
شهدت العلاقات السودانية الإثيوپية استقراراً معقولاً أغلب فترة تسلم رئيس الوزراء مليس زيناوي السلطة في إثيوپيا (1991– 2012)، بعد صراع كبير بين البلدين طوال فترة حكم الدرك خلال عام 1974 ، والرئيس مانجستو هايله مريم منفرداً 1977-1991. ويرجع تحسّن العلاقات جزئياً إلى الدعم والمساندة اللذين وجدتهما جبهة تحرير التيجراي ومن بعدها الجبهة الشعبية لتحرير الشعوب الافريقية المكونة أساساً من التيجراي كقوى رئيسية والارمو وبعض معارضى الامهرة من قبل حكومات السودان، وجاءت كذلك كرد فعل لمساندة إثيوپيا الاشتراكية الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تأسست عام 1983.
اقرأ أيضا: د. مصطفى أحمد جابر يكتب.. الهيدروجين الأخضر
وبالتالي يمكن القول أن العلاقات السودانية مع ملس زيناوي وحركته نشأت بحكم الاحتياج المشترك ولم تنشأ نتيجة لتفاهمات وإيديولوجيات ومبادىء مشتركة، وأن ما يجمع بينهما ربما محركه الأساسي أسقاط الرئيس مانجستو هايله مريم أو إضعافه، وبعد ذلك ربما لم يفكر الطرفان بأبعد من ذلك في علاقاتهما المشتركة، وكان ذلك على وجه التحديد في حقبة الرئيس السوداني جعفر نميري (1969-1985)، مثل بعد سقوطه، (النميري)، إثر انتفاضة شعبية فيما يبدو أن العلاقات تجّمدت مع السودان بسبب مشكلات وأزمات الحكم الديمقراطي (1986-1989) وعدم الاستقرار السياسي، والصراع بين الأحزاب المختلفة، والمشاحنات المستمرة بين سياسي تلك الحقبة، كما كانت هناك شكوك حول جدوى المعارضة المسلحة.
بيد أن العلاقات لم ُتقطع تماما بين الطرفين بسبب الحرب في جنوب السودان مع توالي دعمها ومساندتها من قبل إثيوبيا حيث جعل البعض في الحكومة السودانية والدوائر العسكرية يفكر جدياً في إحياء التحالف القديم مع حركة المعارضة الإثيوبية المسلحة وخصوصا ثوار إريتريا وثوار التيجراي . الا أن الوجود الإثيوبي الكثيف في السودان في تلك الحقبة وحرب الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والمجاعات المتتالية جعلت من الملف الإثيوبي في السودان الملف الأقرب للسياسيين والعسكريين بحكم كل تلك الظروف والآثار الجانبية، غير أن فكرة إسقاط النظام الإثيوبي من جذوره ربما كانت بعيدة عن الأذهان بحكم أن الاتحاد السوفيتي الراعي الرسمي للاشتراكية الدولية بدأ متماسكاً في أواخر الحرب الباردة ولم يبدأ في التفكك بعد، كما أن لإثيوبيا حلفاء أقوياء في المنطقة أمثال الجماهيرية الليبية واليمن الجنوبي يومئذٍ. أضف إلى ذلك أن نظام الدرق استطاع أن يهزم أكبر أعدائه ومتحديه في المنطقة وهم الصوماليون بعد حرب 1977، وأن يجعل منهم أمثولة بعد أن كانوا أفضل جيوش إفريقيا جنوب الصحراء.
أضف إلى ذلك أن فكرة قدرة المعارضة المسلحة على دك العواصم وانتزاع السلطة عنوة كانت محدودة يومئذٍ وفاشلة مثل محاولة المعارضة السودانية الاستيلاء على السلطة في 2 يوليو 1976 انطلاقا من القواعد الليبية، وربما لم تنجح إلا ضد عيدي أمين 1986، إلا أنها أصبحت فيما بعد الاتجاه التقليدي المعتمد لإسقاط الأنظمة بعد هروب منجستو هايلاماريام.
كما أن السودان لم يكن في أفضل حالاته وقوته جراء النزاع المستمر على السلطة في العهد الديمقراطي وعدم استمرار الحكومة لأكثر من عام في تصريف مهامها، والصراع ضد الحركة الشعبية في الجنوب، والعجز الاقتصادي المزمن وهجرة الكوادر المؤهلة بمئات الآلاف إلى خارج البلاد، مما جعل من فكرة التصدي لنظام الدرق الإثيوبي تبدو بعيدة وخارج نطاق التصور.
العلاقات المشتركة في بدايات عهد الانقاذ
- أن اتجاه العلاقة مع السودان لم يكن إسهاما اثيوبيا خالصا وإنما ساعدت فيه قوى خارجية ودولية، بسبب الإصرار علىإبقاء العلاقات في حالة من الهدوء بالرغم من اختلاف الرؤى وتصادم المصالح، والغرض من ذلك ربما حماية إثيوبيا في حالة سقوط الدولة مثلما حدث للصومال في تلك الحقبة تقريبا،
- لذلك تم دعم الرئيس الإشتراكي منجستو هايلاماريام من قبل الغرب ضد خصمه محمد سياد بري حتى في عز الحرب الباردة وانتماء الطرفين للمنهج الشيوعي طالما أن السلطة في قبائل الأمهرة أوالتيجراي.
- وفي حالة تدهور العلاقات مع السودان والسلطة الإثيوبية في بداية عهدها وتبدو هشة بفعل عوامل كثيرة فإن من شأن ذلك أن يضعف السلطة الجديدة،لأن السودان كان على صلة وثيقة ببداياتها الأولى ويعرف الكثير من تفاصيل وصولها إلى سدة الحكم وهي تكاد لا تشكل أكثر من 7% من أجمالي تعداد إثيوبيا إن لم يكن قد لعب الدور الأكبر في وصولها للسلطة. كما أن انهيار الدولة في الصومال مع بداية وصول النظام الجديد إلي سدة السلطة 1991م يعني ذلك أن ثوار الأوجادين المطالبين بالاتحادي مع الدولة الصومالية الأم يمكن أن يقاتلوا دون أن يجدوا من يعطل قدرتهم على الحرب بعد أن سقطت الدولة ولم يعد أحداً يعني بالتحكم بالحدود بشكل متكامل ، مما يهدد على المدى البعيد بتحرير كامل أراضي الأوجادين من إثيوبيا ، وربما يستطيعوا أن يتحركوا أبعد من ذلك في حالة إقامة تحالفات مع جماعات إثنية أخرى مثل الأرومو أو العفر أو حتى الأمهرا الذين تم طردهم من السلطة من قبل أقلية صغيرة جدا، وبالتالي لم يكن هناك خيار أمام الحكومة الجديدة سوى تحسين العلاقات مع السودان بالرغم من الصوت الايديولوجي الإسلامي العالي الذي ظل يتردد من الخرطوم طوال العقد الأول من التسعينيات .
- وكان من المتوقع أن يدخل النظام الإثيوبي في مواجهة مع النظام السوداني نتيجة لتشجيعه الحركات الإسلامية في المنطقة مادياً ومعنوياً ، وللرغبة الغربية في ذلك وهم حلفاء أوفياء للنظام الإثيوبي حيث ظلّت الولايات المتحدة الأمريكية تمد النظام الإثيوبي بأكثر من مليار دولار سنويا كمساعدات خارجية بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي الذي يدفع نفس المبلغ سنويا زهاء العشرين عاما الأخيرة لتطوير الاقتصاد الإثيوبي على الرغم من احتجاجات منظمات حقوق الإنسان واتهام النظام بالديكتاتورية واحتكار السلطة من قبل أقلية صغيرة لا تمثل أغلبية الشارع الإثيوبي ، واستعمالها أساليب عنيفة للاحتفاظ بسلطتها القابضة ، بيد أن ذلك لم يثني من عضد أمريكا والاتحاد الأوربي في تقديم المساعدات المليارية للنظام الإثيوبي وكثير من التسهيلات الاقتصادية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك فإن مبررات العداء كانت موجودة مع السودان وخصوصا عقب محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس ابابا 1995، واتهام السلطات المصرية صراحة النظام السوداني بدعم تلك المحاولة والتخطيط لها.
- وبالفعل أخذت العلاقات المشتركة في التدهور السريع بعد ذلك وخصوصا بعد إقدام إثيوبيا على احتضان قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان مرة أخرى بعد أن أسهمت في إخراجها من الأراضي الإثيوبية عقب وصولها للسلطة 1991 بدعوي مساندتها لنظام الدرق المنهار.
- بيد أن إثيوبيا لم تذهب بعيدا في اتجاه معاداتها للسودان مثل قطع العلاقات أوطرد السفير أو الإعلان عن رغبتها صراحة في إسقاط النظام مثلما فعلت جارتها إريتريا وأوغندا، وربما يرجع هذا الأمر إلى تخوفها من فتح أكثر من جبهة للصراع مع الإسلاميين في كلٍ من الصومال والسودان. ولقد لوحظ أن مندوب مصر في الأمم المتحدة رفض بشدة حظر السلاح ضد الحكومة السودانية. ربما كل ذلك جعل إثيوبيا حذرة من دخولها في مواجهة مفتوحة مع السودان، وفيما يبدو أن الإستراتيجية الإثيوبية كانت حريصة على عدم السماح بتحالف سوداني مصري ضدها ، ولا ننسى أيضا أن بوادر الإرهاصات المكتومة للصراع مع إريتريا أخذت في التداعي مع التضيق الإريتري للواردات الإثيوبية في ميناء عصب الإريتري والإصرار على إنشاء عُملة جديدة تسمى (النقفة) بدلا من (البر) الذي إتفق الطرفان عليه إلى أن تفجّرت حرب غير متوقعة في مايو 1998م. كل هذه المؤشرات تدلل على أن القيادة الجديدة في إثيوبيا كانت لها إستراتيجيات معينة تسير علي هداها وموجهات مخطط لها بخصوص السودان، حيث تحرص على عدم الدخول في مواجهة معه مهما كانت درجة العداء والخلاف الإيديولوجي (في هذه المرحلة من المراحل على الأقل) تسعى فيها إلى الخروج من وهدتها الاقتصادية واحتفاظ المسيحية بالسلطة في أديس أبابا وسط تزايد في أعداد مسلمي إثيوبيا حتى تعدوا 60% من تعداد السكان الكلي.
تأثيرات الحركة الشعبية على العلاقات المشتركة
- مرت علاقات إثيوبيا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بعدة أطوار بداية من محاربتها وطردها من جنوب غرب إثيوبيا مع بدايات وصول الجبهة الثورية للشعوب الإثيوبية للحكم في أديس أبابا في مايو1991م بسبب شكوك حول علاقة الحركة بنظام الحكم المنهار، لأن الحركة أصلا قامت برعاية مباشرة من هذا النظام ، وعلى أسسٍ فكرية وأيديولوجية مشابهة له في ظاهر الأمر على الأقل ، وقد مكنّ نظام الدرق الإثيوبي قيادة الحركة ممثلة في د. جون قرنق من الاستفراد بالساحة الجنوبية بعد أن قام بتصفية العديد من القيادات المناوئة للعقيد،كما ساند الحركة عسكرياً في هزيمة مناوئيها من فصائل الجنوبيين حتى تستفرد بالساحة الجنوبية بأكملها ( أنانيا 2) ومن ثم البدء من بعد ذلك التفرغ لمحاربة الشمال ، بل وربما ذهبت أبعد من ذلك حينما ساندتها في إخلاء ساحة منطقة جنوب كردفان ( جبال النوبة) من القادة المستقلين المعبرين عن صوت المنطقة لصالح قيادات نوبية وغير نوبية مرتبطة بتنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان.
- لذلك كان من الطبيعي أن تظهر شكوك كبيرة حول علاقة الحركة بالنظام المنهار، ومن هنا حدثت المواجهات في جنوب غرب إثيوبيا وجرى على أثرها إبعاد الحركة الشعبية عن تلك المناطق ، بيد أنه لا يمكن الجزم أن ذلك الاتجاه كان رغبة حقيقية من قبل النظام الجديد بتصفية الحركة الشعبية داخل إثيوبيا أم أن الأمر حدث نتيجة تحمّس قادة عسكريين ثوريين إثيوبيين في تلك الجهات وشعورهم بخطورة الوجود العسكري للحركة، أم أن ذلك كان بتعليمات من قيادات الدولة الجديدة للتخلص الحركة الشعبية وأبعادها إلى داخل حدود السودان ، الراجح في الأمر أن تلك المواجهات العسكرية ربما تمت من دون تخطط مسبق ومن دون توجيهات من القيادة ، وربما غضت القيادة الطرف عنها بسبب الخطورة العسكرية والرغبة في التأمين ، ذلك أن القيادة الإثيوبية الجديدة كانت تحمل رؤى واستراتيجيات واضحة قبل وصولها إلى السلطة ، وأن رؤاها هذه من أعانتها بالوصول للسلطة ولولاها ما تمكنت من ذلك بسهولة وهي التي لاتمثل إلا حوالي 7% من عدد سكان إثيوبيا بالإضافة إلى الحلفاء الآخرين مثل الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وغيرها، وعلى الرغم من المساندة السودانية لهذه الحركات إلا أن الاجتماعات الأخيرة حدثت في مدينة لندن ولم تكن بعيدة عن أعين الفاعلين الأخرين في المنطقة مثل البريطانيين والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، ومما لاشك فيه انهم اتفقوا على إزالة النظام الاشتراكي الشيوعي من جذوره وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قبل عام من ذلك التاريخ أي في 1990م ، واتفقوا أيضا على منح إريتريا حق تقرير المصير مقابل تسهيلات ربما في الموانيء البحرية للإثيوبيين ، ولم يكن هذا الأمر ينطوي على تعقيدات كبيرة لأن شعب التيجراي في كل من إثيوبيا وإريتريا كان يدير المعارضة المسلحة يومئذ.
- بيد أننا لا نستطيع أن نجزم ايضا، أنهم اتفقوا على تصفية الحركة الشعبية من الهضبة الأثيوبية ، ونستبعد ذلك لأن الغرب بصورة عامة ربما ظل يرعى فكرة انفصال جنوب السودان منذ وقت مبكر ، وما كان ليوافق على خسارة هذا الحليف الإستراتيجي في هذه المنطقة بسهولة وخصوصا وأنه كان قد حقق نجاحات كبيرة في جنوب السودان والمنطقة الشمالية المحيطة به، أو حتى دعمه ورعايته ، وكانت قمة نجاحاته في الفترة الديمقراطية من 1986- 1989، حيث لم يعد للحكومة السودانية سوى مناطق محدودة في جنوب السودان أبرزها المدن الثلاثة الكبرى، كما أن الحركة استطاعت أن تتمدد شمالا في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق.
- ومع مجيء ثورة الإنقاذ الوطني في 1989 وسقوط نظام الدرق بعد عام من ذلك وحدوث مواجهات بين النظام الجديد والحركة الشعبية في جنوب غرب إثيوبيا لم تتواصل العمليات العسكرية للقضاء على فلول الحركة الشعبية تماما في المنطقة، مما يرجح فكرة الاشتباك المحدود العفوي بين الطرفين في أول الأمر، اضف إلى ذلك أن الحركة الشعبية سرعان ما انشقت نصفين في تلك الفترة مما جعل قسما منها يتجه للتحالف مع الحكومة السودانية وهم المتاخمون للحدود السودانية الإثيوبية وأغلبهم من قبائل النوير بقيادة رياك مشار ، بينما اندفع القسم الآخر جنوبا إلى توريت وإلى حزام الحدود السودانية الكينية اليوغندية بقيادة جون قرنق.
- وبالتالي يمكن القول مشكلة الحركة الشعبية في إثيوبيا صفّت نفسها بنفسها في تلك السنوات الأولى من عمر النظامين السوداني والإثيوبي ووفرت عليهما مشقة الخلاف والإحراج مع أطراف خارجية أخرى وخصوصا لوكانت هذه الأطراف مهيمنة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وإسرائيل. بيد أن قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان ما لبثت أن أعادت علاقتها مجددا مع إثيوبيا بعد أقل من عامين من تاريخ وصول السلطة الجديدة إلى أديس أبابا ، وربما يرجع ذلك الأمر جزئيا إلى السياسات الخارجية التي سلكتها الحكومة السودانية من خلال إعلامها المتتالي بأنها تسعى إلى قيام وحدة إسلامية شاملة في المنطقة وبناء إمبراطورية إسلامية جديدة ، ومناهضة السياسيات الغربية ، ودعم التنظيمات الإسلامية السلمي منها والمتطرف ، مما أدخلها في مواجهات مع كل دول الإقليم تقريبا وقد زاد من توتر العلاقات موقفها من حرب الخليج الثانية مع دخول القوات العراقية الكويت في 2 أغسطس 1991.
- وبالتالي فإن موقف الحكومة الأثيوبية تجاه الحركة الشعبية أخذ في التغير منذ ذلك التاريخ وحتى انفصال جنوب السودان في 2011 حيث شهدت العلاقة بين الطرفين تنسيقاً واضحا وإن خفت حدة التأييد العسكري الظاهر وانحصرت في المساندة الدبلوماسية واللوجستية إلا في فترات قليلة مثل تلك التي أعقبت محاولة اغتيال حسني مبارك في 1995 بأديس أبابا.
- هذا الاتجاه يدلل على أن للحكومة الإثيوبية سياسة واضحة تجاه السودان تتمثل في تصفية أجواء الخلاف بين الطرفين بقدر ما تستطيع مع الاحتفاظ بتحالف وثيق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان تغلب عليه المساندة الدبلوماسية وتوفير فرص الاتصال بالعالم الخارجي من خلال عاصمتها النشطة دولياً، ولعل القصد من ذلك أن تبقى الحركة الشعبية كمضاد لمشروع السودان في المنطقة والذي ، وان نجح، سيكون شاملا مسلمي إثيوبيا والقرن الإفريقي بأكمله وهذا ما لا تستطيع أن تسمح به، كما أنها لاتستطيع الدخول في مواجهة مع السودان مع تورطها في مواجهات تارة مع القبائل الصومالية وتارة أخرى مع الحركات الإسلامية الصومالية وأخيرا مع الجارة والحليف السابق إريتريا في 1998.
- كما أنها تخشى من تقارب مصري سوداني بالقرب من حدودها الغربية وخصوصا وأن هناك خلافات عميقة حول مياه النيل ، وتعرف أن لها طموحات اقتصادية كبرى تتمركز أصلا حول إنشاء سدود بالقرب من الحدود السودانية ، وأن تحالف البلدين يمكن أن يؤثر في تطلعاتها ، كما أنها لا تجهل أن الحكومة المصرية والإريترية تعمل على هزيمة حلفاء إثيوبيا في الصومال حتى لو كان ذلك عبر دعم الجماعات الإسلامية الجهادية التي يخشاها الطرفان ، ولكن في سبيل وقف الطموحات الإثيوبية يمكن اتخاذ أي خطوات حتى وإن لم تكن محسوبة على المدى البعيد مثلما فعلت أمريكا بدعمها الجماعات الإسلامية الجهادية إبان الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي في 1979م وحتى انسحاب وسقوط الشيوعية بأكملها عام 1990.
- السودان من ناحيته كان يستطيع أن يضغط على إثيوبيا أكثر لوقف مساندتها للحركة الشعبية لتحرير السودان لو كانت المسألة ثنائية فقط ولكنه لا يستطيع ذلك بالرغم من أياديه على النظام الإثيوبي بسبب توتر علاقته مع العرب الأغنياء والدول الإفريقية المحيطة به والغرب على السواء ، ولم يكن أمامه إلا أن يغض الطرف عن هذه العلاقة ويسعى لتصويبها لتصب في صالح السلام ، وأن يتفرغ لدعم المعارضة المسلحة للدول المجاورة التي تعلن صراحة أنها تسعى لإسقاط النظام السوداني مثل يوغندا وإريتريا وتشاد بينما يتجاهل الدعم الدبلوماسي واللوجستي من قبل إثيوبيا وكينيا وليبيا وهو مضطر لذلك.أما الملفات الأخرى في العلاقات الثنائية مثل الحدود والملف الأقتصادي فقد شهدا تقدما ملموساً وأن لم يحل ملف الحدود تماما بالرغم من الأصرار الحكومي السوداني ،.
السياسة الإثيوپية بعد مليس زيناوي
- استطاع الرئيس مليس زيناوي من خلال شخصيته القوية وسيطرته الحازمة على السلطة في أديس ابابا لنحو عشرين عاما أن يجعل من المصالح الاثيوبية هي من تقود سياسته الخارجية بغض النظر عما تريده القوى العظمى، فهو كما رأينا يقيم علاقة متوازنة مع السودان لسنوات طويلة ، ولا يتردد في دعم الرئيس السوداني ضد محكمة الجنايات الدولية ، وفي نفس الوقت يقيم علائق إستراتيجية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل تحقيق السلام ، وأثناء الفترة الانتقالية(2005– 2011) وبعد استقلال جنوب السودان ، ولا يتردد كذلك في دعوة ثوار دارفور إلى القدوم إلى أديس أبابا وعرض قضاياهم المختلفة والإيحاء للحكومة السودانية بأن بمقدار إثيوبيا أن تفعل الكثير للسودان في حالة قيام تحالف مصري سوداني ضد المشاريع الاقتصادية الأثيوبية المتعلقة بمياه النيل (سد الالفية والسدود المقترحة الأخري)، كما أنه يعلم أن إسلامي الهضبة الإثيوبية خصوصا من قبائل الأرومو والعفر والأوجادين يتطلعون في اهتمام للتجربة الإسلامية السودانية، وإنها يمكن أن تشكل منطلقاً لتحقيق بعض أحلامهم المتعلقة بالحكم الذاتي والمشاركة في حكم البلاد بعيدا عن هيمنة البيتين الأمهري والتقري.
- وبالتالي وبرحيل الرئيس ميلس عن القيادة تكون الاتجاهات المستقبلية الإثيوبية غامضة حيث لايعرف أحداً من هي القيادة الجديدة التي تستطيع أن تّسير إثيوبيا في نفس طريق حفظ مصالحها بعيداً عن خضوعها للآخرين مهما كانت متطلباتها وإحتياجاتها، وهناك شكوك كثيرة حول هوية القادم الذي يمتلك مفاتح القوة لإدارة الامور ، وخصوصا وفيما يبدو أن قيادة رئيس الوزراء الجديد هايلاماريام ديسلين الجديدة تبدو مؤقتة في الظاهر وذلك لقلة الخبرة التي يتمتع بها رئيس الوزراء بالإضافة إلى أنحداره من قبيلة صغيرة( الولايتا) التى تقع على الحدود الجنوبية لإثيوبيا، بالإضافة إلى المذهب الديني الذي ينتمى إليه وهو البروتستانتية عوضا عن الارثوذكسية القبطية التي طالما هيمنت على أيديولوجيا الحكم في الهضبة الإثيوبية، كما أن خبرته في قيادة الجيش أو حرب العصابات التي تميز بها سلفه معدومة.
ازمة الحدود بين السودان واثيوبيا
- تنظم اتفاقية 1903 مسألة الحدود بين السودان واثيوبيا وفي شهر ديسمبر من عام 2020 انطلقت مفاوضات بين الجانبين واعلن عن فشلها يوم 24 ديسمبر اي بعد يومين فقط من البدء فيها وذلك بمدينة الخرطوم . ويشار الى ان اتفاقية 1903 قد نصت على اعتماد خط قوين أساس لتخطيط الحدود وهو ما حدث فعلا لاحقا عندما تم تخطيط الحدود بالاستناد على خط قوين .وكان من المفترض أن تكون هذه المفاوضات لعمل اللجان المشتركة ميدانيا وضع ما تبقا من علامات دولية وهي قليلة.
- حجة الوفد الإثيوپي بعدم الاعتراف بخط قوين أنها تمت فى العهد الاستعماري، والجدير بالذكر أن الإنجليز وقعوا الإتفاقية نيابة عن السودان مع الإمبراطور الاثيوپي وقتها “منليك” أپ أن إثيوپيا لم تكن مستعمرة وقتها.
- أن اتفاقية 1903 ضمت بني شنقولالسودانية لإثيوبيا. ويرى السودان انه يحق له التراجع عن الإتفاقية لأن الإنجليز هم من وقعوها مع حاكم وطنى فى إثيوبيا ومن حق السودان المطالبة بها رسميا. هناك أحاديث عن موقف إثيوبيا لا يعدو عن مناورة سياسية لإجبار السودان لتغيير موقفه من بعض ملفات سد النهضة .
التنافس بين السودان واثيوبيا في القرن الافريقي ودور سد النهضة.
من واقع استعراض العلاقات الثنائية بين كل من السودان واثيوبيا نجد انها قد اتسمت بقدر كبير من المناورات والمواجهات والاختلافات . وان ما شهدته من تقارب بيني بين الدولتين في فترات زمنية مختلفه اتسم بقدر كبير من التكتيك . بحيث لم يقم ابدا على مبدأ المصالح المشتركة والتعاون والتفاهمات ولكن يقوم بناء على تكتيك مرحلي اما لابعاد السودان عن مصر. او تحييد السودان عن دعم حركات تمرد داخل اثيوبيا . او دعم اثيوبيا بدوافع ايدلوجية ذات مرجعية دينية حتى ولو كانت تحت حكم شيوعي.
على صعيد اخرـ اتسمت العلاقات الاثيوبية مع جيرانها في القرن الافريقي بقدر كبير من التوتر. ولقد تم انتزاع اريتريا منها ولها علاقات متوترة مع الصومال بين الحين والاخر . لذلك فانها عبر فترات طويلة تحاول تحييد الجبهة السودانيه تجاها. وفي الفترات الاخيرة لجات اثيوبيا الى تحسين علاقاتها مع كل من اريتريا والصومال من خلال العمل على تدشين ما يعرف بالقرن الافريقي الجديد. وفي ضوء التقارب المصري السوداني. وعدم قدرة اثيوبيا على اختراقه .
اما فيما يتعلق بسد النهضة ، والذي تغير موقف السودان منه في فترات زمنية مختلفة. فحقيقة الامر ان السودان لا يعاني من فقر مائي. ولكنه يعاني من سوء ادارة الموارد المائية. لذلك فانه موقفه تجاه سد النهضة ووقوفه مع الجانب المصري في مطالبة اثيوبيا بضرورة التوقيع على اتفاق قانوني ملزم قد يكون دوافعه ما يلي:
- الصراع التاريخي الممتد بين السودان واثيوبيا.
- ادراك السودان ان بناء اثيوبيا لسد النهضة يمكنها من احداث طفرات تنموية كبيرة تعلي صوتها في القرن الافريقي على حساب دوره.
- تعزيز دور اثيوبيا في أزمة الحدود بين الدولتين وبما يمكن اثيوبيا في تحقيق انتصار في هذا الملف.
- عدم الرغبة في منح اثيوبيا الدعم الكامل الذي يمنحها حرية التحرك بالقرن الافريقي في اطار عملية التوازنات الاقليمية.
- رغبة السودان في عدم التفريط في كافة الملفات والتوقيع على شيكات على بياض مما يفقده هوامش الحركة في منطقة القرن الافريقي.
- ادراك السودان لاهمية الدور المصري التاريخي والاستراتيجي وضرورة حسم موقفه بمساندة مصر.
- الحذر المستقبلي من توسع اثيوبيا في بناء سدود اخرى قد تكون اكثر ضررا للسودان.
وختاما، فان العلاقات السودانية الاثيوبية لا تعد استثناء في منطقة القرن الافريقي والتي تعد المنطقة الأعلى هشاشة امنيا واقتصاديا في افريقيا بل وعلى المستوى الدولي. وهي علاقات تتميز بالتذبذب ولكن يغلب عليها التوتر اكثر مما يغلب عليها الاستقرار.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب