السوداندراساتسياسية

 آية رجب أبو اليزيد تكتب.. الأزمة السودانية وتداعياتها على مصر اقتصاديًّا وأمنيًّا

ما يحدث في السودان من صراع قائم بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسفر عن تداعيات خطيرة تضر بالسودان داخليًّا وخارجيًّا، ولا تتوقف حدود الأزمة على السودان وحيدة، بل امتدت لتشمل أيضًا دول الجوار المباشر، وعلى رأس تلك الدول مصر، لكونها دولة جوار مباشر للسودان، وتعد أي مشاهد عدم استقرار داخلها تهدد أمن مصر القومي بكل المعايير، وتصبح السودان مناطق رخوة بالنسبة إلى مصر ويمكن أن تضعها في زاوية أمنية ضيقة.

أسباب الأزمة في السودان

وبالعودة إلى أسباب الأزمة ففي منتصف أبريل عام 2023 اشتعل القتال بين طرفي الصراع في السودان بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، وهي القوات التي نشأت في العام 2003 كمجموعة مسلحة تمارس حرب العصابات عرفت باسم “الجنجويد”. في مواجهة الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان.

حيث نشأت بذور الصراع بداية من الخلاف على السلطة بين الطرفين، الأمر الذي جعل كل طرف منهما يعمل على حشد رجاله للإطاحة سريعًا بالطرف الآخر، وتصاعدت وتيرة الخلافات بينهما منذ أشهر من تاريخ الأزمة، حيث اتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتعبئة غير القانونية لقواته، فضلًا عن رفض دقلو قيادة البرهان للقوات المسلحة بعد أن وصل السودان في 5 ديسمبر 2022 إلى إبرام اتفاق إطاري لبدء الانتقال السياسي لمدة عامين وكان 1 أبريل 2023 هو تاريخ تنفيذ الاتفاق، وبموجب هذا الاتفاق أن يتخلى كلا الطرفين عن السلطة ودمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة النظامية السودانية، ولكن تصاعدت المسارات العسكرية وأجلت تنفيذ الاتفاقية، وكانت هنا بؤرة الأزمة الراهنة والتي اندلعت في الداخل السوداني.

تداعيات الأزمة على مصر

أثرت الأزمة في السودان على مصر ليس على صعيد واحد، بل امتد ليشمل عدة أصعدة، سواء اقتصاديًا من خلال عمليات التبادل التجاري بين البلدين، وأيضًا أمنيًّا وسياسيًّا كما هو الحال بأزمة سد النهضة بين مصر والسودان في مواجهة إثيوبيا، ومن خلال أعداد النازحين الكبيرة في الفترة الأخيرة، وبالتالي سنوضح من خلال الأسطر التالية تداعيات الأزمة على مصر.

أولًا التداعيات الاقتصادية:

تعد العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان على رأس الأولويات المصرية، لما تمثل السودان أهمية كبرى للسوق المصري، حيث يستحوذ السودان على 13.2 % من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية بالكامل، وتحتل السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.

ونتيجة للأوضاع في الداخل السوداني أثرت الأزمة السودانية بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فألقت ظلالها بالأكثر على عمليات التبادل التجاري بين البلدين، حيث يواجه التبادل التجاري بين مصر والسودان أزمة كبيرة عقب انفجار الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري سجلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا نسبيًّا بقيمة ١٨,٢٪ خلال عام ٢٠٢٢ تبلغ نحو ١,٤٣٤ مليار دولار في مقابل ١,٢١٢ مليار دولار في العام ٢٠٢١، وذلك بعد الاستقرار المؤقت للأوضاع في السودان بعد رحيل الحكومة الانتقالية بقيادة عبدالله حمدوك ووصول السودان لاتفاق إطاري في ٥ ديسمبر ٢٠٢٢ لبدء الانتقال السياسي لمدة عامين بالتعاون بين المكون العسكري للسودان، وكانت مصر تطمح إلى استقرار الأوضاع وزيادة التعاون الاقتصادي مع السودان للخروج من أزماتها الاقتصادية الراهنة.

وقبل تأزم الأوضاع في السودان من عام الأزمة بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 1,4 مليار دولار في عام 2023، مقابل نسبة 1,5 مليار دولار في عام ما قبل الأزمة، أي انخفض حجم التبادل التجاري بنسبة 6,4 %. ومن المتوقع انخفاض قيمة التبادل التجاري بشكل كبير في 2024 مع استمرار الحرب في السودان.

واستنتاجًا لما تقدم فإن العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان تتضرر بشكل كبير نتيجة للأزمة القائمة، وسينخفض حجم الواردات المصرية بطبيعة الحال من السودان، وسيقل التبادل التجاري بين البلدين في حال استمرار الحرب القائمة، ولا سيما لأن السودان يعد بوابة مصر للقارة الإفريقية ومنفذًا للأسواق المصرية في القارة، وبالتالي سيتأثر أيضًا شكل التبادل التجاري بين مصر والكثير من دول القارة التي كانت السودان معبرًا رئيسيًا للوصول إليها.

وعلى صعيد آخر فإن الأزمة في السودان أثرت بشكل كبير على عملية تحويل المصريين العاملين في السودان حيث في سياق الأزمة شهدت الساحة عودة لأغلب المصريين في السودان، وبالتالي تراجع كبير في عمليات التحويل، فضلًا عن أن السوق السودانية تمثل منفذًا هامًا للمصانع الصغيرة والمتوسطة في مصر، في ظل ما تعانيه السوق المحلية المصرية من آثار الركود، فالوضع الراهن في السودان يزيد مشكلات جديدة للاقتصاد المصري، كما أن تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في مصر يمثل عبئًا اقتصاديًّا للدولة المصرية، ولا سيما في ظل الديون التي تحيط بالدولة، فقد باتت مصر على إثر اللاجئين مطالبة بأن توفر الأمن الغذائي لهم، ما يضع ضغوطًا إضافية على الاحتياط النقدي المصري في ظل شح العملات الأجنبية والتزام مصر بسداد أقساط ديون ضخمة حتى عام 2025.

ثانيًا التداعيات الأمنية:

فمنذ اندلاع الصراع المسلح في أبريل 2023 أجبر أكثر من 10,7 مليون سوداني إلى النزوح داخل وخارج السودان وفقًا لآخر تقرير للأمم المتحدة، وكانت مصر صاحبة النصيب الأكبر في استقبال النازحين، فإن أعداد النازحين السودانيين إلى مصر تجاوز 697 ألف نازح سوداني وفقًا لتقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما أن أعداد اللاجئين السودانيين هم أصحاب النصيب الأكبر من سياق اللاجئين في مصر، مما شكل نوعًا من الخطر الأمني على مصر وانتشار عمليات جرائم مختلفة داخل الوسط المصري.

فيما يخص أزمة سد النهضة

بسبب الأزمة القائمة في السودان وهنَ الدور السوداني بطبيعة الحال في التحرك خارجيًّا نحو القضايا ذات الأهمية القومية مثل سد النهضة، وأعطى فرصة قوية لإثيوبيا لاستكمال الملء الرابع الذي تم الإعلان عن انتهائه في سبتمبر ٢٠٢٣، أي بعد اندلاع الصراع بنحو أربعة أشهر فقط، مستغلة الضعف السوداني واندماجه في الصراعات الداخلية، وبالتالي فقدت مصر شريكها الأهم في الدفاع عن حقها في مياه النيل. ومع استمرار الأزمة صرح المدير العام لمشروع سد النهضة بأن السد قد اكتمل بنسبة 99,5 % في سبتمبر 2023، بينما اكتمل ملء السد بنسبة 100 بالمائة. وقد تم تشغيل أربع توربينات لتوليد الكهرباء، مع توقعات بأن المشروع سيُستكمل تماما خلال العام المقبل.

مصر ومحاولاتها لحل الأزمة

. أمن السودان والاستقرار الداخلي له يمثل أهمية استراتيجية لمصر، لأنها دولة جوار مباشر للسودان، وأي صراعات تلحق بالجانب السوداني لها تأثيرات مباشرة وأحيانا غير مباشرة على مصر، لذلك سعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى استقبال قمة مؤتمر “دول جوار السودان” بجانب بعض الدول الصديقة في القاهرة، والتي أسفرت عن ثمانية بنود، وكان من أهمها أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات الشعب السوداني.

واستنتاجًا لما تم طرحه فإن الأزمة في السودان تمثل تهديدات مباشرة لمصر سواء اقتصاديًّا عن طريق التراجع في قيمة التبادل التجاري بين البلدين وأمنيًّا لما تمثله من تزايد عدد اللاجئين السودانيين وعدم استقرار الأوضاع وأزمة سد النهضة التي سنحت للجانب الإثيوبي أن يستزيد من قوة موقفه في ملء واستكمال السد المذكور، لذلك على مصر أن تسعى جاهدة إلى حل الأزمة في السودان بالتوافق مع المجتمع الدولي.

 

المصادر

شيماء محيي الدين، الصراع في السودان الأسباب والتداعيات والمآلات المستقبلية، مجلة الدراسات الأفريقية، مجلد 46، العدد 1، يناير 2024، ص 372.

تداعيات الحرب في السودان على الاقتصاد المصري، منتدى دراية، https://draya-eg.org/

بيان صحفي، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بتاريخ 3 مارس 2024 https://www.capmas.gov.eg/Admin/News/PressRelease/202433133649_666.pdf

محمود الجندي، لاجئو السودان في مصر بين المكسب والخسارة، إندبندنت عربية، https://www.independentarabia.com/

تقرير يونيسيف مصر، https://www.unicef.org/egypt/ar/emergency-response-sudanese-.

تقرير للأمم المتحدة تاريخ 31 يوليو 2024، https://reports.unocha.org/ar/country/sudan/

مفوضية الأمم المتحدة لدعم اللاجئين، أكتوبر 2023 https://reports.unocha.org/ar/country/sudan/

ندى فاروق، كيف تساهم حرب السودان في تأمين حصة مصر من مياه النيل، DW الإخبارية، 25\9\2024 https://www.dw.com/ar/

الهيئة العامة للاستعلامات، https://www.sis.gov.eg/Story/254219/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86?lang=ar

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى