلك في أعقاب دعم الصين للغزو الروسي لأوكرانيا وإفشال المخطط الأمريكي في نشر منظومة الصواريخ الغربية على الحدود الروسية بعد انضمام العديد من دول شرق أوروبا إلى حلف الناتو والعمل على تصدير قلاقل أمنية وجيواستراتيجية لروسيا.

هذا الدعم الصيني لم يقف عند حد الاعتراف بالحق الروسي في غزو أوكرانيا، ولكنه تعدى ذلك بإطلاق مبادرة من 12 نقطة من أجل إنهاء هذه الصراعات، وبين هذه الرغبات الصينية في إقصاء “فكرة القطب الأوحد” والسعي إلى تعددية الأقطاب ظهرت على السطح مرة أخرى سياسة “الغموض الاستراتيجي” الأمريكي تجاه الصين، هذه السياسة الأمريكية التي انتهجتها حيال الأزمة الصينية وفكرة “الصين الواحد” وذلك بعد محاولات انفصال تايوان عن الصين وما تبع ذلك من صراع دبلوماسي قادته الصين لمنع العديد من دول العالم الاعتراف بتايوان أو محاولات التخلي عن هذا الاعتراف، فلم يبق غير 13 دولة فقط ممن تبقوا ضمن قائمة المعترفين باستقلال تايوان عن الصين بعد إعلان “هندوراس” سحب اعترافها فيما وصف بأنه “انتصار صيني” في طريق كسب صراع السيادة مع تايوان “دون إطلاق رصاصة واحدة”، وهو ما أجج الصراع من ناحية أخرى مع أمريكا التي صبت الزيت على النار في الأيام الماضية حينما استقبلت رئيسة تايوان، حتى وإن سعت إدارة الرئيس جو بايدن إلى التقليل من أهمية هذه الزيارة من خلال تصريحات وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” بقوله إن رئيسة تايوان لا تقوم بزيارة رسمية للولايات المتّحدة بل وجودها في هذا البلد هو مجرد “ترانزيت” بعد جولة دبلوماسية لها في أمريكا الوسطى، داعيا الحكومة الصينية إلى عدم استخدام الاجتماع بين مكارثي وتساي “ذريعة لإثارة التوترات”، في حين وصفت الصين هذه الزيارة بأن الرئيسة “تساي إنغ ون” تدفع بتايوان في “بحار عاصفة”.

ولكن من يقرأ المعنى المقصود من هذا “الترانزيت المريب” يرى أن أمريكا تحاول انتهاج سياسة “الغموض الاستراتيجي” تجاه الصين من خلال الأزمة التايوانية وكأنها أوراق ضغط تخرجها أمريكا كعقاب للصين في دعمها لروسيا أو التفكير في أن تكون قطبا عالميا يزاحم أمريكا على عرشها المقدس.

إن المشكلة في سياسة الغموض الاستراتيجي أنها مليئة بتناقضات على الرغم من الاتفاقيات المُبرمة بين واشنطن وبكين بين عامي 1972 و1982 التي أنهت القطيعة الطويلة بين البلدين خلال زيارة الرئيس الأمريكي الراحل “ريتشارد نيكسون” إلى بكين عام 1972 حين أقر بحكومة تايبيه كحاكم شرعي للصين، ولكن صعد الكونجرس إلى الخرق وأصدر في عام 1979 قانون العلاقات مع تايوان، والذي يُلزم أمريكا صراحة بالدفاع عن تايوان، لكنها وعدت بتزويد تايوان “بأسلحة ذات طابع دفاعي”، والنظر في أي جهد لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية إذا تهدد سلام وأمن منطقة غرب المحيط الهادئ على نحو مقلق للولايات المتحدة، إن الغموض الذي تنطوي عليه تلك السياسة محدود للغاية، قد يشجع الصين على المغامرة، وهو ما شجع الصين في معاقبة من تسول له نفسه في أن يدس أنفه في هذا الملف من خلال فرض منطقة حظر طيران حولها تبلغ 85 ميلا بحريا شمال الجزيرة التايوانية، فضلا عن وضع 50% من حركة التجارة العالمية على المحك، ما يهدد بمزيد من التعطيل لسلاسل التوريد التجارية، حيث يمر من مضيق تايوان 88% من أكبر سفن العالم حمولة، ويعد الممر المائي الأكثر ازدحامًا في العالم، حيث تعبر منه السفن من الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى أوروبا وبذلك تضغط الصين على صناع القرار العالمي بدعم تايوان وتضع حداً فاصلاً في سياسة “الغموض الاستراتيجي ” الأمريكي نحوها.

من وجهة نظري من يستطع فك شفرة هذا الغموض الاستراتيجي والعمل على رسم سياسة عالمية جديدة فسوف يقود العالم طبقا لمعطياته الجديدة في الساحة العالمية.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى