رأي

إدريس أحميد  يكتب.. الأزمة الليبية بين الحل الداخلي والخارجي

الكاتب صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي

تدخل الأزمة الليبية عامها الرابع عشر دون الوصول إلى حل نهائي، وسط استمرار الانقسامات والصراعات التي تعرقل جهود الاستقرار وإعادة بناء الدولة.

فالعامل الوطني ضرورة وسلوك يجب أن يتحلى به كل مواطن ليبي ..
فلا يعقل أن تتغلب المصالح الشخصية والجهوية والقبلية والمناطقية علينا .
فالوطنية هي شعور ذاتي تلقائي لكل مواطن .

اقرأ أيضا: إدريس أحميد  يكتب..قمة فلسطين الطارئة: موقف عربي موحد ضد الاحتلال

وقد عاني الليبييون سنوات طويلة من أجل بناء دولة بحجة مكانتها الحضارية والتاريخية والاقتصادية ، وواجهت أشكال من الاستعمار قديما وحديثا، وقدم الآباء والاجداد تضحيات عبر مختلف المراحل ، بالسلاح والناضل السلمي .
وكان ليبيا أن تكون في مقدمة دول المنطقة ، لأنها سباقه بأستقلالها ومكاننها..
وبعد أكثر من سبعون عاما ، عبر مرحلتي المملكة والجمهورية، تراجعت في أول اختبار بسبب احداث 2011 ، الذي جاء للمطالبة بالتغيير ، وحدوث التدخل الاجنبي ، الذي وجد الفرصة من أجل مصالحها ، وقد وعد الليبيون بالديمقراطية تجوال السلطة ،
ولكن ذلك انتهي مع سقوط النظام ، وتركت البلاد بدون قيادة حقيقة ، بعد فشل المجلس الانتقالي ، الذي شكل من عدة اطياف لا يجمعها سوى إسقاط النظام ، ولكي يختلفو بدل التوافق على الانطلاق نحو وضع لبناات دولة .

– رفض الثوار طلب المجلس التنفيذي لتسليم الثوار لسلاحهم بل زادت التشكيلات المسلحة .
– افشال أولى انتخابات في تاريخ ليبيا والتي جرت في 2012 ، وسجل فيها قرابه 2 مليون ناخب ، وسيطرة الخاسرون على المؤتمر الوطني ، وبداية تشكيل حكومات المحاصصات .

– إقرار قانون العزل السياسي ، لا قصاء الأطراف الليبيرالية والتي ساهمت في الثورة من خلال دورها السياسي .
-محاولات افشال انتخابات البرلمان في 2014 .
– اندلع القتال داخل العاصمة وحرق المطار والسيطرة الفعلية للتشكيلات على المؤسسات ، امام أنظار الأمم المتحدة والدول الكبري وفي مقدمتها أمريكا .
– تشكيل أكثر من حكومة في انا واحد ، مما عزز الانقسام وتوقف عملية التنمية وانتشار الفساد .
– وضع مسودة الدستور في الإدراج منذ عام 2017 ، ولعل ذلك احد اهم أسباب عدم الاحتكام والاتفاق على بناء دولة .
– إقامة مؤتمرات دولية ، واقرار قرارات ولم يتم تنفيذها تشكيل لجان للحوار من طرف الأمم المتحدة ، لا تمثل الشارع الليبي ، مما يطرح تساؤلات عن كيفية اختيارها ، كما حدث في اتفاق الصخيرات 2015 و اتفاق جنيف 2021 .

– افشال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021 والتي شهدت إقبال كبير بتعداد 3 مليون ناخب ، ومشاركة 90 مرشح للرئاسة .
وللأسف الشديد كان رد الشارع الليبي خجولا، مما يطرح تساؤلات عن جدية الليبيين وحرصهم على الانتخابات .
– للمتابعة للشأن الليبي ، يلاحظ غياب كامل لشارع وسكوته عن المعاناة الاقتصادية وتوقف التنمية وانعدام الخدمات ، وسيطرة أطراف معينة على المشهد السياسي .

نعتقد بأن عدم وجود وعي أو مشروع وطني لبناء دولة ، بسبب غياب قيادة حقيقة .والدليل الانقسام الذي حدث بين الليبيين بين معارض ومؤيد .
انتشار السلاح بين المدنيين ولدى مناطق وحدوث أعمال انتقامية .
إقصاء الكفاءات والخبرات بسبب رأيها السياسي .

من المخاطر التي تهدد الاستقرار هو وجود السلاح لدى التشكيلات المسلحة ، والتي شرعنتها الحكومات وتستقوى .

بدل إحياء المؤسسة العسكرية والامنية وتحديدا في المنطقة الغربية ،
في ظل وجود مؤسسة عسكرية تابعة للقيادة العامة للجيش التي كلفها البرلمان ، واستطاعت من تأمين ثلثي مساحة البلاد بما فيها كل الحدود مع دول الجوار ، وتأمين الحقول النفطية وبسط الأمن .
يعتقد الليبيون أن العالم سيبني لهم دولة عصرية، وهذا الاعتقاد ناتج عن النظام الريعي الذي استمر لأربعين عامًا، حيث كانت الموارد النفطية هي المصدر الرئيسي للثروة والتنمية، مما أعاق بناء مؤسسات الدولة القوية.

للأسف الشديد، اتضح في أول اختبار حقيقي للوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا وجود انقسامات قبليّة ومناطقية عميقة، بالإضافة إلى الروابط الاجتماعية والمذهب الواحد التي تم تعزيزها على مر السنين. فقد انقسم الليبيون بين شعارات سبتمبر وفبراير، وتغلبت المزيدات والتعصب في المواقف، ما جعل الكثير منهم يرفضون التغيير ويديرون ظهورهم لبناء الدولة.

كل هذا يؤكد ضحالة التفكير وانحدار المستوى الثقافي والفكري، ويُظهر غياب الوعي المجتمعي المطلوب للتطور والنهوض. وإذا قارنا ذلك بما حدث في دول الجوار مثل تونس ومصر، نلاحظ أن الوعي المجتمعي في تلك الدول كان أكثر استعدادًا لقبول التغيير وتحقيق التحول السياسي، بينما بقيت ليبيا رهينة للصراعات الداخلية والانقسامات التي تؤثر سلبًا على مستقبلها.

الواقع الليبي يفرض ضرورة التوجه نحو بناء ثقافة وطنية جامعة، تركز على تعزيز مفاهيم الوحدة والهوية الوطنية، بعيدًا عن الاصطفافات الجهوية والقبلية التي تضر بمصلحة البلاد.

أمام الليبيين خياران:

النموذج الأول –

في المنطقة الغربية حيث انتشار التشكيلات المسلحة التي تتولى الإشراف على الأمن، وتتعاون معها الحكومات المتعاقبة، مما جعل هذه المناطق تعيش في توترات مزمنة. ونتيجة لذلك، لم تتمكن المؤسستان العسكرية والأمنية من إيجاد المجال أو الفرصة للعمل بفعالية، مما أدى إلى استمرار حالة عدم الاستقرار.

النموذج الثاني – مناطق الشرق والوسط والجنوب: تنعم هذه المناطق بدرجة كبيرة من الأمن والاستقرار، بفضل القوات المسلحة التي استطاعت تأمين الحدود مع جميع دول الجوار. وقد ساهم هذا الاستقرار في انطلاق عمليات الإعمار والتنمية، وازدهار الأنشطة التجارية والسياسية، مما عزز فرص النمو الاقتصادي.

لذلك، يمثل العامل الأمني أحد أهم الأولويات التي تحتاجها ليبيا قبل أي استحقاقات أخرى، نظرًا لارتباطه الوثيق بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فلا يمكن بناء دولة حديثة دون وجود أمن مستدام يحمي مؤسساتها ويضمن استقرارها.

وبكل تأكيد، يطمح المواطن الليبي إلى الأمن والاستقرار، فهما الأساس الحقيقي لبناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى