رأي

أحمد يحيي يكتب.. العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة: احتياج للدفاع وأمن الطاقة ضد التوسع الروسي

مقدمة

لطالما كانت العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية محورية في السياسة الدولية، خاصة في مجالي الأمن والدفاع. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتمدت أوروبا على المظلة العسكرية الأمريكية لحمايتها من التهديدات الخارجية، وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي سابقًا وروسيا حاليًا. لكن إلى جانب الأمن العسكري، برز أمن الطاقة كعامل رئيسي في هذه العلاقة، حيث تعتمد أوروبا بشكل كبير على الواردات الخارجية، وخاصة من روسيا، مما يجعل الولايات المتحدة لاعبًا أساسيًا في تأمين الإمدادات وتنويع مصادر الطاقة.

اقرأ أيضا: في ذكرى تولي الإمام الطيب مشيخة الأزهر: إعلام إسرائيلي يشن هجومًا على مصر ومؤسسة الأزهر الشريف

اولاً: الحرب الباردة: تشكيل التحالف الدفاعي ضد الاتحاد السوفيتي

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت أوروبا ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949 لحماية أوروبا الغربية من أي توسع شيوعي. لعبت الولايات المتحدة دورًا أساسيًا في تعزيز دفاعات أوروبا عبر إنشاء قواعد عسكرية وتزويدها بالسلاح والتكنولوجيا الدفاعية المتطورة.

  • وفي المقابل، لم يكن أمن الطاقة حينها بنفس الأهمية التي يحتلها اليوم، حيث كانت أوروبا تعتمد على موارد الطاقة المحلية والمستوردة من مناطق أخرى غير روسيا. ولكن مع مرور الوقت، بدأ الاعتماد الأوروبي على الغاز والنفط السوفيتي يتزايد، مما جعل العلاقة مع موسكو أكثر تعقيدًا.

ثانياً: ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: استمرار الحاجة إلى الحماية الأمريكية

مع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، استمر التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة ولكن بمهام جديدة. فعلى الرغم من زوال الخطر الشيوعي، برزت روسيا كقوة تسعى لاستعادة نفوذها. وشهد العالم تدخل روسيا في جورجيا عام 2008، وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم التدخل العسكري في أوكرانيا عام 2022، مما عزز مخاوف أوروبا من التوسع الروسي.

استجابةً لهذه التهديدات، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في أوروبا الشرقية، ورفعت ميزانيات الدفاع في إطار الناتو، وقدمت دعماً عسكرياً لدول مثل بولندا ودول البلطيق.

  • لكن إلى جانب المخاوف العسكرية، أصبحت أزمة الطاقة أحد الجوانب الأكثر حساسية في العلاقة بين أوروبا وروسيا. فلطالما اعتمدت القارة الأوروبية على الغاز الروسي، الذي شكل نحو 40% من إجمالي واردات الغاز الأوروبي قبل هذا الاعتماد منح روسيا نفوذًا كبيرًا، حيث استخدمت الطاقة كسلاح سياسي ضد أوروبا، خاصة بعد العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا.

ثالثاً: أمن الطاقة: دور الولايات المتحدة في تقليل الاعتماد على روسيا

مع تزايد التهديد الروسي، اتجهت أوروبا إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، وهو ما فتح الباب أمام الولايات المتحدة لتلعب دوراً رئيسياً في تأمين الطاقة الأوروبية. ومن أبرز التطورات:

  1. زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال (LNG):
  • منذ 2018 بدأت الولايات المتحدة في تصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مما ساعد في تقليل هيمنة الغاز الروسي.
  • بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ارتفعت هذه الصادرات بشكل قياسي، حيث أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيسي للغاز المسال لأوروبا.
  1. دعم مشاريع الطاقة البديلة:
  • دعمت واشنطن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا، مثل الرياح والطاقة الشمسية، للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.

 

  1. تعزيز التعاون مع دول أخرى:
  • شجعت الولايات المتحدة أوروبا على استيراد الغاز من مصادر بديلة، مثل النرويج، قطر، ودول شرق المتوسط، لضمان أمن الطاقة.

هل يمكن لأوروبا الاستقلال عن الولايات المتحدة؟

على الرغم من الجهود الأوروبية لبناء قدرات دفاعية مستقلة وتنويع مصادر الطاقة، لا تزال القارة تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، سواء في الأمن العسكري أو في تأمين الطاقة. فالاتحاد الأوروبي لم يتمكن بعد من تشكيل جيش موحد ينافس قوة الناتو، ولا تزال البنية التحتية للطاقة في أوروبا غير قادرة على الاستغناء تمامًا عن الغاز الروسي دون دعم أمريكي.

خاتمة

العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة تتجاوز مجرد التعاون العسكري، لتشمل أيضًا أمن الطاقة، الذي أصبح عاملاً استراتيجيًا في مواجهة روسيا. وبينما تسعى أوروبا إلى تحقيق استقلالية أكبر في هذين المجالين، يظل الدور الأمريكي حاسمًا، سواء في حماية أمنها من التهديدات الروسية أو في تأمين إمدادات الطاقة المستقرة. في المستقبل القريب، يبدو أن هذا التحالف سيظل قائمًا، حيث لا تزال أوروبا بحاجة إلى الولايات المتحدة لضمان أمنها واستقرارها.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى