دراساتسياسية

أحمد شيخو يكتب.. العراق وسوريا بين الأمن القومي ومشاريع التمدد

تعتبر سوريا والعراق بلدين مهمين في المنظومة العربية، وهما من أهم ركائز الأمن القومي للشعوب والدول العربية وكذلك للشعوب غير العربية في الشرق الأوسط، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالموقع والموضع الجغرافي والاستراتيجي والتاريخي لهما وتجاورهما لدولتين إقليميتين كانتا سابقًا إمبراطوريتين وتحتلان عددًا كبيرًا من البلدان العربية.

منذ المعارك التاريخية كاليرموك والقادسية وحطين وما نتج عنها من تداعيات على الجزيرة العربية ومصر وشمال إفريقيا، أصبحت الحضارة والمدنية الإسلامية مظلة واسعة تجمع إلى حد كبير الشعوب المتواجدة، وكان للعراق والشام مكانة مركزية في هذا العالم الجديد، أو ما نسميه اليوم بالشرق الأوسط.

اقرأ أيضا: أحمد شيخو يكتب.. ربع قرن من المؤامرة الدولية والعزلة المطلقة بحق القائد أوجلان

ولكن مع الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية، ظهرت إرادة تحاول إضعاف مكانة الشام والعراق وجعلهما توابع لمراكز إقليمية جديدة، فكانت لحظة الضعف القائمة على تبعية الآخر.

أما الهيمنة الرأسمالية وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الرجل المريض العثماني وصعود البريطانيين والفرنسيين والروس، فتم تفتيت الشرق الأوسط وتقسيم التكامل الجغرافي الطبيعي إلى دويلات قوموية صغيرة لا حول ولا قوة لها سوى أن تقبل بالخضوع التام للهيمنة الغربية وتوابعها الإقليمية وتكون في حالة حرب ضد جيرانها وضد مجتمعاتها وتكويناتها الاجتماعية.

في العقد الأخير أو الأصح في السنوات العشرين الأخيرة، ومع الأحداث التي جرت في المنطقة والثورات الشعبية والتدخلات الإقليمية والخارجية فيها وكذلك مع ضعف بعض الدول المركزية كالعراق وسوريا، أصبحنا أمام واقع صعب وتغير كبير في المعادلات الإقليمية والتدخل المباشر في سوريا والعراق.

نستطيع القول إن حكومتي بغداد ودمشق ونتيجة عوامل عديدة، تخضعان الآن لكثير من الإملاءات الإيرانية، وهما غير قادرتين على اتخاذ أي قرار يتعارض مع الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة ويحجم من الدور الإيراني. وكما أن لتركيا أوراق ضغط امتلكتها في السنوات الأخيرة تجعلها مؤثرة في المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في الدولتين، ناهيك عن احتلال تركي مباشر لمناطق في شمالي العراق وشمالي سوريا وقواعد عسكرية كبيرة توضح الغاية الحقيقية رغم الادعاءات والكلام غير الصحيح، تحت حجة الأمن القومي التركي ومحاربة الإرهاب، ولكن الجميع يعلم علاقة الدولتين بالإرهاب ودعمهما للقاعدة وداعش والنصرة وفروعهم المختلفة وتشكيلاتهم لأذرع عسكرية وفصائل تابعة للدولتين في سوريا والعراق، كبعض الفصائل في الحشد الولائي وما يسمى الجيش الوطني السوري الإخواني الذي يضم في داخله عناصر من داعش والقاعدة والإخوان.

رغم كل الاتفاقات بين الدول العربية ومنظومة ومؤسسات الجامعة العربية مع كل من حكومة بغداد ودمشق، لتفعيل العلاقات الاقتصادية والسياسية، فالمردود والنتيجة ظلت محدودة ومتواضعة جدًّا، وهذا يرجع إلى الوجود والتأثير التركي والإيراني في الدولتين، فبعد تحكمهما في العاصمتين واحتلالهما بعض المناطق في الشمالين، أصبح هذا التدخل في سوريا والعراق يمنع تطوير العلاقات بين البلدان العربية وكل من سوريا والعراق كما يتمناه شعوب هذه الدول مع الدول العربية الأخرى. بل نستطيع القول إن تركيا وإيران باتتا تنظران للعراق وسوريا كولايات تركية وأوستانات فارسية، فقد وضعت تركيا واليًا على المناطق المحتلة في شمال سوريا إضافة إلى تبعية حزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل (هولير) للدولة التركية ووجود بيت البرزاني كوَالٍ تركي.

ولعل تغلل وتسلل ما يسمى الحرس الثوري الإيراني في مفاصل الحكومتين في بغداد ودمشق وضمن مؤسساتهما السيادية دلالة على حجم التدخل.

من الواجب علينا لفهم طبيعية التدخلات الإقليمية والخارجية في سوريا والعراق أن ندرك أن هذه التدخلات ليست بعيدة عن التوافق مع أمريكا وإسرائيل إلى حد كبير، فتركيا لا تتحرك إقليميًّا إلا بالتشاور والتوافق مع الناتو وتحت قيادة أمريكا وإسرائيل، كما أن التدخل الإيراني في العراق وسوريا ما كان سيحصل لولا الضوء الأخضر الأمريكي وعإإعطاء أمريكا العراق على طبق من الفضة والذهب لإيران وكذلك سوريا لأسباب عديدة، ربما في النهاية يكون الاتفاق الأمريكي الإيراني النووي هو خاتمة التوافقات الجزئية، رغم عدم إنكارنا وجود تناقضات وحروب هيمنة بينهم في المنطقة للنهب والسيطرة.

إن تعزيز وتمكن تركيا وإيران من العراق وسوريا ليسا إلا خطوة أولى في سياق مشاريع تمدد وتوسع إقليمي أكبر لهما في الخطوات التالية، من مبدأ أن تسيطر سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وأن تحارب أعداءك على أرضهم أو أرض الغير.

إن تحقيق الاستقرار والأمن وتحقيق أية تسوية في العراق وسوريا وبين تكويناتها السياسية والاجتماعية والقومية والدينية، لن يحصل بسهولة، بسبب التدخل الإقليمي الذي يرغب في استمرار الفوضى والتوتر لتعزيز أقدامه ومواقعه في جسد الدولة والشعب السوري والعراقي، وهذا لن يحصل بوجود إرادة وطنية ديمقراطية سورية وعراقية قوية، ولذلك يتم محاولات إضعاف كل المشاريع الوطنية الديمقراطية في سوريا والعراق ويتم تشويهها لدوام وجود الاحتلال التركي والتدخل الإيراني ونهبهما للثروات والجغرافية والإرادة الوطنية وتقسيم هذه الدول وتشكيل قبرصات جديدة في شمال سوريا وشمالي العراق أو إمارات إسلامية وأحزاب تابعة كما هي حال إدلب وعفرين ووجود حزب الله العراقي واللبناني.

نعتقد أن سوريا والعراق في أوضاع صعبة نتيجة التدخلات والاحتلالات الخارجية، إضافة إلى منظمات الفساد والسرقة والاستبداد والتبعية التي تتواجد في سدة الحكم في دمشق وبغداد، وليس أمام الشعبين السوري والعراقي وبمختلف مكوناته العربية والكردية وغيرهم إلا وحدة الصفوف وتكاتفهم وتعاونهم رغم خلافاتهم البينية، لأن وحدة وسيادة كل دولة وشعوبها باتت على المحك، أمام التيارات الإيرانية والتركية التي يتم بناؤها في المجتمع السوري والعراقي كأذرع خارجية بصيغة وصبغة وأشخاص سوريين وعراقيين باتوا يحملون الأجندات التركية والإيرانية أكثر من الوطنية والأجندات العراقية والسورية.

ولعل فهم المنظومة العربية ودولها لبنية المجتمع في سوريا والعراق والتكوينات القومية والدينية فيها بعيدًا عن الأيدولوجيات القالبية ومد خطوط التواصل في مختلف الاتجاهات داخل سوريا والعراق، إضافة لوجود دور عربي فاعل ومؤثر يأخذ تعددية المجتمع السوري والعراقي بعين الاعتبار وأهمية حل الأزمة السورية وطرد المحتلين ومساعدة الشعب السوري والعراقي لبناء ما تم تهديمه من المجتمعية العراقية والسورية وكذلك البنى التحتية جراء هذه المشاريع التوسعية، وتأمين وضمان حصة الدولتين من المياه من إيران وتركيا، يمكن أن يمنع تمدد هذه المشاريع ونجاحه على حساب الشعبين السوري والعراقي وإلى مختلف الدول العربية، وقد قيل سابقًا: إن الأمن القومي العربي يبدأ من جبال طوروس، وهذه حقيقة ما زالت قائمة، وهذه تستوجب جهودًا وتفاعلًا عربيًّا أكبر مع بلدين يشكلان درعًا للبلدان العربية الأخرى، ولكن مع استمرار الوضع الحالي وتوسع التدخلات نعتقد سيتحول إلى مناطق رخوة في جسد الدول العربية وشعوبها.نأنأ

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى