
إعداد الباحثة- آلاء أحمــد الدالــي
مقدمة
منذ اندلاع الثورة الليبية في 2011، دخلت البلاد في حالة من الانقسام الحاد، السياسي والعسكري، وانزلقت نحو مشهد معقد تغذّيه صراعات داخلية وتدخلات إقليمية ودولية متشابكة. لم تنجح أي من المبادرات السياسية المطروحة حتى الآن في وضع حدّ لهذه الأزمة المتفاقمة، وظلّت ليبيا ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة. تتناول هذه الدراسة الخلفيات التاريخية والسياسية للأزمة، مع تحليل لتفاعلاتها الراهنة، واستعراض السيناريوهات المحتملة للمستقبل، انطلاقًا من الوقائع الميدانية والمعطيات الإقليمية والدولية المحيطة بها.
الثورة الليبية والانقسام
شهدت ليبيا نتيجة ثورة 2011 الشعبية التي اندلعت ضد نظام معمر القذافي -الذي اتسم بالتنكيل والإعدام- ازدواجية في السلطة؛ أدت إلى تأزم وضعها السياسي حتى عصرنا الراهن. حيث أطيح بالقذافي وتم قتله في نفس العام، ومن ثم تشكلت حكومة انتقالية مؤقتًا لتمثل “مؤتمر وطني عام”، لكن السلطة الحقيقية ظلت في يد مجموعة من الجماعات المسلحة. وفي عام 2014، حدث انقسام بين الشرق والغرب؛ نتيجة لرفض المؤتمر الوطني العام لنتائج الانتخابات البرلمانية الجديدة فقام بتشكيل حكومة مدعومة من الجماعات المسلحة في الغرب، كما تزامن معه انتقال البرلمان من طرابلس إلى الشرق. بذلك، أصبحت ليبيا تحت إدارتين متنافستين في الشرق والغرب.
فشل الاتفاق وتفاقم الصراع
في محاولة لتجاوز الانقسام، في عام 2015، تم التوقيع على اتفاقية ” الاتفاق السياسي الليبي “؛ ليحدد دور كلتا الهيئتين، فأصبح للمؤتمر الوطني العام دورًا استشاريًا باعتباره هيئة ثانية للمجلس الأعلى للدولة، و البرلمان المنتخب حديثًا الموجود في الشرق يمثل مجلس الشعب. وعلى الرغم من ذلك ظل الانقسام قائم فسيطرت الجماعات المسلحة الغربية على مدينة سرت من تنظيم داعش الذي يعتبر جماعة متطرفة، والسيطرة على منطقة الهلال النفطي من قبل المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. وهكذا يستمر الوضع في طرابلس. تتفاقم الحروب الأهلية يومًا بعد يوم وتفشل الدولة في تحقيق الوحدة الوطنية وتدعيم الأمن والاستقرار.
التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة الليبية
أدت التدخلات الإقليمية والدولية إلى تعقيد الأزمة الليبية بشكل ملحوظ. في هذا السياق، دعمت بعض القوى الإقليمية، مثل مصر والإمارات، القوات الموالية للمشير خليفة حفتر، معتبرة أن دعمها لهذا الطرف يساهم في استقرار المنطقة وحماية المصالح الأمنية المشتركة. من جهة أخرى، دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، مُعتبرة أن استقرار الحكومة المعترف بها دوليًا يمثل أهمية استراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من أن هذه التدخلات قد ساعدت الأطراف المدعومة في تعزيز قوتها العسكرية، إلا أن تأثيراتها على المدى الطويل تظل محل جدل. فالتدخلات الخارجية، رغم نواياها الاستراتيجية، غالبًا ما تؤدي إلى تعميق الانقسامات بين الأطراف الليبية وتعقيد جهود التسوية السلمية. كما أن التدخلات العسكرية قد تزيد من معاناة المدنيين، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
لقد لعبت الأمم المتحدة دورًا رئيسيًا في محاولة تسوية الأزمة الليبية عبر بعثتها للدعم في ليبيا (UNSMIL). ومع ذلك، رغم الجهود المستمرة والعديد من المبادرات التي أطلقتها الأمم المتحدة، فإن تأثيرها على الواقع السياسي الليبي كان محدودًا إلى حد كبير. يعود ذلك جزئيًا إلى انعدام الثقة بين الأطراف المحلية، وكذلك تعقيد التدخلات الإقليمية والدولية التي غالبًا ما تتناقض مع الأهداف الأممية. من جهة أخرى، يعتبر الاتحاد الأوروبي أيضًا من الفاعلين الرئيسيين في هذا الملف، حيث سعى إلى دعم استقرار ليبيا من خلال برامج مساعدات وتنمية، فضلاً عن محاولاته لتقديم الدعم السياسي. ومع ذلك، يظل فشل الاتحاد الأوروبي في فرض تسوية دائمة على الأطراف الليبية علامة على التحديات التي تواجهها السياسة الدولية في منطقة متشابكة مثل ليبيا.
بينما يسعى المجتمع الدولي إلى إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، فإن تدخلاته تتأثر بشكل كبير بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية. فالدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تتنافس على نفوذها في المنطقة، وهو ما يعزز حالة الانقسام. على سبيل المثال، ترى روسيا في دعم حفتر فرصة لتعزيز وجودها في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، في حين أن الولايات المتحدة كانت تميل في البداية إلى دعم الحكومة المعترف بها دوليًا، قبل أن تتغير سياستها بشكل متقلب وفقًا للمصالح الأمنية.
سيناريوهات محتملة
في ظل التحديات السياسية والعسكرية المستمرة، تظل الأزمة الليبية في مرحلة غامضة ومفتوحة على عدة احتمالات. يعتمد هذا على عدد من العوامل الداخلية والخارجية، مثل التدخلات الإقليمية، الدور الدولي الفاعل، وأفق الحلول السياسية الممكنة. نستعرض فيما يلي أبرز السيناريوهات المحتملة للأزمة الليبية:
- استمرار الوضع الراهن:
قد يستمر الانقسام السياسي والعسكري بين الشرق والغرب، مما يؤدي إلى استمرار الوضع الهش في البلاد، وستظل المؤسسات الحكومية المتوازية قائمة في كلا المنطقتين، وأيضًا تواصل الجماعات المسلحة هيمنتها على الأراضي المختلفة. في هذا السيناريو، سيبقى الوضع في ليبيا عالقًا في دائرة الجمود، مما يزيد من معاناة الشعب الليبي جراء الوضع الاقتصادي والأمني المتدهور، كما سيكون من الصعب تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، كما سيستمر الفساد وسوء الإدارة في التأثير على حياة المواطنين. وهذا السيناريو الأكثر احتمالًا في هذه الآونة.
- التوافق السياسي تدريجيًا:
هذا السيناريو الأكثر سلمًا، حيث يمكن تحقيقه من خلال ضغط دولي ومحلي على الأطراف المتنازعة في ليبيا، من خلال بدء الأطراف الليبية في التوصل إلى تفاهمات سياسية تدريجية، كما يمكن أن تسهم الضغوط من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية، مثل مصر والإمارات، في دفع الأطراف المحلية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أو التوصل إلى اتفاقات سياسية تدريجية. على الرغم من أن هذا المسار قد يساهم في إعادة بناء المؤسسات الوطنية، فإن العملية ستكون معقدة وقد تحتاج وقتًا طويلاً، وقد لا تحقق الاستقرار التام في المستقبل القريب.
- تصعيد عسكري:
قد تتعرض ليبيا إلى انهيار أمني شامل في حال استمرار غياب الثقة بين الأطراف وتفاقم الصراع العسكري بين الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية في المنطقة التي عززت من الانقسام السياسي، كما يمكن أن يؤدي التصعيد العسكري إلى تجدد العنف في عدة مناطق؛ مما يزيد من المعاناة الإنسانية في المنطقة، في هذا السيناريو، قد يتوسع النزاع بشكل أكبر، ويزداد التدخل الأجنبي، سواء من القوى الإقليمية أو الدولية؛ مما يجعل حل الأزمة أكثر تعقيدًا.
الخاتمة:
مضي أكثر من عقد على اندلاع الثورة الليبية وسقوط نظام القذافي، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال ليبيا تعاني من حالة عدم استقرار سياسي وأمني، نتيجة الانقسامات الداخلية والصراعات المسلحة، التي تعززها تدخلات إقليمية ودولية متشابكة. فقد أظهرت التجربة أن الحلول الجزئية، والتسويات الهشة، لم تفلح في إرساء دعائم دولة موحدة وفاعلة. كما أن إنهاء الأزمة الليبية يتطلب إرادة وطنية حقيقية، مع ضرورة تطوير آليات حوار فعالة بين جميع الأطراف، والعمل على إجراء إصلاحات مؤسساتية شاملة تعزز من سيادة القانون وتعزز الثقة بين الفرقاء. كما أن توفير بيئة مستقرة وآمنة تتيح للمواطنين الليبيين ممارسة حقوقهم بحرية، هو أمر أساسي لتحقيق استقرار مستدام
المراجع
- https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53588475
- https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53588475
- https://jocu.journals.ekb.eg/article_248955.html
- https://tinylink.info/10rXE
- https://tinylink.info/10rXS
- https://miniurl.top/10rYe
- https://miniurl.top/10rYi