اجتماعيةدراسات

«العنف الأسري».. ظاهرة تقهر المجتمع وتفكك أوصاله

تقرير بحثي يناقش ويطرح الحلول.. للباحثة هايدي شتات

«العنف الأسري».. ظاهرة تقهر المجتمع وتفكك أوصاله

على مر الزمان عرف المجتمع المصري بالتزامه العقائدي والديني في المعاملات الزوجية ففي الستينات والسبعينات قل ما كنا نسمع عن جرائم العنف الزوجي والأسري  ، فكان الخبر عن جرائم القتل أو العنف  بمثابة  زلزال  يهز عرش المجتمع المصري، خلال الأعوام الماضية وحتى الآن إنتشرت  هذه الجرائم بشكل كبير جدا ، في ظل غياب  للعادات والتقاليد المجتمعية  بمختلف المستويات المجتمعية ، فأصبحنا نتحدث عن الزوجة التي تقتل زوجها بسبب وجبة عشاء ونجد الحقيقة هي التعنيف من قبل الزوج،  فلم تمر أيام من حدث إلا وتلاه أحداث أخرى أبشع   يعكر الصفو المجتمعي ويزعزع التقاليد والعادات التي تربينا عليها.

حسب نتائج  التقارير الأخيرة لآخر مسح مشترك أُجرى من خلال صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهاز المركزى للتعبئة العامـة والإحصاء، فإن 7.8 مليون امرأة تعانى من جميع أشكال العنف سنويًا، سواء اُرتكب هذا العنف على يد الزوج أو الخطيب أو أفراد فى دائرتها المقربة.

ولعلنا نجد  أن وسائل التواصل الإجتماعي أصبحت هي الوسيلة الداعمة  لكشف أسرار  «العنف الأسري» بكل أشكالة  من خلال الانتشار الواسع  للأخبار والأحداث العلاقات الأسرية لتتصدر حالات القتل الزوجية «تريندات» كافة المنصات الرقمية.

خلال الشهور الماضية انتفض المجتمع المصري  بعدد من حالات العنف الأسرية التي وصل بعضها للقتل، ففى الدقهلية وتحديدا بقرية شاوة تسببت مشادة كلامية فى تسديد طبيب 11 طعنة لزوجته الطبيبة وفر هاربا عقب ارتكاب جريمته.

 وتكرر المشهد فى بنى سويف بعد أن انتهت حياة زوجة على يد زوجها الذى حاول الانتحار بعد تسديد طعنات قاتلة لها، أما فى القليوبية بقرية طنط الجزيرة استيقظ الأهالى على فاجعة طعن زوجة لزوجها المحاسب يوم وقفة عيد الأضحى، بعد خلافات بينهما على شحن عداد الكهرباء وقصة قيام مهندس بقتل زوجته (37 عاما) وإلقاء نفسه من الدور الـ 12 في مدينة بدر المصرية  ، وفي مدينة نصر  واقعة مؤسفة عندما قام موظف بقتل زوجته بطلق ناري ثم ألقى نفسه من الطابق الخامس وفارق الحياة في الحال. 

وفي قرية الغرق التابعة لمركز إطسا بالفيوم خلال هذا  العام  قيام صاحب مخبز بقتل زوجته وأولاده الستة وانتحاره ، في حدث جلل تقشعر له الأبدان ، وغيرها من الحالات الغريبة والمريبة للعنف الأسري والتي تنعكس بشكل قاسي  على الأطفال  الذين هم ضحية للعنف الأسري واستنكره المجتمع المصري  وأنتفض له عبر المنصات الرقمية

وخلال  هذا التقرير نستعرض أهم الأسباب والظروف وما هي الإستراتيجية  للحد من العنف والتعنيف الذي يؤدي إلى هذه الجرائم البشعة  من قبل المرأة وعلى المرأة والطفل  فما هي الأسباب  والظروف  لتجنب  مثل هذه الحالات في المستقبل من وجهة نظر استشاري الصحة النفسية والعقلية،  والدور الحالي للدولة والمتمثل بشكل  كبير في الجهات المعنية  بالمجلس القومي للمرأة والطفل. 

 المخدرات والإنهيار الثقافي

في هذا الصدد يقول جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، الذى يؤكد أن من أبرز أسباب العنف الأسرى الذى يصل إلى القتل هى المخدرات فى المقام الأول ثم العلاقات الاسرية السيئة ثم الانهيار الاجتماعى والثقافي، وأن قديما كانت الحالات أقل بكثير نظرا لتماسك المجتمع بأصوله وعاداته وتقاليده المصرية.

 أشار  فرويز أن إنهيار العلاقات داخل الأسر مبني للأسف الشديد على التربية السيئة وخاصة الآونة الأخيرة ،  وإهمال تربية الأولاد والجلوس معهم فترة مناسبة يوميا ومعايشة ظروفهم ومشاكلهم ،

ويكتفون بالإنفاق المادي فقط ، البعض يدخل أولاده مدارس وجامعات خاصة كأنها المسؤولية الكبرى والأساسية وفقط ،  كونت مسافات وفجوات نفسية  لدى الشباب منذ الصغر؛  لتنعكس على العلاقات الزوجية، هناك  أزمة في العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة  مبنية على المصالح الفردية  ، بالتأكيد في البداية هناك حالات إعجاب وحب من قبل الرجل في البداية  ، لسبب أو لآخر في ذهنه وبعد الإرتباط ، ومع أول مشكلة حقيقية تكون هناك مشاكل وأزمات بين الرجل والمرأة   ، وفي غياب الوعي الذي سبق الحديث عنه والذي يكون من المفترض التأسيس عليه منذ الصغر  ، تتراكم المشاكل وتتكرر الحوادث  الذي تربى عليها الشاب في منزلة ويطبقها في حياته الزوجية ، من تعريض زوجته للعنف والضرب ، ومع انتشار وتعدد مظاهر التعاطي لمذهبات العقل والمخدرات والتي تضاعف من الأزمة وحدتها ، ويسود المشهد وهو العنف  إما اللفظي، ومنه السخرية والتهكم  الذي يكسر الإحترام والمودة بين الطرفين والذي يؤدي  إلى مظاهر العنف الأسري

وأضاف فرويز ، أن العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة بدأت فى الانهيار أيضا واختلت معها نظرة الأطفال للآباء وعلاقاتهم ببعضهم البعض، لنجد أمامنا أما تلقى بأطفالها تحت كوبرى أو أبا يقتل أولاده أو أولاد يلقون بأمهم فى الشارع.

على جانب آخر يشرح اللحظة التى يمر بها الشخص قائلا: « لحظة قتل الأب أو الأم أو حتى الأطفال تكون مجردة تماما من أى مشاعر، وهذه أبرز سمة فى مرض اضطراب الشخصية».

وهناك سبب آخر أهم مع تزامن المشاكل السابق ذكرها وهو الضغوط الحياتية والمادية ،  والمقارنات  المخلة الزوج  بين زوجته والفنانات والمطربات التي يراها في التلفاز  بأزياء مخلة ويريد زوجته كذلك طيلة الوقت ،  في ظل وجود الضغوط الحياتية على المرأة بين العمل والمنزل وتربية الأطفال،  وهي أحد أهم المشاكل وأكثرها شيوعا  والتي تنتهي بالعنف الأسري ؛

وإذا إختصرنا أهم الأسباب  من وجهة نظري بعد التحليل النفسي لهذا الكم من الحوادث في الآونة الأخيرة يرجع العنف الأسري في الأساس لأسباب أهمها المخدرات والإنهيار الثقافي والفجوات في أسس التربية بين الوالدين والطفل ورؤية عنف بينهما ،  والذي  يترتب عليه قصور ديني وأخلاقي وقيمي  يؤدي إلى عنف أسري ينعكس سلبا على المرأة والطفل.

الثقافة هي الوسيلة الأكثر تأثيرا على بناء سلوكيات المواطن

وعطفا على ذلك يقول وليد هندي إستشاري الصحة النفسية، هناك جرائم أسرية كثيرة عايشناها خلال الآونة الأخيرة ، جرائم  بشعة لم يعتادها المجتمع المصري قبل ذلك ، ويرجع ذلك لعوامل كثيرة متشابكة ومتداخلة  مع بعضها البعض للبناء النفسي للقائم بالإعتداء   ،  والتي من أهمها نمط التنشئة الإجتماعية ،  فمن تربى العنف وافتقر إلى ثقافة الحوار  في الأسرة وتعرض للعنف اللفظي والجسدي وكان ينكل به من أهله  و يعاني من النبذ الاجتماعي والوصمات  كالشتائم  والألفاظ ، كل ذلك عوامل تؤثر على بنائه النفسي  ويكون مشبعا بالعنف ، ولذلك يعيد السلوك الذي تربى عليه إذا ما أنجب أطفالا.

ويعتقد بذلك أن الضرب والشتيمة  وغيرها من مظاهر العنف هي الوسيلة الأمثل للتربية وقد تتعرض ا للأم كذلك  في بعض الأحيان والتي هي زوجته ليمارس عليها مظاهر العنف التي تربى عليها وعلى الطفل بالتأكيد، فينفس عن غضبه المكنون  من إحباط أو ضغط نفسي من ديون مثلا ،يتكون لديه حالة من  عدم الانتماء للأسرة وهذه عوامل مساعدة على الجريمة  كما ظهرت فترة الحظر من فيروس كورونا ، فالأزمات المادية أدت إلى ضغوط نفسية ، وتغيير لنمط جودة الحياة 《 quality of life  》تغيرت فنمط الحياة اختلفت للأسوء، والتحول السلبي للإعتدال المزاجي، مع مرور المواقف وعدم التحكم في النفس من الممكن أن تتضاعف العواقب إلى الحرق مثلا كما عايشنا بعض التجارب  ؛ فالبعض كان يحرق أطفاله بالملعقة مثلا عايشنا مثل هذه التجارب خلال الفترة الماضية.

وعند البحث وجد أن أغلب الجرائم تكون من مجتمعات ذات مستوى تعليمي منخفض ، أو  مدارس نشأ عليها لم  تكن فيها أساليب تعليم جيدة أو أنشطة تثقيفية وتربوية  تؤجج لديهم الارتباط المجتمعي، وجميع  جرائم العنف الأسري  تصل إلى حد  القتل ، فتنتج عن شخصيات لديها اضطرابات وخلل  في الشخصية وتعدد أنواع الشخصيات ١منها –  الشخصيات العدوانية : التي ليس لديها حل  لمشاكل الحياة  سوى العنف، فيقدم العنف عن  أساليب المناقشة والتفكير الرشيد .

٢- والشخصيات السادية : والتي يتكون لديها متعة في تعذيب الآخرين ، فيقتل  وبعدها يدخن سيجارته ويمارس حياته بصورة طبيعية وكأن شيئا لم يكن. 

الشخصية المعقدة: كان ينكل به من الصغر  كعدم الرعاية والعناية  فعندما يجد زوجته تدلل ولده من الممكن يؤذي طفله كنوع من تنفيس عن عقدة نفسية له منذ الصغر.

وأضاف هندي أن هناك أسباب  أخرى  الفقر والبطالة وأسباب أخرى  بيئية أيضا كالزحام السكاني والمروري ، والتي تسبب نوع من الضغط النفسي  الذي يؤدي إلى  العنف الأسري.

وفي سياق متصل أضاف أن أحد أهم الأسباب،  تعاطي المخدرات فحسب الإحصائيات الأخيرة  أن مصر بها ٥ ,٢١ مليون مصري (يتعاطون ، يتعاملون ومدمنين)  وهي السبب المباشر للعنف الأسري  ولها العديد من الآثار السلبية وهي الغيبوبة الحسية  ، والضلالات ، وتبلد الإحساس  ورود الأفعال التي تتم بالعنف الشديد  ومن الممكن أن يقتل تحت تأثير المخدر لا إراديا .

إضافة إلى  ذلك يعد بعض ما يعرض عبر الشاشات محرض على العنف من أفلام ومسلسلات وللأسف يتخذها البعض قدوة ويجدونها أفكار وحلول إبداعية في العنف ضعف البعد الديني وإضافة إلى ما سبق ضعف البعد الديني وإنشغال الأهل اغلب الوقت عن تربية نشء وفق العادات والتقاليد المجتمعية الصحيحة ، يعد من أهم الأسباب وأخطرها  فالكل مفتقر لمشاعر الأسرية والإنسانية التي لابد وأن يعكسها على أسرته ،فالبعض يتعامل مع أولادهم كأنهم غرباء عنه  ، فمثلا نجد من  ينزعج من بكاء طفله  كأنه غريب عنه لدرجة أنه من الممكن أن يؤذيه إلى درجة القتل ،

هذه أسباب تؤدي إلى تشتت وترهل العلاقات الأسرية كما أن التكنولوجيا ساهمت أيضا في التباعد الإجتماعي فالأسرة تشعر بأنهم غرباء عن بعضهم البعض ،  ففقد الطفل الشعور بالأبوة والأمومة هذه الأسباب التي إنعكست على العنف الأسري مما وجدناه خلال الآونة الأخيرة .

  إستراتيجيات وخطط للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة

و عن دور المجلس القومي  للمرأة للحد من العنف الأسري، وأوضحت عضو لجنة المحافظات بالمجلس القومي للمرأة  الباحثة  د حنان عبد القادر، العنف ضد المرأة انتهاكا لحقوقها وإهدار لا دميتها وظلم بين يقع عليها ليس إلا لأنها امرأة.

وبالطبع كل هذه الأشكال لها تأثير وعواقب نفسية وجسدية وعقلية على المديين  القصير والطويل ربما يصل الأمر إلى الموت وإزهاق الروح ..وإزاء هذه المشكلة كان للمجلس القومى للمرأة جهود كثيرة منذ إنشائه عام 2000 للتصدي لكافة أشكال العنف ضد المرأة وإنشاء خط ساخن لتلقى شكاوى السيدات والفتيات وتوفير فريق عمل من المحامين لمساعدة هؤلاء المعنفات كما أجرى المجلس الدراسات والمسوحات للوقوف على أبعاد المشكلة ووضع الحلول والخطط والبرامج للتصدى لها على سبيل المثال أجرى المجلس    مسحا التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة بالتعاون مع  الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA

وأجرى المسح لتوفير بيانـات دقيقـة ومعبرة على الصعيد الوطني عـن ظاهـرة العنـف ضـد المـرأة والتكاليف الاقتصادية المرتبطة بها. لتساعد البيانات المتاحة صانعي القرار والقائمين على التخطيـط مـن أجـل صياغة استراتيجيات وخطط تنفيذية مبنية على الأدلة المستمدة مـن الواقـع، بهدف القضـاء على العنـف ضـد المـرأة.

ورصد المسح معدلات انتشار العنـف ضـد المـرأة ، ووقوعه بمختلف أنواعه وأشكاله،و أثر العنف على صحة المرأة العامة و صحتها الإنجابية، عواقب العنـف ضـد المـرأة،  والتكاليف الاقتصادية المرتبطة بها.

حيث أظهرت نتائج الدراسة أن الدولة تتحمل 8 مليار جنيه من ميزانيتها لمعالجة ظاهرة العنف ضد المرأة.وكشفت الدراسة عن أرقاما صادمة ، حيث  ان هناك ٥مليون من النساء المتزوجات تعرضن  لعنف الزوج بنسب عالية، فقد انتهت نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف،

 القائم على النوع الاجتماعي الى أن هناك 5 مليون و600 ألف امرأة يعانين من عنف على يد الزوج أو الخطيب سنويا، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، وأن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج، وتصل تكلفة السكن البديل أو المأوي عندما تترك النساء منازلهن بسبب العنف على يد الزوج تبلغ 585 مليون جنيه سنويا، وتتعرض نحو 200 ألف امرأة سنويا لمضاعفات في الحمل نتيجة العنف على يد الزوج، لم يتعد عدد النساء اللائي يبلغن الشرطة بحوادث العنف 75 ألف امرأة.

وتبنى المجلس الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة واعتمدها الرئيس عبدالفتاح السيسي وأقرها كخارطة طريق للحكومة المصرية وتتضمن أربعة محاور هي التمكين السياسى و الاقتصادى والاجتماعي والحماية..كما أصدر المجلس الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة الاستراتيجية الوطنية لمناهضة الزواج المبكر الاستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الإناث..وتم إقرار العديد من القوانين والتشريعات وأدخلت عليها تعديلات منها قانون تجريم الحرمان من الميراث وتغليظ عقوبتي  ختان الإناث والتحرش الجنسى وقانون لمواجهة المتهربين من دفع النفقة وقانون حماية البيانات الشخصية وتعديل قانون إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية بما فيها الولاية على المال وقانون بتجريم التنمر.

بعد ان تناولنا موضوع «العنف الأسري».. ظاهرة تقهر المجتمع وتفكك أوصاله يمكنك قراءة ايضا

دكتور فكري سليم يكتب.. العلاقات المصرية الإيرانية..متى تعود؟ (الجزء الثاني)

مصدر يكشف حقيقة طرد نائب رئيس المجلس الرئاسي أثناء زيارته لدولة أفريقيا الوسطى

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى