دور الإدارة الاستراتيجية في التنمية المستدامة لتعزيز الأمن القومي المصري
إعداد: علي حاتم فؤاد
مقدمة :-
تمثل أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 خارطة طريق طموحة وضعتها الأمم المتحدة في عام 2015 لمعالجة أكبر التحديات التي يواجها العالم، تتألف هذه الأهداف من 17 هدفًا شاملاً يتناول جوانب مختلفة مثل القضاء على الفقر والجوع وضمان الصحة والتعليم الجيدين وتحقيق المساواة بين الجنسين والاستخدام المسؤول للموارد والطاقة النظيفة وغيرها وتهدف هذه الأهداف إلى تحقيق تنمية مستدامة بحلول عام 2030 من خلال التعاون الدولي والجهود المشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتُعد هذه خارطة الطريق ووسيلة لتحسين نوعية الحياة للناس في جميع أنحاء العالم والحفاظ على كوكب الأرض لأجيال المستقبل.
اقرأ أيضا: أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على النمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة (1991-2022) «دراسة»
أولًا: أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالأمن القومي
إن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة تتناول مجموعة واسعة من القضايا العالمية الحاسمة،بما في ذلك العديد من الأهداف ذات الصلة بالأمن القومي للدول، فعلي سبيل المثال، الهدف الأول المتعلق بالقضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان يساهم بشكل مباشر في تعزيز الاستقرار، والأمن في المجتمعات، فالفقر المدقع الذي تتسم به بعض البلدان النامية يجعلها دائمًا في حاجة إلى الدول الخارجية وتحت سيطرتهم الاقتصادية في سبيل الحصول على المواد الغذائية، وهذا يهدد من سيادة الدولة واستقرارها اقتصاديًا وأمنيًا هذا الأمر الذي يشكل تهديدًا للأمن القومي للدول.
ويرتبط الهدف الثالث المتعلق بضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للجميع في الأعمار بالأمن القومي حيثُ إن الصحة العامة تمثل أحد الركائز الأساسية للأمن البشري، فانتشار الأوبئة، والأمراض المعدية تجعل الدولة عرضة لتدخلات الدول الكبرى لغرض القضاء على الأمراض المنتشرة داخل الدولة وفرض سيطرتها على أراضي الدولة في مقابل تقديم خدمات صحية وأدوية للقضاء على الأمراض والأوبئة مما يؤدي إلى تقويض الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والتأثير سلبًا على قدرة الحكومات على حماية مواطنيها وضمان أمنهم.
وعلاة على ذلك، يرتبط الهدف الرابع المتعلق بضمان التعليم الجيد المنصف، والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة بالأمن القومي، حيثُ أن التعليم يلعب دورًا محوريًا في تنمية الموارد البشرية، وبناء القدرات اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية، والدفاع عن المصالح الوطنية، كما أن تحسين مستويات التعليم يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وتقليل مخاطر الصراعات المجتمعية.
وأخيرًا، يرتبط الهدف السادس المتعلق بضمان توافر المياه، وخدمات الصرف الصحي للجميع، وإدارتها بشكل مستدام بالأمن القومي، حيثُ أن ندرة المياه وسوء إدارتها قد تؤدي إلى نزاعات إقليمية على مصادر المياه المشتركة بين الدولتين والتي قد تخلق صراعات عديدة قد تصل إلى نزاعات مسلحة بينهما، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاستقرار السياسي، والأمني، وبشكل عام، فإن تحقيق هذه الأهداف المتعلقة بالحد من الفقر، والجوع، وتحسين الصحة، والتعليم، والمياه، والبنية التحتية يساهم بشكل كبير في بناء مجتمعات مستقرة، وآمنة، وتعزيز الأمن القومي للدول على المدى الطويل، وهذا يتطلب جهودًا متكاملة من قبل الحكومات، والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتنفيذ هذه الأهداف بشكل فعال.
ثانيًا: تأثير التنمية المستدامة على تعزيز الأمن القومي
تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتداخل بشكل جوهري مع تعزيز الأمن القومي على مختلف الأصعدة، إذ أن النجاح في تنفيذ هذه الأهداف يقود إلى مستويات متقدمة من الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على صلابة الأمن القومي.
فعلى المستوى السياسي، تساهم برامج التنمية المستدامة في إرساء أسس الحوكمة الرشيدة، من خلال بناء مؤسسات قوية، وشفافة تخضع للمساءلة، وتعزز المشاركة السياسية للمواطنين، كما تعمل على حماية حقوق الإنسان وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، مما يخلق بيئة سياسية مستقرة تقلل من احتمالية نشوب النزاعات الداخلية، في ظل نظام سياسي متماسك ومستقر، يتحقق الأمن القومي، ويتعزز الاستقرار على المدى الطويل.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن التنمية المستدامة تسهم في توفير فرص عمل كريمة، وتحقيق نمو اقتصادي شامل يرفع من مستوى المعيشة، ويقلل من معدلات الفقر، والبطالة، هذا الاستقرار الاقتصادي يقلل من احتمالية حدوث اضطرابات اجتماعية أو صراعات مسلحة قد تزعزع الأمن الوطني، إضافة إلى ذلك، فإن تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستدامة البيئية يرسخ الأمن الاقتصادي، ويضمن استقرار الطاقة، مما يجعل الدولة أقل عرضة للتقلبات والأزمات. في المجمل، التنمية المستدامة ليست مجرد هدف تسعى إليه الدول، بل هي ركيزة أساسية لحماية أمنها، واستقرارها على كافة الأصعدة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن التنمية المستدامة تعمل على تحقيق العدالة، والمساواة، وتمكين الفئات المهمشة، مما يسهم في تعزيز الاندماج الاجتماعي، والتماسك المجتمعي، وعندما يشعر الناس بتوفر الفرص المتكافئة، والخدمات الأساسية، فإن ذلك يقلل من أخطار التطرف، والعنف التي قد تهدد الأمن القومي.
علاوة على ذلك، فإن التنمية المستدامة تساهم في تعزيز الأمن البيئي، والمناخي من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية ومكافحة تغير المناخ، وهذا بدوره يقلل من أخطار الكوارث الطبيعية، والصراعات المرتبطة بندرة الموارد، والتي قد تهدد استقرار الدول، وأمنها القومي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب