دراساتسياسية

الأزمة الكازخستينية.. صراع قوى أم أزمات داخلية «دراسة»

الكاتب باحث مشارك في مركز العرب للدراسات والأبحاث

إعداد الباحث: محمد ربيع الديهي

الأزمة الكازخستينية
الأزمة الكازخستينية

في 2 يناير 2022 شهدات كازخستان دعوات للتظاهر رفضًا لقرار الحكومة برفع الدعم عن أسعار النفط والغاز، وهو الأمر الذي سرعان ما تتطور إلى حاله من العنف والقتل شهدتها كازخستان، على الرغم من إعلان الحكومة الكازخية فور الدعوة لتظاهر تراجعها عن هذا القرار واتخاذ إجراءات إصلاحية في البلاد.

وبعد يومين من التظاهرات السلمية المستمرة في مناطق مختلفة من البلاد، وتحديدًا في 4 يناير 2022، تحول المشهد إلى موجة من العنف أودت بحياة المئات من المواطنين، مما دفع رئيس الدولة “قاسم جومارت توكاييف” إلى فرض حالة الطوارئ في عدد من المناطق التي تشهد تظاهرات أبرزها العاصمة ” الماأتا ” ومقاطعة “مانغيستاو”، مع فرض حظر تجول ليلي، بالإضافة إلى مطالبته لـ “منظمة الأمن الجماعي” الإقليمية التي تترأسها روسيا، بسرعة التدخل لحماية البلاد نتيجة لأفعال العنف التي طالت البلاد والمؤسسات الحكومية، مما دفع روسيا لتدخل من خلال إرسال دفعة من القوات العسكرية لحماية الاراضي الكازخية من تلك الأعمال التي وصفت من رئيس الدولة بأنه أعمال إرهابية.

أهمية كازخستان:

تكتسب كازخستان أهميتها نتيجة لموقعها الجغرافي الفريد رغم أنها أكبر دولة حبيسة على مستوى العالم، فضلا عن أنها أحدي الجمهوريات السوفيتية التي انفصلت عن روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي سابقًا، بلإضافة لكونها أكبر دول منطقة أسيا الوسطي وتبلغ مساحتها نحو 2.725مليون كم٢، وهي بذلك تعد تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة.

وتتميز الجمهورية الكازخية بموقع استراتيجي ينال أهتمام القوي الكبري في العالم ففي الشمال توجد روسيا، ومن الجنوب كل من الصين وقرغيزيستان وأوزبكستان وتركمانستان، ومن الشرق الصين، ومن الغرب روسيا، هذا الموقع زاد من أهميتها الجيوسياسية؛ إذ تربط الأسواق سريعة النمو في الصين وجنوب آسيا بأسواق روسيا وأوروبا عبر مجموعة طريق برية وسكك حديدة وميناء على بحر قزوين، فضلا عن أهميته في مشروع التجارة الصيني الضخم “بالحزام والطريق” وربط الصين بالأسواق الاوروبية.[1]

وتعد منطقة آسيا الوسطي والتي تضم كازخستان من المناطق الاستراتيجية في الصراعات العالمية منذ القرن 19 كونها تسمح بالفصل بين شمال وجنوب آسيا، ما يمنع تكامل القارة الآسيوية التي قد تشكل خطراً على قوى عالمية خلال تلك الفترة، حيث تمثل كازخستان وحدها 50% من وزن دول آسيا الوسطي، ما يوضح أهميتها الاستراتيجية وثقلها.

وعلى الصعيد الاقتصادي؛ تمتع كازاخستان بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى؛ إذ تحتوي على ثروات طبيعية كبيرة، من بينها 3% من احتياطي النفط العالمي، فهي تاسع أكبر مصدّر للنفط في العالم والذي شكل 21% من إجمالي الناتج القومي للبلاد عام 2020 (بقيمه إنتاجية وصلت إلى نحو 85.7 مليون طن في عام 2021)، بحسب البنك الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد بنسبة 3.7% هذا العام، فضلا عن كونها عاشر أكبر منتج للفحم، كما يبلغ احتياطي الغاز به نحو 80 تريليون قدم مكعب وتنتج منه نحو 700 مليار قدم مكعب يوميا، بلإضافة لانتاجها معادن أخرى مهمه مثل الكروم والتي تحتل به المركز الاول من حيث الاحطياطي العالمي بنسبة تصل إلى 30%، كما تنتج النحاس والذهب وخام الحديد والتنجستن والنيكل، وتمتلك ثالث احطياطي عالمي من الرصاص والمنغنيز بنسبة تصل إلى 25%، بينما تصل حصة الاحطاطي العالمي في كازخستان من الزنك لنحو 13%، وفي المجال الزراعي به 11% من أراضيها خصبة، كما تعتبر هي ثاني أكبر مصدر في العالم لعملة “بيتكوين” المشفرة بعد الولايات المتحدة.[2]

وتحتل كازخستان  المركز الثاني عالميا في احطياطي اليورانيوم، وهو الامر الذي يكسبها أهمية دولية؛ إذ يصل المخزون العالمي لليورانيوم نحو 12%، ويصل أنتاج المناجم الكازخية 19.5 الف طن سنويا من اليورانيوم للعالم، في حين تنتج بقي الدول وهي ( استراليا وناميبيا وكندا وأوزبكستان والنيجر وروسيا والصين وأوكرانيا والهند) مجتمعين 27.84الف طن سنويًا وهي بذلك أكبر منتجي لليورانيوم حول العالم بنسبة 40% من الإنتاج العالمي، وقد أثرت الاحداث في كازخستان على اسعار اليورانيوم عالميا؛ حيث زاد سعر الرطل 3 دولار في 5 يناير 2022، ارتفعت اسعار الخام بنسبة 8% في اليوم التالي[3]، بينما ارتفعت أسعار أسهم كل الشركات التي لها علاقة بالوقود النووي بأكثر من 10%، ذلك على خلفية تطور الأوضاع في كازاخستان، ويشار هنا إلى أن أكثر من نصف صادرات اليورانيوم الكازاخستاني مخصصة للصين، بحسب  بحسب بيانات الشركة الاستشارية “سي ار يوم كونسالتينغ” الاستشارية، كما تزوّد كازاخستان المحطات النووية الفرنسية باليورانيوم[4].

في حين تظهر بيانات البنك الدولي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان في عام 2020، وصل نحو 9122 دولارًا، لكنه يقل عن أقصى ذروة سنوية بلغها بنحو 14 الف دولار عام 2013.

كما تشكل كازخستان أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، لا سّيما وأن شركات كبرى مثل Exxon Mobil وChevron استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في غرب البلاد، حيث انطلقت فيها الاضطرابات.[5]

تطورات المشهد الكازخي:

على الرغم من اتخاذ رئيس الدولة الكازخية مجموعة من الإجراءات في كازخستان بهدف عدم تطور الأوضاع واللجوء إلى العنف؛ والتي تمثلت في إعادة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه قبل اشتعال التظاهرات، وإقالة الحكومة وفتح تحقيق لمحاسبة الفاسدين، إلا أن الأوضاع سرعان ما تغيرات، وانتشر العنف في الشارع.

وجاءات ردود الفعل مختلفة من كافة دول العالم ما بين مطالب بضبط النفس وما بين داعم للاستقرار؛ حيث دعت الإدارة الأميركية السلطات في كازاخستان إلى ضبط النفس، وتكرر نفس الموقف من جانب الاتحاد الأوروبي الذي طالب بالامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى التصعيد.

بينما أيد الرئيس الصيني “شي جين بينج”، الحكومة الكازاخستانية ضد ما وصفه بمحاولة “الثورة الملونة”، كما أكدت وزير الخارجية الصين إن بلادة مستعدة لزيادة التعاون مع كازاخستان لإنفاذ القانون والأمن ومساعدتها في مواجهة أي تدخل من قبل أي قوى خارجية، مبينا أن الاضطرابات الأخيرة في كازاخستان توضح أن الوضع في آسيا الوسطى لا يزال يواجه العديد من التحديات، ويبرهن مرة أخرى أن بعض القوى الخارجية لا تريد السلام والهدوء في تلك المنطقة.[6]

في حين أكد الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، إنّ عصابات إرهابية دولية تلقّت تدريبًا في الخارج، هي من قامت بعمليات العنف، وأن وحدة من قوات المظليين تخوض معركة مع عصابة إرهابية على مشارف مدينة الماأتا.

وهو الأمر الذي دفع رئيس الدولة بطلب دعمًا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، واستجابة للدعوة الرئيس الكازخي أرسلت المنظمة التي تقودها روسيا قوة حفظ سلام متعدّدة الجنسيات قوامها 2000 عنصر، غالبيتهم روس، لمساعدة القوات الحكومية على إعادة بسط الأمن في البلاد؛ حيث أكد فلاديمير بوتين بأن روسيا لن تسمح “بثورات ملونة” في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، (وهي عبارة تتكرر لوصف الثورات التي يعتبر الكرملين أن الغرب خطط لها في جمهوريات سوفياتية سابقة(.

وقد أثار الدعم الروسي لكازخستان، حفيظة الولايات المتحدة الامريكية التي أكدت على أنّه ما دامت قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي لم تنسحب، فأنه ستستمرّ في دعوتها لاحترام حقوق الإنسان، بينما أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إنّه بمجرد أن يصبح الروس لديكم، يكون من الصعب أحيانًا إقناعهم بالمغادرة.

وفي سياق متصل أعلن الرئيس توكاييف في 12 يناير 2022، إن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي أنجزت مهمّتها وسوف تبدأ في الانسحاب في غضون يومين وسيتمّ تدريجيًا وسيُنجز في غضون عشرة أيام على الأكثر، بينما أكد وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو”، بأنّ انسحاب هذه القوة سيتمّ بمجرّد أن يستقرّ الوضع تمامًا وبناء على قرار السلطات الكازاخية.[7]

تجاذبات القوي الدولية أم صرعات داخلية:

وفي سياق الأزمة الكازخية برزت عدد من التحليلات والتفسيرات حول تطور المشهد في كازخستان بعض تلك التصورات مرتبطة بطبيعة التنافس الدولي وتجاذبات القوي بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية من جانب وروسيا والصين في الجانب الاخر؛ من خلال خلق أزمات أو صراعات للحد من النفوذ الصين والروسي حول العالم، بينما برزت عدد من التحليلات التي تؤكد أن تلك الثورة متعلقة بالداخل الكازاخي وما هو إلا محاولة من قبل الحرس القديم في الدولة الكازخية للعودة مرة أخرى إلى الحكم أو محاولة من النظام الحالي للتخلص من الحرس القديم؛ وفي هذا الأطار يمكن أن تقسم دوافع انفجار الاحداث في كازخستان إلى عوامل خارجية وأخري داخلية:

أولا العوامل الخارجية:

يري أصحاب هذا التوجة أن الاحداث التي شهداتها كازخستان، أكبر من كونها شأن داخلي، بسبب أزمات اجتماعية أو اقتصادية، وأنما يلعب البُعد الخارجي فيها دور مهم هو الإطار العام لكل ذلك، خاصة في ما يتعلق بالمحاولات الأميركية والأطلسية عمومًا، لتطويق روسيا ومنعها من تجديد نفسها عبر الأوراسية الجديدة، واستخدام الخاصرات التقليدية التي سبق “لبريجنسكي” أن تناولها، مثل أوكرانيا ودويلات البلطيق، كما تعتبر كازاخستان هي بوابة روسيا للوصول إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة، ومعها أذربيجان. وهي جميعًا حلم الرئيس التركي إردوغان، وقبله الرئيس تورغوت أوزال، الذي رفع عام 1991 شعارَ “أُمّة تركية واحدة من الأدرياتيكي (البوسنة) إلى سدّ الصين العظيم”.

كما يعول هؤلاء في فرضيتهم على أن سعر صرف الغاز في كازخستان هو الاقل عالميا؛ حيث وصل سعر صرف لتر الغاز المسال في أوروبا نهاية عام 2021 بـ بولندا- 0.72 يورو، بريطانيا- 0.81 يورو، المانيا- 0.87 يورو، السويد- 0.88 يورو، هولندا- 1.14 يورو، في كازاخستان، بلغ سعر لتر الوقود في ديسمبر 0.12 يورو (60 تنغي أو 10 روبل)، وفي يناير بدأ يكلف 0.24 يورو (120 تنغي أو 20 روبل، ويبلغ متوسط سعر الغاز المسال في روسيا نحو 27 روبل)، لذلك من المستبعد أن تكون أسعار الغاز هي الدافع نحو تبني الداخل الكازخي العنف.[8]

وتكمن العوامل أوالدافع الخارجية في اشعال الداخل الكازخي في التالي:

أولا: العامل الجغرافي؛ تشكل كازخستان نقطة التهديد الاهم بالنسبة لروسيا حيث تمتلك البلدين حدود بريه يبلغ طوله 7000 كم مع روسيا من الجنوب والجنوب الشرقي، مما يشكل فاصلًا بالكامل بين روسيا من جهة، وكل الدول المؤثّرة في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم من جهة أخرى، ونتكلم على الصين ومربّع وسط آسيا الوسطى (طاجيكستان – أوزبكستان – تركمانستان – قرغيزستان)، وامتدادًا إلى إيران وباكستان وأفغانستان، والتي تتشارك أيضًا مع كل من روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان الواجهةَ الساحلية على بحر قزوين، نستطيع أن نستنتج أهمية جغرافية كازاخستان، كدولة محورية ومركزية، تشكّل ممرًا إلزاميًا لأي مناورة أو محاولة لإدخال مجموعات غريبة لروسيا، أو للحدود الروسية الكازخستانية الطويلة.

كما تعد كازاخستان ومعها أذربيجان هي بوابة روسيا للوصول إلى الجمهوريات السوفيتية الإسلامية في آسيا الوسطى، والمعروفة بحديقة روسيا الخلفية، فضلا عن امتلاكها حدود برية مع الصين، طولها 1500 كم.

ولذلك تلعب جغرافيا كازخستان دورمهم في التاثير على كلا من الصين وروسيا، فعدم استقرار الاولي يعني اضطربات أمنية في كلا من بكين وروسيا.

ثانيًا: الثروات الطبعية؛ فهي ليست دولة نفطية فقط بل لكونها أيضا تمتلك معادن مهم للعديد من دول العالم، مثل اليورانيوم الذي ينال اهتمام دولى فضلا عن الكروم والرصاص والزنك والمغنزيوم والنحاس والفحم والذهب والحديد والالماس، بلإضافة إلى الغاز والبترول وتقدر قيمة الثروات الطبعية في كازخستان بـ 12 تريليون دولار.

ثالثا: المصالح الاقتصادية للصين؛ بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين الصين وكازاخستان نحو 22.94 مليار دولار أمريكي في أول 11 شهرًا من 2021، وتقدر الاستثمارات الصينية بنحو 34 مليار دولار أمريكي في كازاخستان، ومن المقرر الانتهاء من نحو 56 مشروعًا مدعومًا من الصين تبلغ قيمتها نحو 24.5 مليار دولار بحلول عام 2023، كما تعتمد بكين على نحو 5% من وارداتها من الغاز الطبيعي على كازاخستان، واستحوذت شركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة على حصة قدرها 8.33% في حقل كاشاجان النفطي الكازاخي مقابل 5 مليارات دولار في عام 2013، فضلًا عن كونها بلد ترانزيت لنقل النفط والغاز للصين. وتُعتبر كازاخستان حلقة وصل مهمة في مبادرة الحزام والطريق.

ربعًا: ورقة ضغط؛ تشكل الاحداث في كازخستان وعدم الاستقرار الأمني فيها ورقة ضغط أن لم تكن تهديد للامن القومي الروسي، وهو الأمر الذي يجعل واشنطن أحد أهم اللاعيبن في عملية عدم الاستقرار في تلك المنطقة بهدف ازعاج روسيا، وإيجاد أوراق ضغط عليها بهدف تخلي الاخيرة إذا ما كان لديها أي طموحات في أوكرانيا.

ويري البعض أن التدخل الروسي في الأزمة الكازخية قد قرع أجراس الهزيمة للولايات المتحدة الامريكية وحلفائهم، مما سيعد إضافة جديدة لأوراق قوة روسيا خلال مباحثات موسكو- واشنطن حول أوكرانيا وعموم القفقاس وآسيا الوسطى.

خامسًا: الاستراتيجية الامريكية؛ والتي تهدف لتطويق البعد الأوراسي؛ وذلك بالتركيز على محورين وهم، أوكرانيا والسعي لدمجها في حلف الأطلسي، والإسلامي عبر الانبعاث العثماني واللعب في الحزام الأخضر الإسلاموي حول روسيا.

وفي هذا الأطار يمكننا الحديث عن مجموعة من الدوافع التي تجعل أصابع الاتهام تتجه ناحية واشنطن للعب دور في تلك الاحداث، خاصة في ظل تصريحات المسؤولون الكازخيون، حول أن مجموعات جاءات من أفغانستان والشرق الأوسط، هي التي إدارت أعمال الشغب ونفذت الاعتداء على رجال الأمن والمؤسسات الرسمية في أغلبية مدن كازاخستان، وهي:

  • تحرّك الإرهابيين أو المخربين؛ جاء بعدد ضخم تجاوز عشرين الف مخرّب أو إرهابي، تمّ من خلال التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة، بصورة منظَّمة ومخطَّطة، وبالرغم من أنهم استغلوا شعارات ومطالب اجتماعية واقتصادية مثل ارتفاع أسعار الغاز وغيره من المشتقات النفطية، إلا أنها تشبه، التحركات المشبوهة التي جرت في العراق (بغداد والبصرة وغيرهما)، وفي عدة مدن إيرانية، والتي كانت أيضًا بشعارات إصلاح اقتصادي واجتماعي، وتخلّلتها أعمال شغب خطيرة ودموية، ووفق الأسلوب نفسه الذي حدث في كازاخستان مؤخّرًا، بحيث جرت مهاجمة عناصر الأمن وتمّ انتزاع أسلحتهم بطريقة مدروسة ومنهجية ومتقَنة، وجرى إحراق ما تيسّر لهؤلاء من مراكز حكومية ورسمية عامة، والتي تبيّن أنها كانت برعاية وعناية أميركيتين، ولأهداف معروفة.
  • الصراع أو الاشتباك الاستراتيجي؛ حيث لا يمكن لنا أن نغفل محاولات واشنطن الالتفاف على روسيا من الجنوب (من جانب كازخستان) في ظل الصراع بين روسيا وحلف الناتو بقيادة واشنطن في شرقي أوروبا وفي البحر الأسود، من خلال خلق نوع من الفوضى القاتلة في أراضي كازخستان، وعند الحدود مباشرة مع روسيا، وذلك بعد الموقف الروسي الرافض لمحاولة الناتو استغلال أوكرانيا لتثبيت نفوذها ووجودٍ عسكريَّين فيها، بهدف تضييق الخناق على روسيا، الأمر الذي عارضته بقوة الأخيرة، وطرحت في مواجهته مقترحًا من عدة نقاط، لتنفيذ كل الأطراف إجراءات أمنية وعسكرية، تخفّف التوتر، وتشكّل درع حماية لروسيا، وتبعد الخطر الاستراتيجي الغربي عنها، وأكدت للاوروبيين والامريكين الذين تراجعوا عن مخططاتهم في أوكرانيا، أنها (روسيا) سوف تدافع حتى النهاية من أجل حماية سيادتها وإبعاد الخطر عن أراضيها.[9]
  • تصريح البيت الأبيض بأنه “يراقب عن كثب” إرسال منظمة معاهدة الأمن الجماعي قوات تابعة لها لحفظ السلام في كازاخستان، ولديه “تساؤلات بشأن شرعية طلب هذه القوات بقيادة روسية”، بالإضافة إلى ذلك تأكيد وزير الدفاع الامريكي على أن الروس لن يخروج من كازخستان، يؤكّد حساسية واشنطن وعدم رضاها عن إنهاء التوتر في كازاخستان، من خلال تشكيكها في شرعية طلب قوات الأمن الجماعي، كأنها لم تكن راضية عن الإجراءات السريعة والتي أنقذت الوضع في كازاخستان من التدحرج نحو المجهول.

ثانيًا: العوامل الداخلية:

يؤيد أصحاب هذا التوجة فكرة أن التظاهرات في كازخستان اشتعلت كنتيجه طبيعة لعدد من الازمات في الداخل الكازخي، ومن هنا يقدم أصحاب هذا الرأي مجموعة من الادلة على صحة توجهم، وهم:

  1. أسباب اقتصادية: يعد أحد أهم الأسباب الاقتصادية التي دفعت الشارع إلى الخروج هو رفع أسعار الغاز؛ حيث خفضت الحكومة الكازاخية من الدعم المقدم لغاز البترول المسال، وهو ما أدى إلى تضاعف سعره، والجدير بالذكر أنها لم تكن هي المرة الأولي التي تشهد هذه البلاد اضطرابات واسعة، فقد سبق وأن شهدت إضرابًا لعمال النفط استمر لأكثر من ستة أشهر في عام 2011، وانتهى بمواجهة عنيفة حكومية أسفر عن مقتل 16 شخصًا على الأقل.

بالإضافة إلى ذلك تتصاعد عدد من الأزمات الاقتصادية، في ظل سيطرة عدد قليل من السكان على فوائد الثروة النفطية التي تتمتع بها البلاد فحوالي 162 شخص يستأثرون بـ 55% من إجمالي الثروة بالدولة، بالإضافة إلى انخفاض الرواتب، وظروف العمل السيئة، والفساد المستشري لسنوات، وأثر ارتفاع معدلات التضخم سلبًا على مواطني الطبقة العاملة والمتوسطة.

  1. غياب الإصلاح السياسي: على الرغم من وعود الرئيس توكاييف عندما تولى المنصب في عام 2019 بالإصلاح السياسي من خلال زيادة الحريات السياسية، والإصلاح القضائي، والقضاء على الفساد، فقد استمرت سياسات تحجيم المعارضة، وهو ما وضح في انتخابات يناير 2021 البرلمانية، والتي أسفرت عن فوز ساحق للحزب الحاكم “نور أوتان”، مع فوز عدد محدود من المعارضين المواليين للحكومة.

وبينما يلقي العديد من المواطنين الكازاخ اللوم على نزارباييف لسماحه بانتشار الفساد، خاصة مع تصاعد ثروات بعض أفراد عائلته الذين أصبحوا أثرياء من خلال امتلاكهم حصصًا في شركات تجارية مهمة.

  1. صراع على السلطة: يري عدد من المتخصصين أن هذه التظاهرات وتطور الاحداث في كازخستان يأتي في إطار صراع بين الحرس القديم ومحاولة رئيس الدولة “قاسم جومرت توكاييف”، بسط السيطرة على البلاد في ظل تزايد نفوذ الرئيس السابق “نور سلطان نزارباييف” وشغلة منصب رئيسًا لمجلس الأمن في البلاد ورئيس الحزب الحاكم في كازخستان؛ حيث ووجه المتظاهرون غضبهم تجاه الرئيس السابق “نور سلطان نزارباييف”، على الرغم من تنحيه عن السلطة في 2019، بعد ثلاث عقود من الحكم، وتنصيبه “لتوكاييف” خلفًا له، فإن الأول احتفظ لنفسه بسلطات رئيسة باعتباره “زعيمًا مدى الحياة”، وقد إلقاء المتظاهريين بالوم على نزارباييف لسماحه بانتشار الفساد.
  2. عوامل اجتماعية: ويبلغ تعداد الكازاخ الآن نحو 19 مليون وتصل نسبة المسلمين فيها إلى 70%، وعلى مستوى المجموعات العرقية، فيبلغ المواطنون الكازاخ نحو 65%، فيما تصل نسبة الروس إلى 21%، بينما تصل نسبة الالمان والأوكرانيين وغيرهم إلى 10%.

وفي الختام؛ لا يمكن لنا أن نغفل العوامل الخارجية أو الداخلية في اشعال الداخل الكازخي، وعلى ما يبدو أن الحقيقة في هذا الموضوع مزيج من هذه وتلك وإن كانت بدرجات مختلفة.

بعد ان تناولنا موضوع الأزمة الكازخستينية يمكنك قراءة ايضا

المفكر العربي  الكبير علي محمد الشرفاء يكتب.. الصلاة على النبي

الإمارات في أسبوع.. إشادة امريكية بأنظمة الدفاع الجوي لأبوظبي وأسهم موانئ دبي تقفز في أول يوم تداول

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

المراجع:

[1] ماذا تعرف عن أكبر دولة حبيسة في العالم تعصف بها الاضطرابات حاليا؟، موقع bbc عربية، بتاريخ 8 يناير2022 متاح عبر الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/world-59912432

[2] تتمتع كازاخستان بوجود ثروات طبيعية كامنة في أرضها تتمثل في بعض المعادن المهمة التي يعتمد عليها العالم بدءا من النفط وحتى اليورانيوم، سكاي نيوز عربية، بتاريخ 7 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com/video/1491933-

[3] Nariman Gizitdinov, Top Uranium Supplier Says Kazakh Unrest Hasn’t Hit Output, Bloomberg, January 6, 2022, at link: https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-01-06/top-uranium-supplier-says-kazakhstan-unrest-hasn-t-hit-output

[4] Uranium sector monitors evolving Kazakh situation, World Nuclear News, 07 January 2022, at link: https://world-nuclear-news.org/Articles/Uranium-sector-monitors-evolving-Kazakh-situation

[5] ما هي أحوال كازاخستان ولماذا الناس غاضبون؟، اندبندنت عربية، بتاريخ 9 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/292906/

[6] الصين: ما يحدث في كازاخستان شأن داخلي لا يجب التدخل فيه، موقع العربيه نت، بتاريخ 6يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2022/01/06/

[7] معاهدة الأمن الجماعي: حققنا الأهداف المنوطة بقواتنا في كازاخستان، RT، بتاريخ 14 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي https://arabic.rt.com/world/1314378-

[8] أحمد شوقي، سوق الغاز المسال في 2021.. ارتفاع غير مسبوق للأسعار، وحدة أبحاث الطاقة، موقع الطاقة، بتاريخ 30ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي: https://attaqa.net/2021/12/30/

[9] شارل أبي نادر، أين دور واشنطن في أحداث كازاخستان؟، موقع الميادين، 8 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.almayadeen.net/analysis/

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى