رأي

جمال المحلاوي يكتب.. الرشادة المصرية في التعامل مع أزمة سد النهضة

طالعتنا الأخبار بتصريح صدر عن رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد يفيد بأنه تم الانتهاء من بناء المرحلة الأخيرة لسد ( النهضة) . وأنه لن تصاب دولتي المصب بأي ضرر بالحصص المخصصة لها .

اقرأ أيضا: مصر في أسبوع.. السيسي يتسقبل التهاني من زعماء العالم والقاهرة تعلن فشل المفاوضات حول سد النهضة

هذا و تعتبر أزمة سد النهضة من أشد الأزمات التي واجهت الدولة المصرية خلال العقد الأخير، فالسعي الإثيوبي لبناء سد النهضة منذ منتصف القرن الماضي، والتربص الكامن للدولة المصرية منذ ذلك الحين إلى جانب حالة الفوضى التي أصابت الدولة المصرية عام 2011، إلى جانب التغيرات المناخية وندرة المياه والزيادة السكانية، كل تلك القضايا يمكن بشكل أو بآخر أن تتصل فيما بينها لتؤرق الدولة المصرية، وقد اشتدت تلك الأزمة نتيجة تداخل القوى الإقليمية والدولية، وتنوعها بين دول صديقة وغير صديقة، ما جعل الدولة المصرية تدير تلك الأزمة بشكل أكثر رشادة، ومما سبق نجد أن الحكومة الإثيوبية استغلت الأوضاع المصرية المتفاقمة وأعلنت البدء في إنشاء سد النهضة، وهو ما يخالف مبدأ حسن النية وحسن الجوار والذي أشار إلى عدم استغلال اضطرابات داخلية في دولة من الدول لإلحاق الضرر بها.

وأن الدولة المصرية بالرغم من تأثير سد النهضة على مواردها من المياه، إلا أنها لم تعترض على إنشاء سد النهضة، وإنما اعترضت على قصور الجوانب الفنية للسد، ومماطلة إثيوبيا في اجراء الدراسات الفنية لقياس تأثير السد على دولتي المصب، وفي ضوء ذلك استندت مصر في دفاعها عن حقوقها التاريخية المكتسبة إلى الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها دول الاستعمار نيابة عنها، إلى جانب استنادها على مبدأ توارث المعاهدات، والذي تضمن معاهدات نهر النيل، كذلك استنادها على الاتفاقية التي أبرمتها الدولة المصرية مع الإمبراطور الإثيوبي منليك في مايو 1902، والتي نصت على تعهد الإمبراطور بالامتناع عن القيام بأية أعمال على النيل الأزرق تعوق تدفق المياه إلى النيل.

وأن التعنت الإثيوبي والمماطلة في أجراء اتفاق ملزم لكافة الأطراف ويُلزم بها أدى إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية على الدولة المصرية، وذلك في ظل مواجهة الدولة العديد من التحديات الاقتصادية وسعيها لتخطي العقبات الاقتصادية التي تواجهها، وفي ضوء سعيها لإدارة أزمة سد النهضة عملت على مشاركة عدد من المؤسسات الرسمية ذات الخلفية الدبلوماسية والتفاوضية والفنية، حيث عملت على الدمج بين القمم الرئاسية التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيسي وزراء إثيوبيا “هايلي ماريام ديسالين” و”آبي أحمد علي” لما لها من أهمية في الرجوع إلى طاولة المفاوضات والمباحثات، كما عملت على إدارة أزمة سد النهضة من خلال وزارتي الخارجية والموارد المائية والري، لإجراء المفاوضات، وتوجيه الدبلوماسية المصرية إلى نشر كافة مستجدات عملية التفاوض لتوضيح المساعي المصرية في حل أزمة سد النهضة.

‌وقد استخدمت الحكومة المصرية في الرشادة في إدارة تلك الأزمة وذلك من خلال دعواتها المستمرة إلى العودة إلى المفاوضات، وضرورة التأكيد على التوصل لاتفاق ملزم لأطرف الأزمة، مع الدعوة بشكل دائم إلى وجود وساطة دولية تساهم في حلحلة الأزمة للتوصل إلى تفاهمات، كما حرصت من خلال إدارتها لأزمة سد النهضة إلى حماية مواردها المائية الداخلية وزيادتها واستغلالها استغلالًا أمثلًا، فقامت بسن العديد من التشريعات التي تحمي مياه النيل، كذلك القيام بالعديد من المشروعات القومية التي تهدف إلى الحفاظ على المياه وخدمة المناطق الحدودية من خلال محطات تحلية مياه البحر، كما قامت بإطلاق العديد من المبادرات، كونها قادرة على التفاعل مع المجتمع المصري؛ لتحقيق أهداف الدولة المصرية في المحافظة على مياه النيل. وأخيرا مع تلك التصريحات التي صدرت من رئيس الوزراء الاثيوبي اتساءل هل بالفعل انتهت تلك الازمة ام هي في طريقها للانتهاء؟ هل ماصرح به جاء بسبب ضغوط داخلية تتمثل في تقدم ميليشيات فانو إلى العاصمة ، ام هي ضغوط إقليمية تتمثل في التقارب المصري التركي والاتفاق بين مصر والصومال وإريتريا الاخير ؟ ام توقع لتغير دفة الانتخابات الامريكية وعودة ترامب للحكم ؟ أم هي مشاريع سدود اخرى في الطريق ؟ كل تلك التساؤلات يجب الوقوف على إجابات لها . وأثق إن الإدارة المصرية لديها إجابات واضحة لتلك التساؤلات بل وسيناريوهات التعامل التي تتسم بالصبر والحنكة والرشادة .

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى