رأي

أيمن بدوي السكندري يكتب.. الشباب العربي وسؤال الهوية

من أنت؟..

سؤال.. إذا وجهته إلى غالبية الشباب العربي اليوم يفاجئك بالدهشة من هذا السؤال؛ ومرد هذه الدهشة إلى أنه لم يسأل يوماً نفسه هذا السؤال من قبل.

ففي ظل العولمة، والانفتاح الإعلامي، والصراع الأيديولوجي المحموم، نسي الشباب العربي أن لكل أمة من الأمم هويتها، وذاتيتها التي تميزها عن سائر الأمم الأخرى.

وهوية الأمة هي شخصيتها؛ وهي تتكون من لغتها، وعقيدتها، وتراثها، وثقافتها، وتقاليدها.

فهل شبابنا متمسكون من هذا كله بطرف؟

تكلم حتى أراك… هل تكلمني -عزيزي – بلسان عربي قويم، أم بالفرانكوآراب، أم بلغة مرقعة بكلمات من لغات أُخر، أو بالأحرى غالبيتها من لغات شتى؟

ما اعتقادك؟

هل هي العقيدة المنزلة من السماء، بما فيها من قيم، وأخلاق، وعبادات، ونظم، وآداب، وسلوك، ومعارف، أم أن هذا كله ذهب أدراج الرياح.. ولم يبق منه إلا صور، وأشكال؟

هل تعرف شيئاً عن تراثك الحضاري، وإسهامات أجدادك في الفكر الإنساني، أم عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء؟

وهل تسير على خطاهم مستلهماً تجاربهم، فتساهم في حضارتك المعاصرة؟

بل أراك تكتفي باستهلاك ما يُسمح لك مما ينتجه الآخرون!

هل أنت عزيزي الشاب العربي على دراية واعتزاز وتقدير بما أضافه أجدادنا إلى البناء الحضاري، وإلى مختلف العلوم، والفنون، والمعارف الإنسانية؛ في العلوم والهندسة، والطب والصيدلة، والكيمياء والرياضيات، والبصريات والصوتيات، والفلسفة والاجتماع، والعلوم العسكرية وعلم السياسة، والفن والعمارة……..إلخ.. وما أضافه الخوارزمي، وابن الهيثم، وابن سينا والزهراوي، وابن النفيس وابن البيطار، والغزالي وابن رشد، والكندي والفارابي، والرازي والإدريسي والمئات بل الألوف بل مئات الألوف غيرهم؟

راجع إن شئت (تاريخ التراث العربي) و(الفهرست؛ لابن النديم) و(كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون؛ لحاجي خليفة) و(شمس العرب تسطع على الغرب؛ لزيكريد هونكه)، وأنا محدثك عن هذه الكتب وقيمتها وعن بعض من هؤلاء العلماء – إن شاء الله- في مقالات أُخر.

هل تعرف إسهام الخوارزمي وابن الهيثم في إنتاج جوالك أو حاسوبك، أو أجهزتك اللوحية؟

فبدون (الصفر) وهو اختراع الخوارزمي، ما كانت هناك أنظمة “الديجيتال” ولا لغات البرمجة.

وبدون (القمرة) وهي اختراع لابن الهيثم مع اختراع مبدأ التصوير نفسه، ما استمتعت بكاميرا جوالك ولا حاسوبك.

إن الشخصية العربية بخصائصها ضاربة بجذورها في قدم التاريخ، وجاء الإسلام فخلصها مما علق بها من درن، ومن كل شيء حال بينها وبين فطرتها السليمة التي فطر الله الناس عليها، وعزز وجودها الإنساني والروحي والحضاري.

حيث جاءها يحمل المقومات الأساسية للتغيير في الحياة، وصياغة الإنسان صياغة جديدة؛ فحرر الإنسان من قيود الجاهلية، وعبادة غير الله؛ ليرتفع به إلى عبادة مانح الحرية، وخالق الكون والبشر.

وهذا الدين يحمل للإنسان مقومات وجوده، وبقائه؛ لتحقيق أسرار وجوده ومهامه في الحياة؛ بتغيير سلوكه إلى ما هو متناسب مع فطرته.

وبذلك استطاعت الشخصية العربية الإسلامية أن تتفاعل مع الحضارات، وتستوعب نتائج الفكر البشري وتمحصه، فتأخذ منه الجانب النافع المشرق، وأن تنتج وتقدم للحضارة البشرية بناءً علمياً ومعرفياً وسلوكياً يضيف لمسيرة الإنسانية في هذه الحياة الدنيا.

إن هوية الشباب العربي تنطلق من إحساسه بالذات، وإبراز للخصائص المرتبطة بالدين والمنبثقة عنه، وتتعرف على مكونات الأمة الروحية، وقيمتها الثابتة الخالدة باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإحساس بالعزة نحو المقومات الأساسية المعتمدة على التراث والتاريخ واللغة.

وبعد…

فسؤال الهوية هو أهم سؤال يسأله لنفسه الشاب العربي في هذا التوقيت العصيب.

وعلى أهل العلم والمعرفة والفكر أن يقدموا إسهاماتهم للشباب ليتيسر لهم الإجابة عن هذا السؤال الهام إجابة صحيحة.

وأختم بما قاله “روم لاندو” “Rom Landau”

“لا يوجد سبب منطقي يبرر الفهم بأن العرب فقدوا الصفات التي مكنت أجدادهم من التفوق الحضاري، فهم لا يزالون يملكون تلك القيمة، ويستطيع أي إنسان عاش بين العرب أن يتأثر بإنسانيتهم ومقدرتهم العلمية”.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى