محمد الأمين أبوزيد يكتب.. ذكرى الثورة والاستقلال تطابق التواريخ وتقاطع النتائج فى أزمنة الحرب
تاتى الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة متعانقة مع ذكرى الإستقلال المجيد مؤكدة فشل السودانيين فى تحقيق مهام مابعد الاستقلال وعدم قدرتهم على تجسير اهداف الثورة والعبور الى بناء الدولة المدنية الحديثة.
ان الحرب المستعرة التى تجاوزت الستمائة يوم ولاحلول تلوح فى الافق مع تعقيدات شديدة الصعوبة حول الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية تضع السودان امام مصير مجهول ومستقبل مظلم يتهدد وجوده أرضا وشعباً.
تاثير الحرب على صيرورة الثورة
ان الحرب فى السودان قد اثرت بشكل كبير على الوضع العام فى البلاد وفى قلب ذلك مشروع الثورة والتغيير.النزاعات المسلحة غالباً ماتؤدى الى تراجع فى جهود الاصلاح والتغيير الاجتماعى والسياسى حيث تركز الموارد والجهود على الصراع بدلا من البناء والتنمية.
الثورة السودانية التى انطلقت فى عام 2018كانت تهدف الى تغييرات سياسية واجتماعية ،لكن النزاع الحالى قد يعيق هذه الجهود ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المنشود ،علاوة على ذلك فان الحرب يمكن ان تؤدى الى الفوضى وغياب الامن.
تستخدم الانظمة العسكرية عدة آليات للحد من الزخم الشعبى ابرزها:
1-الرقابة الاعلامية بفرض قيود على وسائل الإعلام والتغطية الإخبارية للحد من المعلومات التى تصل إلى الجمهور مما يقلل من الوعى العام والاحتجاجات.
2-الدعاية المضادة لتشويه صورة المعارضين او لتقديم صورة إيجابية عن حكومة الامر الواقع مما يؤثر على الرأى العام.
3-التحكم فى شبكات التواصل الاجتماعي بمراقبة او حظر الوصول الى منصات التواصل الاجتماعى للحد من التعبير عن الآراء المعارضة وتنظيم الاحتجاجات.
4-القمع الامنى والملاحقة وسن قوانين تحد من الحريات والتنقل وتقييد الحريات.
5-تقديم الحوافز للاعلاميين المؤيدين لخط الحرب واستدامتها.
6-استغلال الانقسامات الاجتماعية الاثنية والعرقية وتعميقها لتفكيك المعارضة وزيادة حدة الانقسام بين فئات المجتمع.
7-توظيف سياسات اقتصادية لخدمة اهداف الحرب واثرياء الحروب.
ثمة سؤال يثور هل تؤثر الحرب على مسار الثورات؟
التاريخ الانسانى يعزز هذه الفرضية فالثورة الفرنسية 1789-1799نشأت فى سياق ازمات اقتصادية و اجتماعية ولكن الحروب التى نشبت بعد الثورة ادت الى تغييرات كبيرة فى الديناميات السياسية والاجتماعية فى فرنسا واوربا.
الثورة الروسية 1917 تاثرت باندلاع الحرب العالمية الأولى مماادى الى تفاقم الاوضاع الاقتصادية والإجتماعية فى روسيا.وساهمت الحرب الأهلية الروسية 1917-1922فى تشكيل النظام السوفيتى الجديد.
وفى الصين تأثرت الثورة الصينية1949 بالصراعات المستمرة بمافى ذلك الحرب الأهلية بين الشيوعيين والقوميبن والتى كانت لها جزور فى الصراعات الناتجة عن الاحتلال اليابانى والحرب العالمية الثانية.
ثورة 1918فى المانيا كانت نتيجة لانهيار الامبراطورية الالمانية عقب الحرب العالمية الأولى التى اثرت على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد.
هذه الامثلة المشار اليها توضح كيف يمكن أن تؤثر الحروب على الثورات من خلال تغيير الاوضاع السياسية والإقتصادية والاجتماعية مما ينعكس فى اندلاع الثورات او يؤثر على نتائجها.
العلاقة بين النخب الثورية والعسكرية
تعتبر العلاقة بين النخب الثورية والعسكرية في الحالة السودانية علاقة معقدة ومتداخلة بتداخل السياقات السياسية والاجتماعية والتاريخية هنا نشير الى بعض المؤشرات التى تؤثر فى صيرورة العلاقة مدا وجزرا:
ـالتاريخ الطويل من الانقلابات العسكرية حيث شهد السودان عدة انقلابات عسكرية على مر العقود منذ فجر الاستقلال اختصمت أكثر من 55عاما من مسيرة التحول المدنى الديمقراطى،مارست فيها الانظمة العسكرية كل صنوف القهر والتسلط والاقصاء للقوى السياسية.هذا التارخ بالطبع له تاثيره على تفاعل النخب الثورية مع القوات المسلحة.
-النخب الثورية فى السودان تتكون من مجموعة متنوعة من الفئات بمافى ذلك الاحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والمجموعات الشبابية وجماعات الضغط،هذه النخب تسعى إلى تحقيق تغيير جذرى فى النظام السياسى والاقتصادى وغالبا ماتتبنى مطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا يجعلها فى تصادم مع النخب العسكرية الحاكمة.
-لعبت القوات المسلحة دوراً مركزياً فى السياسة السودانية خصماً على مهنيتها واحترافيتها ودورها الدستورى بالتحالف مع حركات سياسية،وتتدخل فى العديد من الاحيان لحماية النظام القائم او لتغيير الانظمة الديمقراطية.
فى بعض الأحيان تتعاون النخب الثورية مع عناصر من الجيش لتحقيق اهدافهم السياسية وفى اوقات اخرى يسود الصراع بينهما.
بعد الاطاحة بنظام البشير فى ابريل 2019شهد السودان فترة انتقالية معقدة حيث سعت النخب الثورية لتشكيل حكومة مدنية بالشراكة مع العسكر تفادياً للصراع ولكن ظلت هناك توترات مستمرة بين النخب العسكرية والمدنية جراء عدم ايمان النخب العسكرية بالتغيير وانحناءها له مجبرة،وفوق ذلك ارتباطها بالنظام القديم من ناحية الامتيازات الممنوحة لقيادتها.
-تستغل النخب العسكرية الانقسامات بين اطراف القوى الثورية حول مختلف قضايا التغيير وتجير التناقضات لصالح مشروعها السلطوى وهو ماوسم الواقع السياسى أثناء الفترة الانتقالية وقاد الى الانقلاب والحرب.
-النخب العسكرية بتطلعها للسلطة والحكم ظلت تضع المتاريس امام القوى المدنيةبالتحالف الخفى مع أعداء الثورة وبالمناورات والتكتيكات.
فى المجمل العلاقة بين النخب الثورية والعسكرية فى السودان تعكس صراعا مستمراً بين الرغبة في التغيير والواقع العسكرى المعقد لاسيما في ظل تسييس وادلجة المؤسسة العسكرية من قبل نظام الانقاذ مما خلق بيئة سياسية غير مستقرة وملغومة بالتحديات.
وحدة قوى الثورة لماذا؟
فى ظل استمرار الحرب تبقى خيارات القوى الثورية السودانية محدودة ولكنها ليست معدومة ،محدودة فى ان الحرب تحجم دور القوى السياسية والمدنية والديمقراطية وتحرمها من ادوات الصراع السياسى السلمى وبالتالى ممارسة الضغط على طرفيها.
من جانب آخر يجب ان تلعب القوى الثورية السودانية دورها المطلوب في التوعية بمخاطر الحرب على بنية المجتمع وأهمية الحفاظ على المكتسبات الثورية وإدامة جذوة الثورة والتغيير التى تتناقض جذريا مع فكرة الحرب والتدمير.وعلى المستوى الانسانى وحماية المدنيين يجب ان تلعب القوى الثورية دورا فى توصيل المساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين وانفاذ المبادرات الفاعلة في المجتمع.
فى ظل الانقسام الكبير الذي تشهده الساحة السياسية السودانية والاستقطاب الحاد قبل الحرب وبعدها ،تبقى وحدة القوى الثورية ضرورة لاغنى عنها لاسيما من مدخل وقف الحرب واستئناف المسار الديمقراطى واستعادة الثورة وعزل القوى العسكرية عن ممارسة السياسة واى دور يتعلق بمهمات ادارة الدولة.
ان وحدة القوى الثورية لمواجهة تحديات الحرب يتطلب استراتيجيات فعالة وتنسيقا بين مختلف القوى الفاعلة ويتمثل ذلك فى:
-تحديد اهداف مشتركة وواضحة تتجاوز الاختلافات السياسية والايدلوجية تشمل وقف الحرب وبناء نظام ديمقراطى ،وتحقيق العدالة الإجتماعية وتحسين الظروف الاقتصادية.
-انشاء منصات للحوار وورش عمل واعلان سياسى تساعد على تبادل الافكار وبناء الثقة.
-تفعيل العمل الجماعى والتعاون بين الفصائل الثورية مع التركيز على مواجهة التحديات المشتركة.
-التواصل الفعال مع المجتمع المدني والجماهير بالحملات التوعوية فى تعزيز الدعم الشعبى للقوى الثورية وتوحيد الصفوف وبناء الثقة.
-التعاون مع المجتمع الدولى والمنظمات غير الحكومية فيما يعزز الضغط الدولى على النظام السلطوى.
-تطوير استراتيجيات مقاومة فعالة تعزز دور القوى الثورية على مواجهة التحديات .
-تجنب الانقسامات الداخلية من خلال بناء توافقات وتحقيق تسويات عند الضرورة.
-تقييم الوضع السياسى والعسكرى بانتظام وتكييف استراتيجياتها وفقا لذلك والمرونة الثورية فى التعايش مع الظروف المتغيرة.
ان وحدة القوى الثورية يتطلب مجهودات مستمرة وارادة قوية من خلال التعاون والتنسيق الفعال لمواجهة التحديات.
الحرب مثلما احدثت انقسام كامل فى المجتمع السودانى بمختلف اقسامه بناءا على الموقف من أطرافها وتحالفاتها مع وضد،والخضوع لجدلية وضع الحرب فى سياق صراع بين فريقين متنافسين،بالاضافة الى التضليل الاعلامى الكثيف الذى غبش الرؤية ترويجا لخطاب الحرب ،بالاضافة الى ضعف المناعة الثورية لقطاعات الشباب الذى يحركه الحماس الثورى فى ظل نظام سلطوى يحاصر المعرفة والوعى كل هذه الاسباب ادت الى حالة من الانقسام وسط الشباب فى ابسط المسلمات وهى رفض الحرب تناغما مع الوجدان السليم وهذا مالم يحدث.
ان وحدة قوى الثورةالحية مستقبلا وعلى رؤية وطنية مشتركة تتوحد فيها الارادة الوطنية فى التمسك باهداف الثورة ووقف الحرب ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية والقتل والتدمير كمدخل لاستعادة الثورة واستعادة صيرورتها والتوحد حول مطالبها وشعاراتها.
ان التلازم بين ذكرى ثورة ديسمبر وذكرى الاستقلال يتوجب على القوى السياسية والمدنية والديمقراطية التوحد حول بناء جبهة شعبية عريضة لوقف الحرب واستعادة الثورة وعزل دعاة الحرب وحلفائهم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب