رأي

محمد أرسلان علي يكتب.. المال حينما يكون مقياساً لبزوغ وسقوط سلاطين… أردوغان أنموذجاً

الكاتب صحافي سوري كردي مهتم بالشؤون العربية.. خاص منصة «العرب 2030» الرقمية

أردوغان ،كانت وما زالت المصالح والسياسة المنفعية هي المحدد العام لتوجهات معظم الدول في العالم، وعليه كان يتم بناء العلاقات فيما بينها وتقديم الدعم والمساندة لبعضهم البعض، بعيداً عن لغة القوانين والأخلاق التي هي أعرق وأقدم من المصالح مهما كان نوعها وكيفيتها. على هذا الأساس كانت تعتمد العقلية الغربية التي قسمت وشتت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى شبه دول مستقلة متناقضة مع بعضها البعض وبعض الأحيان متناحرة على قطعة من الأرض أو خط انحنى قليلاً جرّاء “رعشة” أصابتهما حينما كان السيدان سايكس – بيكو يغتصبان جغرافية المنطقة ويرسمان حدود ما سمي بعد ذلك بالدول القومية المتصارعة فيما بينها في أعقاب الحرب العالمية والكونية الأولى.

ولاستكمال مسرحية أشباه الدول تلك كان لا بدّ من مأسستها ووضعها ضمن قوالب قانونية وحقوقية شكلياً ومصالح وأجندات جوهرياً، وكانت المؤسسات والمنظمات التي اتخذت صفة الدولية بعد ذلك، من قبيل؛ عصبة الأمم والتي تحولت إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة لاهاي، ومئات المؤسسات والهيئات الفرعية التي كانت تغذي بعضها البعض، والتي كانت تهدف لشيء واحد لا غير ألا وهو؛ الحفاظ على مصالح القوى المنتصرة في الحرب الكونية الثانية.

منذ ذلك الوقت والمنطقة لم تهدأ فيها المجتمعات ولا الشعوب رغم تضحياتهم الكبيرة التي قدموها للحفاظ على ما سمي مكتسبات الشعوب في العيش في دول مستقلة تحت علم واحد يعبر عن السيادة الوطنية لتلك الدول القومجية. خدعة انطلت على الكثير من شعوب المنطقة باختلاف مشاربهم القومجية والطائفية والمذهبية، وشعارات جوفاء لم تكن سوى مسكنات للشعوب التي سرق منها كدها وجهدها وتضحياتها وعمرها من أجل دول افتراضية كما عالم الإنترنت الذي نعيشه في راهننا.

وبين ثنايا وظلال الحدود السياسية التي مزقت المنطقة لدول متصارعة، كانت ثمة شعوب ومجموعات ومكونات ضحية لتلك (الرعشة) التي أبقت عليها ممزقة ضمن الدول الممزقة بالأساس. شعوب ومكونات كانت تعيش في الجغرافيا الواسعة والرحبة من دون أية قيود في إغناء ثقافتها ولغتها ومجتمعيتها، لترى نفسها مشتتة ما بين أشباه دول لتتعرض لكافة أنواع الظلم والقتل والتهجير والإقصاء والصهر بكل ما للكملة من معان لهذه المصطلحات.

الكرد والأرمن والسريان والآشور والأمازيغ والتركمان، لم يسلموا من المجازر التي تعرضوا لها على يد مختلف القوى المشاركة في الحربين الكونيتين الأولى والثانية. فلا فرنسا ولا بريطانيا ولا ألمانيا ولا أمريكا وروسيا مع الدول المغتصبة والمحتلة لأراضي هذه الشعوب، أبرياء من دمائهم وآهاتهم وصرخاتهم وما يعيشونه اليوم. وما زالت هذه الشعوب منذ قرنٍ من الزمن وهم يتعرضون لأبشع أنواع السياسات القذرة والمصالح البشعة التي أعمت الأنظمة المستبدة عن الحقائق التاريخية والجغرافية، لترسم لنفسها بعضاً من معلومات أرادت فرضها على الشعوب على أنها هي فقط حقائق وما غيرها لا يمثل سوى الهرطقة والزندقة والكفر والعمالة.

الكرد، الذين يعدون من أكبر الشعوب عدداً من حيث التعداد تم حرمانهم من وطنهم الذي عاشوا عليه وفيه منذ آلاف السنين، كانوا ضحية مصالح قوى الرأسمال الدولي وأجنداتهم في السيطرة على المنطقة ونهب خيراتها واستعباد شعوبها وجعلهم مُطية أو بيادق على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية بعد أن تم تقسيمها إلى مربعات (دول)، ليتحارب ويتصارع عليها كافة الرؤساء والزعماء وحكوماتهم ليزجوا بشعوبهم في حروب عبثية على رقعة من الجغرافيا لا تتجاوز حدودها رقعة الشطرنج تلك. لنرى القلاع أو الدول الافتراضية أو أشباه الدول تتهاوى كما أحجار الدومينو تباعاً حينما تريد قوى الرأسمال العالمي أن تغير في خططها ولعبتها.

العقد الأخير رغم أنه مليء بالمآسي والويلات والقتل والدمار والتهجير، إلا أنه كان الحقيقة الوحيدة التي عبرت عن حقيقة الدول التي كانت تصف نفسها يوماً ما بأنها قلاع للمقاومة والتي تتحطم عليها كافة المؤامرات الإقليمية والدولية، لنراها بأمّ أعيننا كيف أنها انهارت بفعل تلك المؤامرات لا غير، ولتتكشف حقيقة معظم زعماء المنطقة بأنهم لم يكونوا سوى ملوك عراة ولتسقط هالة القداسة عنهم وليتحولوا إلى كراكوزات بيد قوى الهيمنة الرأسمالية يحركونهم كيفما شاؤوا هم.

أردوغان الزعيم الذي اعتلى مسرح المنطقة بصدفة زمنية ليس لها أية علاقة لا بالجغرافيا ولا بالتاريخ، كان صنيعة الرأسمال العالمي الذي كان يبحث عن شخصية مسخة تنفذ أجنداتهم ومصالحهم في المنطقة. فلم يرووا أفضل منه أداة يلوحون به ضد كل من يعارض مشروعهم وحروبهم الفوضوية في المنطقة. منذ بداية الألفية الثانية ظهر أردوغان في إسطنبول كعمدة سوبرمان معه عصا سحرية أنقذ الاقتصاد التركي من حالة التردي والإفلاس ورفعه بفترة قصيرة لمستوى يُشار له بالبنان من قبل حكام ونُخب المنطقة على أنه خير إنسان أنجبته الطبيعة الإلهية للمنطقة. وبقدرة قادر وخلال سنوات قليلة جلس أردوغان على البساط السحري ليتجول محلياً وإقليمياً ودولياً معتمراً عمامته العثمانية وليناطح إسرائيل في مؤتمر دافوس ومن بعدها حدوتة “سفينة مرمرة”، ليتحول طبعاً مع الدراما التركية التي غزت المنطقة إلى المسيخ المنتظر الذي سيحرر القدس ويخلص الشعوب من حكامها المستبدين.

 

ومع بداية مسرحية الربيع العربي أصبح أردوغان حامل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان يلقن زعماء وحكام المنطقة ويقرأ عليهم مزاميره العثمانية، وأنه سيصلي قريباً في المسجد الأموي، على أساس أنه سليل معاوية والأمويين. لن تسلم سوريا ولا العراق ولا ليبيا ولا اليمن ولا السودان ولا الصومال ولا أرمينيا ولا البحر المتوسط، لم تسلم من عنجهيته وتغطرسه واستعلائه وجنون العظمة الذي أصابه ليُعمي بصيرته وبصره ليصل لمرحلة لا يرى أحداً غير ذاته الاستبدادية والذي كان بالنسبة للمرتزقة والإرهابيين خليفة وسلطان لجماعة الإخوان المسلمين.

صدق أردوغان نفسه أنه شخصية كاريزمية ولها مكانتها في المنطقة ولكنه نسي أو تناسى أن من أتى به إلى إسطنبول وجعله عمدة وبعدها رئيسا، بمقدوره أن يسحبه ويجره كالشعرة من عجين السلطة. نسي أردوغان ما قاله في 2006 أنه “المتعهد الرسمي لمشروع الشرق الأوسط الكبير/الجديد”، وعليه أغدقت عليه قوى الرأسمال العالمي العطايا والهبات لتنفيذ ما هو مطلوب منه. وأن المرحلة الأولى من هذا المشروع هي نشر الفوضى والاقتتال والتهجير والدمار في كل مكان، وهو ما نفذه أردوغان بكل أمانة وصدق، إن كان في الشمال السوري أو العراق وليبيا وأرمينيا والمتوسط.

 

وأعتقد أن المرحلة الأولى تقريباً شارفت على الانتهاء وأن ما كان مطلوبا منه قد تم، لهذا نرى أن نفس تلك القوى والدول التي دعمته وساندته، تُدير ظهرها له وكأنها لا تعرفه ولتغلق صنبور (حنفية) التمويل الرأسمالي الدولي قليلاً حتى يحين وقت قطعها نهائياً عنه ويتم التخلص منه، كما كافة الأدوات التي تستخدمها قوى الهيمنة العالمية في المنطقة، كما كانت مع الشاه والخميني وزين العابدين ومبارك والقائمة تطول.

إذاً، إنه المال الرأسمالي الذي تتحكم به قوى الهيمنة الدولية والذي جعلوه إلهًا يسجد له أكبر مستبد وحاكم وحتى أصغر فرد وإنسان، إن هو تخلى عن أخلاقه وقوانينه المجتمعية ليلهث وراء المصالح والسياسة المنفعية السلطوية. ويمكن القول إن النظام الرأسمال المالي الدولي هو نفسه أكبر إرهابي ظهر وسيظهر على مسرح التاريخ. أما أدوات النظام الرأسمالي العالمي فسيتم رميها في مزابل التاريخ لتلعنها الشعوب حال الانتهاء من دورهم على بقعة الشطرنج الشرق أوسطية.

بعد ان تناولنا موضوع إردوغان يمكنك قراءة ايضا

د. مصطفى الزائدي يكتب.. إلى الأمام.. «في الانتخابات والاستقرار»

محمد فتحي الشريف يكتب.. «التخلص من الإخوان = حل أزمة ليبيا»

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى