رأي

رامي زهدي يكتب.. «التحالفات العسكرية الإقليمية في عالم مشتعل: إفريقيا في مرمى النيران الجيوسياسية»

 خبير الشؤون الإفريقية, نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات الإستراتيچية ورئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز، مساعد رئيس حزب الوعي للشؤون الإفريقية

في عالم جديد يُعاد تشكيله بالقوة، وفي عالمٍ تتغير فيه خرائط النفوذ وتتبدل فيه موازين القوى بأسرع مما يمكن أن يُرصد، أصبحت التحالفات العسكرية الإقليمية أكثر من مجرد ترتيبات أمنية عابرة؛ بل باتت أداة جوهرية لإعادة تشكيل النظام العالمي، وتحديد مصير الدول، حتى تلك التي لا تقف في قلب المعارك.

إفريقيا، القارة التي لا تخلو من الصراعات ولا من الطموحات، تجد نفسها مجددًا أمام امتحان صعب: كيف توازن بين مصالحها الذاتية وارتدادات المواجهات الإقليمية والدولية التي تتجاوز جغرافيتها؟ وما هو أثر التحالفات العسكرية العالمية المتشكلة الآن، في ظل صراع الشرق الأوسط الأخير بين إيران وإسرائيل، على الأمن والاستقرار والتنمية في القارة؟

وفق تحالفات تتشكّل في زمن اللهيب، شهدت الأيام الماضية تصعيدًا خطيرًا في المواجهة بين إيران وإسرائيل، حيث تبادل الطرفان الضربات الجوية، وشنت إسرائيل عمليات اغتيال واستهدافات لمراكز أبحاث ومنشآت عسكرية في العمق الإيراني، بينما ردّت طهران بهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية.

إلا أن الأخطر من التبادل العسكري المباشر هو ما تلا ذلك من تبلور تحالفات عسكرية وسياسية جديدة،فالولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية: أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل، بل وتم تفعيل منظومات دفاعية مشتركة على مستوى الشرق الأوسط.
بينما، الصين وروسيا وباكستان واليمن وكوريا الشمالية: أبدت دعمًا متفاوتًا لإيران، بين التصريحات السياسية والتحركات العسكرية غير المباشرة.

في وقت كان موقف مصر قوي سياسياََ، حيث عبّرت القاهرة عن موقف مبدئي برفض أي عدوان خارجي على دول المنطقة، في إشارة مباشرة لرفض الضربة الإسرائيلية لإيران، مع التمسك بعدم الانخراط في محاور صدامية.

قد يظن البعض أن القارة الإفريقية، البعيدة جغرافيًا عن قلب المواجهة، ليست طرفًا في هذا التصعيد. لكن الواقع أن إفريقيا باتت أكثر من مجرد متفرج. الأسباب تتعدد،فالقواعد العسكرية الأجنبية في إفريقيا وحدها تمثل سبب رئيس، حيث توجد نحو 47 قاعدة عسكرية أجنبية على أراضي 21 دولة إفريقية، أبرزها قواعد أمريكية وفرنسية وصينية وروسية، فضلًا عن الوجود الإسرائيلي في إثيوبيا وأوغندا وتشاد، ووجود هذه القواعد يحوّل بعض الدول الإفريقية تلقائيًا إلى أراضٍ استراتيجية في حال اندلاع حرب إقليمية أوسع.

كذلك، اعتماد الدول الإفريقية على تحالفات أمنية خارجية هو أمر خطير لكنه واقع، فنحو 73% من موازنات الدفاع الإفريقية تعتمد على التعاون العسكري مع شركاء دوليين.

بينما تزداد وتيرة التبعية الأمنية خاصة في دول الساحل والصحراء، التي تعاني من تهديدات إرهابية متصاعدة، ولا تملك بنى عسكرية مستقلة كافية.

إضافة إلي التداخل الديموجرافي والديني والثقافي، فبعض المجتمعات الإفريقية، مثل نيجيريا والسنغال والسودان، تشهد انقسامًا مذهبيًا أو سياسيًا تجاه أطراف الصراع، ما يهدد بنقل التوترات إلى الداخل الإفريقي.

“قراءة في أبرز التحالفات العسكرية الإقليمية في إفريقيا”

التحالف الإفريقي لمكافحة الإرهاب (2022)، أنشئ بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لمحاربة التنظيمات المتطرفة دون الاعتماد على فرنسا أو الغرب، مدعوما لوجستيًا من روسيا عبر مجموعة فاجنر وخليفتها قوات الفيلق الروسي الإفريقي،وتمثل هذه التجربة محاولة لبناء تحالف عسكري إفريقي مستقل، لكنها مهددة بالانخراط في صراعات دولية.

أما، الوجود التركي العسكري في الصومال والقرن الإفريقي فهو أيضا نموذج، فتركيا تبني قاعدة عسكرية كبيرة في مقديشو، وتدرب آلاف الجنود الصوماليين، وهذه الخطوة تُقرأ باعتبارها محاولة للنفاذ إلى المحيط الهندي وربما تقديم الدعم اللوجستي لتحالفات معاكسة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي.

ثم تجربة إسرائيل في إفريقيا، والتي وقعت اتفاقيات أمنية مع 13 دولة إفريقية، وتعتبر إثيوبيا وكينيا وأوغندا أبرز الحلفاء الأمنيين لإسرائيل في إفريقيا.، وبالتالي في حالة تطور الصراع مع إيران إلى مواجهة إقليمية، قد تصبح هذه الدول أراضي انطلاق أو رصد استخباراتي.

لذلك، تواجه الدول الإفريقية معضلة صعبة إما أن تختار الانخراط في تحالفات قد تُعرضها للانتقام أو الضغوط، أو تحاول الحياد فتخسر الدعم والمساعدات.
جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، تتعرض لضغوط أمريكية لخفض تعاونها مع روسيا والصين.
أما السودان، ففي وسط أزماته، يتلقى عروضًا متناقضة من أطراف دولية لبناء قواعد بحرية على سواحله.

وتشاد والنيجر ومالي، تواجه تهديدات من تنظيمات متطرفة مدعومة أحيانًا بغطاء استخباراتي ضمني من دول تخوض صراعات بالوكالة.

“مصر.. نموذج الاستقلال الاستراتيجي”

مصر، رغم أنها ليست عضوًا في تحالف عسكري إقليمي مباشر حاليًا، إلا أنها تمتلك أقوى جيش في إفريقيا بحسب تصنيف Global Firepower 2024 وتتعاون عسكريًا مع أكثر من 27 دولة، منها روسيا، فرنسا، الصين، والولايات المتحدة.

وفي الوقت ذاته ترفض التموضع الأعمى في صراعات المحاور، وهو موقف بالغ الأهمية في هذا الظرف الدقيق.

والموقف المصري الأخير برفض الاعتداء الإسرائيلي على إيران يؤكد سعي القاهرة إلى تثبيت مبدأ عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، ورفض التحول إلى ساحة صراع لحروب الآخرين، بما في ذلك على المستوى الإفريقي.

“السيناريوهات القادمة وتأثيرها على القارة”

السيناريو الأول: اتساع الصراع ليشمل البحر الأحمر

تهديد الملاحة الدولية، خاصة في باب المندب، يؤثر على 12 دولة إفريقية.

ستتأثر إيرادات قناة السويس، ما يعني ضربة لاقتصاديات دول تعتمد على الملاحة العابرة.

السيناريو الثاني: تمدد التحالفات العسكرية في العمق الإفريقي

قد تطلب إيران أو إسرائيل دعمًا لوجستيًا أو معلوماتيًا من حلفائها في إفريقيا.

ما يُحدث استقطابًا سياسيًا خطيرًا داخل بعض الدول الإفريقية نفسها.

السيناريو الثالث: تزايد الهجمات الإرهابية أو الصراعات الداخلية

بسبب استغلال التنظيمات المتطرفة لحالة الفوضى الجيوسياسية.

وتشير بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI إلى أن نسبة العمليات الإرهابية في إفريقيا زادت بنسبة 37% في النصف الأول فقط من 2024.

“توصيات استراتيجية للقارة الإفريقية”

إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي الإفريقي ليشمل التحصين من الارتدادات الدولية، وتفعيل دور الاتحاد الإفريقي في مراقبة التحالفات العسكرية الأجنبية على أراضي الدول الأعضاء.

كذلك العمل علي إطلاق منصة حوار إفريقية دائمة حول الأمن الإقليمي بمشاركة القوى الدولية المؤثرة.

إضافة إلي تشجيع إنشاء تحالف عسكري إفريقي متوازن يحفظ استقلال القرار دون التورط في محاور دولية.

وأيضا، تعزيز الاستخبارات الإفريقية المشتركة لمواجهة التهديدات غير التقليدية الناجمة عن الصراعات العالمية.

إفريقيا ليست ساحة خلفية، وإن التحالفات العسكرية في عالم اليوم لا تقتصر على الحرب التقليدية، بل تتغلغل في الاقتصاد، الإعلام، التكنولوجيا، وحتى الغذاء. وفي هذا السياق، لا يمكن للقارة الإفريقية أن تظل على هامش الأحداث.

إما أن تبادر القارة بترتيب أوراقها الأمنية والعسكرية ضمن رؤية موحدة تحفظ استقلالها، أو أن تستمر في موقع المتلقي، والأداة، وأحيانًا… الضحية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى