الحلقة 25 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الحلقة الخامسة والعشرين من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يتحدث المؤلف في الجزء الأول من الحلقةعن القرآن الكريمِ ، ويتساءل الكاتب هل من الصدفة أن يتولى جمع الروايات، على لسان الصحابة وغيرهم منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام، الخمسة الكبار في أواسط القرن الثالث بعد وفاة الرسول وهم البخاري وأبو داوود والترمذي وابن ماجه ومسلم في نفس التوقيت وأن تكون ولادتهم جميعا في الدولة الفارسية أثناء حكم بلادهم، التي اتخذت المجوسية ديانة لها، ولماذا يتم الاعتماد الكلي للفقه الديني على مرجعية الروايات الوحيدة وهل المقصود به تحييد القرآن لتتحقق مقاصد ناقلي الروايات بعزل القرآن عن الفقه الإسلامي، وبالتالي تتوارى القيم الربانية التي تأمر بالرحمة والعدل والتعاون والسلام بين الناس جميعًا؟! مطالبا بالرجوع إلي كلام الله القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وترك ما سواه من روايات تشوه هذا الدين وتخلق بينهم الصراعات والفتن وما ينتج عنها من طوائف متعددة تتقاتل فيما بينها.
اقرأ أيضا: الحلقة 24 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع
القُرآنُ
قال الله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا القرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت 26)
1- اختار الله محمدًا عليه الصلاة والسلام رسولاً للناس
2- كلف الله رسوله بأن يحمل كتابًا لا ريبَ فيه هدى للمتقين، وهو القرآن الكريم، تضمنت آياته أنوارًا إلهية تضيء للإنسان طريق الحق والخير والصلاح.
3- قال سبحانه لرسوله أثناء التكليف (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة: 67)
4- تلك الآية تحدد بوضوح لا يقبل الشك أنَّ الله سبحانه لم يكلف رسوله بمهمة أخرى غير إبلاغ الناس جميعًا آيات الله التي تضمنها القرآن الكريم، بقوله سبحانه (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) (الشعراء: 192-194)
5- أمر الله رسوله بأن يدعو الناس بالموعظة الحسنة بقوله سبحانه (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125) ولا تكره الناس على اتباع رسالة الإسلام بقوله (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99) ذلك بأن الله سبحانه يوضِّح لرسوله عليه الصلاة والسلام أسلوب الدعوة وحرية الاعتقاد للناس دون إكراه، كما أكد سبحانه أنه لا وصاية على الدين والدعوة إليه، بقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام: 107)
6- هل ممكن أن يخالف الرسول أوامر الله بالتقيد في إبلاغ الناس ما جاء في القرآن من آيات كريمة تستهدف هدي الناس لطريق الخير ولما يحقق لهم الأمن والسعادة والرحمة والعدل في الحياة الدنيا، والأمان يوم القيامة عندما يقدِّم كل إنسان كتابه، حيث يقول سبحانه (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) (الحاقة: 19)
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) (الحاقة: 25) هل يقبل العقل والمنطق أنَّ رسول الله سيأتي بأقوال من عنده أو تشريعات غير ما أمره الله بها أن يبلغها للناس، كيف يستقيم المنطق بين المهمة الرئيسية الموكلة إليه من رب العباد لعباده وعشرات الآلاف من الروايات التي تمكَّنت أن تطغى على آيات القرآن الذي أنزله الله على رسوله بواسطة الروح الأمين نسبت إليه ظلمًا وعدوانا وافتراءً، فهل نزل ملكٌ آخر يبلِّغ رسول الله بأنَّ يبلغ الناس أقوالاً وأحاديث غير التي يتضمنها القرآن الكريم؟!! والله سبحانه يقول (تِلْكَ آيات اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6)
تؤكد لنا هذه الآية أنَّ لا حديث غير آيات الله ولا تشريع إلا من عند الله ولا طاعة إلا لله ولما ينقله الرسول عن ربه من حكمة وموعظة وعبادات وقيم من الأخلاق والفضيلة حينما يقول الله سبحانه في كتابه الكريم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21)
فالله يأمر المسلمين بأن يقتدوا بالرسول في كل أمر يتعلق بشرح مراد الله من آياته يعلمهم الحكمة ويعلمهم العبادات، ممارسة فعلية من صلوات كانت أم صيام أو حج البيت، حتى التعامل بين الناس يتعلم منه المسلمون أسلوب التعامل والعلاقات الإنسانية ويتعلمون منه القيم النبيلة من رحمة وعدل وإحسان وتعاون.
7- كان عليه الصلاة والسلام قرآنًا يمشي والقدوة هي الممارسة، والسُّـنَّـة هي القدوة في تفعيل التوجيهات الإلهية مع الناس
نستنتج ممـا سبق أن
(أ) إلهنا واحد سبحانه جل وعلا هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
ب- نؤمن بما جاء في كتابه المبين من تشريع وقيم وعدل ورحمة وتعامل بين الناس بالعدل والإحسان
ج- نؤمن بأنَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام إمامٌ ورسولٌ من الله للناس جميعًا، جاء يحمل لهم خطابًا إلهيًّا احتوى كلمات الله ليهدي الناس إلى ما يصلحهم، فلا إمامَ غيره ولا قولَ جاء به غير ما كلفه الله بإبلاغه للناس وهو القرآن الكريم وما عداه يتفق مع قوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) (النساء: 60-61)
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) (محمد: 79)
هل من الصدفة أن يتولى جمع الروايات، على لسان الصحابة وغيرهم منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام، الخمسة الكبار في أواسط القرن الثالث بعد وفاة الرسول وهم البخاري وأبو داوود والترمذي وابن ماجه ومسلم في نفس التوقيت وأن تكون ولادتهم جميعا في الدولة الفارسية أثناء حكم بلادهم، التي اتخذت المجوسية ديانة لها وكلهم أعاجم.
كيف يمكن التأكد من مصداقية الروايات بعد مضي أكثر من قرنين من الزمان على وفاة الرسول، وما الهدف من حشد عشرات الآلاف من الروايات التي ليس لها أساس مؤكد، ولا ضرورة لتلك الروايات بوجود القرآن الكريم الذي استكمل آياته في حجة الوداع، حين أبلغهم الرسول بقوله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا). (المائدة 3).
هل منح الله حقا لرسوله بإضافة أقوال على آيات القرآن الكريم أو بحذف آيات منه، بماذا كلّف الله سبحانه رسوله في نقل الرسالة وفي ذلك يقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة 67). وما الذى أنزله على رسوله كتابًا كريمًا ليبلغه للناس كافة ويتخذوه خارطة الطريق تعينهم في مواجهة أعباء الحياة وتضبط إيقاع حركة المجتمعات الإنسانية وتمنع طغيان قوم على قوم، وتنشر السلام بين الناس ليعيشوا في وئام وتعاون ومحبة، ينتشر الأمن بينهم ويتحقق لهم الاستقرار الذي يلهم الناس في تحسين أحوالهم المعيشية وتطوير علاقاتهم الاجتماعية، وقوله تعالى في سورة النجم (وماينطق عن الهوى) إنما يعني أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عندما يتلو عليهم القرآن فهو لا ينطق عن الهوى بل هو وحي أنزله الله عليه في قرآن مجيد، وقوله تعالى في نفس السورة (إن هو إلا وحي يوحى)، يعني إنما ينطقه الرسول قرآن كريم أوحى الله به إليه ليتلوه على الناس ويشرح لهم مافيه من حكمة، ويوضح لهم مراد الله من آياته، ونستنتج من الآيات السابقة تكليف الله لرسوله بتبليغ رسالته للناس فقط بتلاوته للقرآن وتعليمهم الحكمة، وقد حسم المولى عز وجل مسؤولية الرسول عليه الصلاة والسلام مهمة محددة لا زيادة فيها ولا نقصان وعلى ما يبدو أنَّ المتلقين للآيات الكريمة لم يستطيعوا مغالبة النفس البشرية بأهوائها وأطماعها في الصمود أمام مغريات الحياة وأن يتمكنوا من كبح جماحها، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام ارتقى بسلوكه وصقل الله أخلاقه وارتفع به إلى مصاف الملائكة الذين تجرَّدوا من الأهواء البشرية وتطهرت قلوبهم النقية.
لقد جاء عليه الصلاة والسلام بالنور الإلهي ليخرج البشرية من الظلمات إلى النور، ظلمات القهر والظلم والإجرام بكل اأشكاله إلى نور الحرية والمحبة والأخوة والتعاون والسلام والعدل.
إن المسلمين يستمدون تطبيقاتهم الدينية من فقه وتشريع من مصدرين اثنين، أولهما: قول مباشر ينقله الرسول عن الوحى من الله، محفوظ في كتاب كريم إلى قيام الساعة.
وثانيهما أقوال قيلت عن الرسول منسوبة إلى الصحابة، تم نقلها من قبل كبار ناقلي الروايات بعد وفاة الرسول بأكثر من مائتي سنة، هل يستويان؟!
هل الاعتماد الكلي للفقه الديني على مرجعية الروايات الوحيدة مقصود به تحييد القرآن لتتحقق مقاصد ناقلي الروايات بعزل القرآن عن الفقه الإسلامي، وتتحقق صياغة الشخصية الإسلامية التي تحقق التفرقة بين المسلمين وتثير الضغائن والفتن وما ينتج عنها من طوائف متعددة تتقاتل فيما بينها وبالتالي تتوارى القيم الربانية التي تأمر بالرحمة والعدل والتعاون والسلام بين الناس جميعًا؟!
ونظرة لتاريخ المسلمين تؤكد لنا ما حدث من حروب دامية بين المسلمين والفرق الإسلامية المتناحرة وكل منها يدعيأه هو الوصي على الإسلام والدعوة إليه وغيره كافر لأنه لايتفق معه في مرجعيته، وتتسارع وتيرة الصراع بين مختلف الفرق الإسلامية ويتحقق لأعداء الرسالة الإسلامية ما يخططون له باستمرار القتال بين العرب المسلمين، وينشغلون في أنفسهم عن عدوهم ويتحينبنو إسرائيل الفرص الضائعة من العرب ويستمرون في التوسع في المستوطنات على حساب الشعب الفلسطيني حتى لا يبقى لهم مترٌ من الأرض يتفاوضون عليه في المستقبل ليتحقق حلم إسرائيل باحتلال كامل الأراضي الفلسطينية، وليس أدل على تلك النتائج الكارثية مما حدث في العراق وفي سوريا واليمن وليبيا عندما استطاعوا مع حلفائهم تفجير الوطن العربي ليسهل لهم تحقيق أهدافهم حماية للأمن الدائم لدولة إسرائيل لتصل حدودها من النيل إلى الفرات. ولو نجحت خططهم سنة2011 في جمهورية مصر العربية لتمكنوا من تحقيق حلمهم، ولكن الله خذلهم.
لقد وصف الله سبحانه القرآن بأنه أحسن الحديث بقوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)، وجاء في آية أخرى (تِلْكَ آيات اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: ٦).
وقال تعالى (فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُۥ يُؤْمِنُونَ).
أي أن إطلاق مسمى حديث محصورٌ فقط على آيات القرآن الكريم، لو لم يأتِ الوحي لمحمد بن عبد الله ونزل عليه القرآن كتاب الله للناس كافة فلن يكون رسولاً أو نبيًّا وسيكون مثل أحاد الناس في قومه، ولكن الله سبحانه يعلم حيث يجعل رسالته لعباده فكلف محمدًا الإنسان ليكون رسولًا للناس كافة يهديهم طريق الخير والرشاد، وأمره بتكليف محدد بقوله تعالى (يأيها الرسول بلغ ما انزل إليك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (المائدة 67).
ماذا أنزل على الرسول وما الرسالة التي يريد الله أن يبلغها للناس.. أليس غير القرآن خطابًا من الله لعباده؟ وهل يملك محمد عليه الصلاة والسلام مخالفة أمر الله ويبلغ الناس قولا ًآخر غير ما يكلفه الله به وهو القرآن؟! حيث يقول سبحانه (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ(3) (محمد).
تعني هذه الآية أن الناس انقسموا إلى فريقين منهم مَن اتبع الحق الذي أُنزل على الرسول وهو القرآن الكريم، ومنهم مَن اتبعوا الباطل والذين كفروا بالقرآن واتبعوا الروايات التي أصبحت بديلاً عن القرآن وخلقت دينًا جديدًا لا صلة له برسالة الإسلام التي يأمرنا الله باتباعها في كتابه المبين، وأصبح لزامًا على كل إنسان أن يحدد موقفه إن كان من أهل القرآن فالله سيكفر عنهم سيئاتهم ويصلح بالهم، وأما مَن اتبع ما تتلو الشياطين من أساطير وروايات سيضل الله أعمالهم، ألم يشتكِى رسول الله لربه، حيث يقول سبحانه (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30) ألم يقل سبحانه (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (الجاثية: 6) كيف تجرأ الجهلة الذين في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضًا ولهم عذاب عظيم بما كانوا يكذبون (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة 10) أن يجعلوا مَن اتخذ القرآن مرجعه، ويجعله يعلو فوق ماعداه فكلام الله فوق كلام الملائكة والأنبياء متهمًا بأنه قرآنيٌّ.
إنَّ تلك التهمة هي والله أعظم تقدير لكل مسلم اتخذ القرآن وحده مرجعيته واستغنى بآيات الله عن الروايات والإسرائيليات وجعل كلمة الله هي العليا، ما الذي حدث لعقول العرب المسلمين؟! كيف ضاقت عليهم نفوسهم وعقولهم بأن يصلوا إلى هذا المنحدر ويتطاولوا على رسول الله وما أنزل الله عليه من قرآن مبين للتذكير لتستيقظ العقول وأنَّ بني إسرائيل حاولوا بشتى الوسائل القضاء على رسالة الإسلام منذ بداية بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى إنَّهم حرَّضوا كفارَ قريش على اغتياله ولما فشلوا شنت عليه قبائل اليهود، بنو فريضة وبنو النظير وبنو قينقاع، حروبًا عدة لإعاقة تبليغ رسالة الإسلام للناس، وبفضل الله نصر رسوله وهُزِموا شرَّ هزيمةٍ في كل معاركهم ولذا اتجهوا للإشاعات وافتراء الأكاذيب على رسول الله وخلقوا آلاف الروايات نسبوها للصحابة منسوبة للرسول، واستطاعوا أن يقنعوا بها عددًا كبيرًا من دعاة المسلمين، وبالغوا في تضخيم مكانتهم في العالمين العربى والإسلامي بكافة وسائل الدعاية من طباعة عشرات الآلاف من الكتب والمجلدات لإعطاء مصداقية وتقديسًا لتلك الروايات، فاندفع المسلمون من كل مكان يمجِّدونهم ويقدسون آراءهم حتى أصبح أؤلئك العلماء مراجع دينية غير قابلة للنقد أو لتصحيح بعض المفاهيم التي تنال من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن القرآن الكريم،واعتبروها غير قابلة للمناقشة أو المراجعة.
هكذا استطاع الإسرائيليون أن يؤسسوا على الروايات دينًا جديدًا، يدعمهم ويساندهم مجموعةُ علماء المذاهب المختلفة والأسانيد المنسوبة لأصحاب رسول الله ليتحقق للروايات القدسيةُ والمصداقيةُ، وبذلك استطاعوا أن يضربوا طوقًا على العقول بمنعها من التدبر والتفكر كما أمر الله سبحانه، مستهدفين صرف الناس عن القرآن وتعطيل فرائضه لتستمرَّ المؤامرة في وأد العقل العربي ليظل مرتهنًا بأقوال السابقين وتبقى العقول مقيَّدة بتلك الأغلال التي ابتدعوها.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب