رامي زهدي يكتب.. «البحث عن الذات الأمريكية في القارة الإفريقية»
«زيارة الرئيس الأمريكي "بايدن" المتوقعة لإفريقيا الشهر المقبل (أكتوبر).. بداية أم نهاية؟»
لو انك في اصغر قرية في مدينة صغيرة في دولة افريقية صغيرة، ثم سألت فلاح بسيط او عامل في احد المناجم او حتي طالب مدرسي عن الولايات المتحدة الأمريكية وعن علاقتها بدولته أيا ماكانت هذه الدولة… سوف تجد علي الأغلب ردا علي سؤالك يحمل اتهامات عديدة من الشعوب الإفريقية للولايات المتحدة الامريكية بأنها تتدخل في سياسة دولهم، ولاتدعم التنمية الحقيقية، وتصادق الأنظمة الحاكمة علي حساب مصلحة الشعوب وربما ضد ارادتهم او بتوجيه ارادة الشعوب والسيطرة علي قرارات هذه الدولة…. كلها اتهامات لسن بصدد التعامل معها بأكثر من كونها صوت الشعوب وتعبيرا عما يعتقدون او يجول في صدروهم، وبالتاكيد ليست الامور بهذا الشكل وليست هكذا تدار الملفات والعلاقات الخارجية، ولو ان الولايات المتحدة الامريكية بهذه القوة لكانت سيطرت اكثر واكثر وتحكمت بالعالم كله ولم تجد مقاومة او مشاركة من قوي دولية اخري، الامر في الحقيقة ان شعوبا صغيرة جدا سياسيا او اقتصاديا او جغرافيا انتصرت علي الولايات المتحدة الأمريكية في ساحات حرب او في سجال سياسي او اقتصادي او دبلوماسي، لكن الأشارة هنا ان الشعوب الأفريقية علي الأغلب لاتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية “صديقاََ موثوقاََ به علي الإطلاق” حتي وان كان للأنظمة والحكومات أراء وتصورات أخري عكس ذلك.
“بايدن في افريقيا… لاول مرة… متأخراََ ولكن لم يمضي الوقت بعد”
انباء عن زيارة رئاسية للرئيس الأمريكي “بايدن” للقارة الإفريقية خلال شهر اكتوبر 2024… متأخراََ جدا، لكن مازالت الفرص قائمة، لكن الشعوب الإفريقية تتسأل.. “أين كنت سيدي الرئيس… بما كنت مشغولاََ؟ وهل حقا ترانا في جنوب العالم؟… والي اي مدي تحمل لنا نيات صادقة..؟!!”
سوف يظل المنطق العام في العلاقات الدولية، والأكثر خصوصية المعني بقراءة وتحليل واقع ومستقبل علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالقارة الإفريقية سواء بشكل عام او علي المستوي الثنائي لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بعدة دول افريقية بشكل علاقات اقوي واكثر تستواتيچية دون غيرها، يشير دائما هذا المنطق انه لايمكن للولايات المتحدة الأمريكية طواعيا ولا قسريا تحت اي ظروف ان تتخلي عن تواجدها الإستراتيچي بالقارة وكذلك لايمكن لعدد كبير من دول القارة ان تتخلي عن الحليف السياسي والاقتصادي والعسكري الاهم في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية وان كان أمكن لعدد من الدول اشراك حلفاء جدد الي جوار الولايات المتحدة الأمريكية،
لذلك نري ان تغييرا معلنا لأستراتيچية امريكية لإدارة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالقارة بدأ مع نهاية العام 2022، ومع الإشارة الي ان التغيير كان مستهدفاََ ان يكون شاملا وجذريا الا ان ذلك لم يحدث بشكل مطلق وتحقق منه بعض الأجزاء فقط، لذلك لم تنال الولايات المتحدة الأمريكية ثمارا ناضجة حتي الأن لهذه المحاولات لكنها مستمرة في الطريق، بمحاولة لتخطي ثغرات الماضي وتلافي اخطاء عديدة اثرت في قوة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالقارة الإفريقية،
في الإطار ذاته الأن، أنباء متدوالة أن الرئيس الأميركي جو بايدن يخطط لزيارة أنجولا ودول افريقية اخري في الأسابيع المقبلة (شهر اكتوبر) تنفيذا لتعهد سابق بأن يكون أول رئيس أميركي يزور منطقة أفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة باراك أوباما في 2015.، بالتوازي مع مشروع تنموي كبير تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهو (محور لوبيتو) الواصل مابين انجولا وصولا لزامبيا ومارا بالكنغو الديمقراطية ليفتح الباب امام هذه الدول إضافة الي الولايات المتحدة الأمريكية لتنمية وتعظيم اكتشاف واستخدام والإستفادة من ثروات هذه الدول بما يحقق المصالح المشتركة للجميع، عبر خط تجاري لوﺟيستي قوي يربط جنوب القارة بوسطها، لتحسين عملية تبادل المواد الخام، خاصة النحاس، الكوبلت، عبر خطوط سكك حديدة متطورة ومراكز تنموية وحاضرية ولوچيستية علي طول الطريق الواصل بين “لواندا” في انجولا وحتي “ندولا” في زامبيا.
وكون ان الزيارة متوقع لها بعد انتهاء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة و قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر القادم، فإن هذا يشير اولا الي حرص الرئيس بايدن علي وضع افريقيا بشكل واضح كجزء من سياسات حزبه ومكون رئيسي من عقيدة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، ثانيا الزيارة تشير الي رمزية ووضوح الإصرار الأمريكي علي التواجد المؤثر في القارة، وان مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية لايمكن ابدا فصله او توقع فصله عن مستقبل القارة الإفريقية وتطورات الأمور والأحداث بها.
وكذلك لا يمكن اغفال مواجهة الرئيس الأميركي، الذي تولى منصبه العام 2021، بعض الانتقادات لعدم زيارته للقارة الأفريقية في وقت سابق من ولايته بعد استضافة قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا بواشنطن في ديسمبر 2022، بل ان الرئيس بايدن ووصف في بعض دوائر الرأي الإفريقية بأنه الأقل اهتماما بالقارة الإفريقية منذ عقود طويلة، حتي في مناظرته امام المرشح الرئاسي ترامب قبل ان يعلن بايدن تخليه عن الترشح، لم يذكر افريقيا علي الاطلاق في رسالة سلبية علي انه اذا جاء بادين مرة اخري فإن افريقيا سوف تبتعد اكثر عن الولايات المتحدة الأمريكية، لكن في النهاية انسحب بايدن في يوليو الماضي من السباق الرئاسي، لكن مازال امامه فرصة بهذه الزيارة لتعديل او الإشارة لتعديل بعض الأمور السلبية تجاه القارة الإفريقية.
ورغم تأجيل هذه الزيارة لمدة عام تقريبا، ولأسباب بدت منطقية خاصة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر، إلا ان الأدارة الأمريكية اعلنت في اكثر من مناسبة عن تعهدها بإقامة شراكة أوثق بين الولايات المتحدة والديمقراطيات في القارة الأفريقية، في ظل الاستثمارات الضخمة التي تضخها الصين في المنطقة والتواجد الروسي المؤثر خاصة عسكريا، لكن لا يمكن اغفال ان احد اسباب التراجع النسبي للولايات المتحدة الامريكية في القارة الإفريقية هو عدم إيفاء الولايات المتحدة الأمريكية بكثيرا من التعهدات الايجابية لصالح القارة، في مرات عديدة اعلن عن مساعدات امريكية، ودعم مالي، وأليات تمويل عادلة، ومساهمة في دعم مواجهة دول القارة للإثار السلبية للتغيرات المناخية، واستثمارات امريكية كبيرة، وتوطين للتكنولوجيات والصناعات المتطورة، ودعم في مجال الطاقة التقليدية وكذلك الجديدة والنظيفة والبديلة، والمساهمة في تطوير البنية التحتية في القارة الإفريقية، الا ان ماتحقق فعليا اقل كثير مما تم التعهد به وهو مايخلق دائما حالة من الشك الإفريقي وعدم اليقين في صدق النوايا الأمريكية الايجابية تجاه القارة، في وقت تنتهج الصين وروسيا سياسات اكثر حسماََ وفاعلية علي الأرض، بينما تتراج قوي الاستعمار الأوروبية التقليدية القديمة مثل فرنسا، بريطانيا، المانيا، ايطاليا، بليچيكا والبرتغال عن مواقعها ومكانتها السابقة لدي دول القارة خاصة مستعمراتها القديمة.
بايدن بهذه اازيارة سيكون أول رئيس أميركي يزور الدولة الأفريقية الغنية بالنفط والموارد، بعد أول زيارة على الإطلاق لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في سبتمبر/أيلول 2023،وكانت نائبة الرئيس كامالا هاريس وزيرة الخزانة جانيت يلين زارتا أفريقيا العام 2023، كما زارها وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال العام الجاري.
الزيارة الرئاسية الأمريكية تأتي بالتزامن مع اعلان الجيش الأميركي، أنه يعتزم العودة إلى تشاد خلال شهر، لإجراء محادثات بشأن مراجعة اتفاق يسمح له بالإبقاء على قواته متمركزة هناك، بعد انسحابها في وقت سابق من هذا الشهر.
ولاسيما، ان قادة المنطقة جنوب الصحراء الافريقية والساحل الافريقي يدركون اهمية العلاقات القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية كما تدركها الإدارة الأمريكية، لكن شكل التواجد واحترام الدول المستضيفة وصاحبة الأرض وتوفير الغطاء السياسي القوي لهذا التواجد ومراعاة الإرادة الشعبية لشعوب هذه الدول هي كلها عوامل تؤثر في شكل ومضمون هذا التواجد، وهو مايتفق مع تصريح سابق لقائد القيادة الأميركية في أفريقيا “إن انسحاب القوات الأميركية كان خطوة مؤقتة “في إطار المراجعة المستمرة لتعاوننا الأمني الذي سيستأنف بعد الانتخابات الرئاسية في تشاد في السادس من مايو”.، وبالتالي اصبح من المؤكد أن الجنود الأمريكيون سيعودون إلى تشاد، وهذا، بناء على طلب نجامينا خلال الشهور القادمة، لذلك زيارة الرئيس الأمريكي بشكل عام للقارة الإفريقية تضيف توثقيا قويا سياسيا لتواجد او عودة تواجد القوات الأمريكية والتعاون العسكري مع اي من دول القارة الإفريقية.
أخيرا، العالم يفتقد للعدالة الدولية والأنصاف، وتتحمل الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة الأكبر في العالم جزء كبير من هذا الإثم البالغ، وهكذا تري شعوب افريقيا عديدة، ومازالت الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة علي بناء جسور ثقة واطمئنان اكبر، لكنها تمتلك فرص متجددة لذلك لاينبغي لها ان تضيع من يديها لأن العالم يعيد تشكيل نفسه ويمضي الي حيث “لا عودة”، والقارة الإفريقية في شكل “كتلة افريقية” سياسية واقتصادية، تكبر وتنمو وتزداد تاثيرا يوما بعد يوما، وتمتلك افريقيا بدائل عديدة عن كل شئ، وتستطيع بناء تحلفات اكثر عدالة واحتراما وندية، اذالم تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تعديل مسارها في القارة واستعادة طريقها المفقود.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب