إعداد الباحث / محمود سامح همام – باحث سياسي متخصص في الشؤون الإفريقية
في ظل المتغيرات المتسارعة على الساحة الدولية، تبرز الحاجة الملحة لطرح تساؤلات عميقة حول توجهات السياسة الخارجية المصرية، خاصة في ضوء التحديات والتهديدات الحدودية الراهنة.
فمصر، بما تمتلكه من موقع استراتيجي فريد يتوسط قارتي آسيا وأفريقيا، تعد مركزاً لوجستياً محورياً في قلب العالم القديم، ما يكسبها مكانة استثنائية في المعادلة الجيوسياسية.
هذا الموقع الاستثنائي يجعلها على تماس مباشر مع التطورات الإقليمية والدولية، ويجعلها كذلك محط أنظار القوى العالمية والإقليمية التي تتصارع على النفوذ والمصالح في هذه المنطقة الحيوية.
- اقرأ أيضا: التعقيدات الأمنية في مالي وانعكاساتها على الأمن القومي الجزائري.. دراسة للباحث محمود سامح همام
وفي سياق متصل، تجد مصر نفسها تتأثر بشكل مباشر بالديناميات السياسية والاقتصادية المتغيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى أوروبا، فضلاً عن التحديات الأمنية على حدودها الممتدة، سواء في الاتجاه الشرقي أو الغربي، التي تتطلب تحليلاً استراتيجياً متواصلاً وتفاعلاً دبلوماسياً مدروساً. إن هذه التغيرات المتسارعة تفرض على مصر دوراً فاعلاً ومتجدداً في الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية مصالحها الوطنية، بما ينعكس إيجاباً على الأمن القومي ويدعم مسيرتها نحو النمو المستدام وتعزيز مكانتها كجسر حيوي للتواصل بين قارات العالم، وسنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على تناول أبزر المخاطر الحدودية التي تواجه الدولة المصرية.
بدايةً، تُمثّل الحدود المصرية امتدادًا استراتيجيًا له أبعاد أمنية وجغرافية وسياسية بالغة الأهمية، وباعتبار مصر حلقة وصل بين قارات العالم القديم، فإن حدودها تُعد نقاط تماس مع قوى إقليمية ودولية، ما يجعلها عرضةً لتحديات وضغوط أمنية، ومع تزايد التوترات في المنطقة وتطور أشكال الجريمة العابرة للحدود، أضحت الدولة المصرية بحاجة إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية، وتطوير سياسات استباقية لحماية حدودها وضمان استقرارها الداخلي، وفي سياق متصل يمكننا تسليط الضوء على التهديدات الحدودية لمصر كالتالي:
حرب المقاومة الفلسطينية المسلحة مع الكيان الصهيوني:
في السابع من أكتوبر، أعلن محمد الضيف، قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن عملية “طوفان الأقصى”، التي تُعتبر أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود. شملت هذه العملية هجومًا بريًا وبحريًا وجويًا، بالإضافة إلى تسلل مقاتلين إلى عدة مستوطنات في محيط غزة، مع أسر عدد من المواطنين والجنود الإسرائيليين. (1)
نتيجةً لهذه العملية، اندلعت حرب دموية بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة. وقد أسفرت هذه الحرب، حتى الآن، عن مقتل ما لا يقل عن 42,924 شخصًا، من بينهم حوالي 16,765 طفلًا. كما تجاوز عدد الجرحى 100,833 شخصًا، بالإضافة إلى أكثر من 10,000 مفقود من الجانب الفلسطيني. (2)
تشكل هذه الحرب تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار الحدود المصرية لعدة أسباب. أولاً، قد يؤدي تدهور الأوضاع في قطاع غزة إلى تسرب الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، مما يعرض أمن سيناء للخطر ويزيد من احتمالية تنفيذ هجمات إرهابية داخل مصر، خصوصًا أن سيناء تُعتبر منطقة حساسة للأمن المصري.
ثانيًا، تؤثر الاضطرابات الحدودية سلبًا على التجارة والسياحة في سيناء، مما يعوق خطط التنمية ويزيد الأعباء الاقتصادية. إضافةً إلى ذلك، يتطلب الضغط الأمني تخصيص موارد إضافية للسيطرة على الحدود وتأمينها.
أخيرًا، هناك خطر متزايد من تدفق اللاجئين من قطاع غزة نحو الحدود المصرية، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد والخدمات المصرية، ويزيد من التحديات الإنسانية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. (3)
أزمة السودان
اندلعت الأزمة السودانية في أبريل 2023 نتيجة خلافات جوهرية بين الجيش الوطني السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، حول آليات اندماج القوات النظامية. (4) وقد أسفر هذا الصراع العنيف عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وإصابة ما يزيد عن 33 ألفًا، (5) الأمر الذي أدى إلى تعقيد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في السودان بشكل كبير، وزيادة معاناة الشعب السوداني الذي يواجه ضغوطًا إنسانية متفاقمة جراء تدهور البنية التحتية وانهيار الخدمات الأساسية، حيث أصبحت السودان الآن من بين الدول الأربع الأولى في العالم التي تعاني من أعلى معدل لانتشار سوء التغذية الحاد العالمي، كما تعاني الخرطوم حاليًا من تفشي العديد من الأمراض بما في ذلك الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية. (6)
تعتبر الأزمة المتفاقمة في السودان خطرًا مباشرًا لحدود مصر الجنوبية لعدة أسباب، أبرزها: أن مع تصاعد النزاع في السودان تتزايد احتمالية تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر، ووفقًا لإحصائيات مفوضية اللاجئين في مصر تبرز أن القاهرة استقبلت من السودان 1.2 مليون شخص، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد والخدمات المصرية، ويفاقم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الحدودية، وعلى صعيد أخر مع استمرار الصراع في الخرطوم يزيد من احتمالية تدفق الجماعات المسلحة عبر الحدود إلى الأراضي المصرية، مما قد يعرض الأمن القومي المصري لخطر تسلل عناصر غير مرغوب فيها وإمكانية تنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر. (7)
تفكك الداخل الليبي
منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، تعيش ليبيا حالة من الفوضى والانقسام السياسي، ما أدى إلى انقسام السلطة بين حكومتين متنافستين: واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. هذا الانقسام أسهم في خلق بيئة ملائمة لانتشار المليشيات المسلحة، وأعاق جهود إعادة الاستقرار للبلاد.
في الشرق، توجد حكومة مدعومة من البرلمان الليبي (مجلس النواب) في طبرق، وتتخذ من بنغازي مقرًا فعليًا. تحظى هذه الحكومة بدعم قوات الجنرال خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، الذي يسيطر على مساحات واسعة من شرق وجنوب البلاد. في المقابل، توجد حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، وهي الحكومة المعترف بها دوليًا وتتخذ من طرابلس مقرًا لها. تشكلت هذه الحكومة في مارس 2021 برعاية الأمم المتحدة بهدف توحيد المؤسسات وإجراء انتخابات وطنية. لكنها تواجه تحديات كبيرة في بسط سيطرتها خارج العاصمة، حيث تسيطر مليشيات متعددة على أحياء رئيسية في طرابلس وتتنافس فيما بينها على النفوذ.
من ناحية أخرى، أدى انهيار الدولة الليبية إلى ظهور مئات المليشيات المسلحة التي تتنوع في ولاءاتها وأجنداتها. تنتشر هذه المليشيات بشكل خاص في غرب ليبيا وحول العاصمة طرابلس، حيث تسيطر على مناطق رئيسية، وتتنافس أحيانًا فيما بينها على النفوذ والموارد.
وفي ضوء هذا المشهد المعقد، سيواجه صناع القرار في مصر تحديًا كبيرًا في التصدي لأي تهديد محتمل قادم من ليبيا، التي تشترك مع مصر في حدود غربية مشتركة. (8)
في الختام، لقد امتازت مصر في مواجهة هذه التحديات بسياسة خارجية حكيمة تستند إلى مبادئ التعاون الإقليمي والدولي. إذ تسعى مصر لتعزيز الشراكات مع الدول المجاورة، ودعم المبادرات الدبلوماسية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة. كما تلعب دورًا فاعلًا في جهود الوساطة لتقليل حدة النزاعات، مما يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الاستقرار الإقليمي على أمنها القومي.
ويمكننا التنبؤ أنه إذا استمرت الأوضاع في التدهور، فقد تتخذ مصر إجراءات أمنية أكثر تشددًا، مثل تعزيز نقاط التفتيش وزيادة الدوريات على الحدود، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوتر مع الجماعات المسلحة في المنطقة. في المقابل، إذا تمكنت مصر من استغلال سياستها الخارجية لتعزيز التعاون الإقليمي، فقد يتمكن المجتمع الدولي من المساعدة في تحقيق الاستقرار في غزة وليبيا، مما يقلل من الضغوط الأمنية والاقتصادية على مصر ويعزز من قدرتها على التعامل مع التحديات المتزايدة، وباختصار، يتطلب الحفاظ على الأمن القومي المصري تكاملًا بين الجهود العسكرية والدبلوماسية، مما يعكس فهمًا عميقًا لأهمية الاستقرار الإقليمي وتأثيره المباشر على الأمن الداخلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
https://english.ahram.org.eg/News/533113.aspx
https://www.aljazeera.com/news/longform/2023/10/9/israel-hamas-war-in-maps-and-charts-live-tracker
https://www.unrefugees.org/news/sudan-crisis-explained/
https://www.rescue.org/article/crisis-sudan-what-happening-and-how-help