أحمد شيخو يكتب «نوروز» عيد الحرية والأخوة و المحبة والسلام
الكاتب سياسي وباحث كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية
يصاف يوم 21 آذار\مارس لعام 2022 الذكرى 2634 للعيد القومي للشعب الكردي وللعديد من شعوب المنطقة حيث يحتفل به مئات الملايين من الأمم والقوميات وفي احتفالات ومهرجانات من الفرح والغناء والرقص والمسرح ومختلف أنواع الفنون الشعبية التي تعبر عن الحب و الجمال و الأصالة والتراث ورغبة الحرية والتكامل والتعاون والحياة المشتركة.
ويصادف هذا العيد التاريخي بداية فصل الربيع وهو يجسد بذلك بدء و تجدد الطبيعة والحياة والحركة والدفء والنور بعد الكمون والسكون و البرد القارس والظلام الدامس وهو بذلك عيد للإنسان والطبيعة معاً وبداية للتقويم السنوي الكردي والسنة الكردية.
وفي هذا اليوم من عام 612 ق.م تحررت شعوب المنطقة وبفضل تحالفهم وعلاقاتهم الاستراتيجية من إمبراطورية الظلم والطغيان الذي كان يتخذ من نينوى مركزاً له. لقد استطاع القائد الكردي كاوا الحداد أن يوحد أسلاف الكرد الميدين ويجمع شملكم ويقيم تحالف استراتيجي بين الكرد والبابلين الذين كانوا متضمنين ل 72 لغة في عاصمتهم أو مركزهم بابل وغيرهم من شعوب المنطقة على اساس وهدف الوصول للحرية والاستقرار والسلام والتخلص من ظلم الملك “ضحاك” وأمبراطوريته. ولعل مافعله الشعب الكردي وحركة حريته في تخليص شعوب المنطقة ومنها الشعبين الكردي والعربي من ظلم داعش في مركزيها في الموصل والرقة وبذلك حماية المنطقة والعالم هي امتداد لما فعله كاوا الحداد قبل ٢٦٣٤ في تحقيق خلاص الشعوب من الظلم واشعال النار فوق الجبال والتلال كإشارة ودلالة للنصر والخلاص من العبودية الذي يستمر إشعاله حتى اليوم وفي مختلف جغرافية الكرد وأينما كانوا حوى العالم.
رغم كل هذه السنين و محاولات الإبادة والتحريف و طمس الثقافة والهوية الكردية وخصوصيات المجتمعات والشعوب في ميزبوتاميا وإضعاف تقاليدهم الديمقراطية وعلاقاتهم مع شعوب المنطقة وجيرانهم إلا أن الشعب الكردي ظل مستمراً ومواظباً على خصوصيته و ثقافته ولغته وأعيادة القومية ورغبته في إقامة العلاقات والحياة المشتركة مع مجتمعات وشعوب المنطقة، رغم كل المصاعب ومحاولات الإنكار و الصهر والإبادة وفرض القوموية وظل الشعب الكردي مؤمناً بالسلام والأخوة ومحبة الأخرين وأهمية وضرورة العلاقات والتحالفات بين الشعوب ومدافعاً عنها لتجاوز التحديات والمصاعب.
لقد قال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب عن الحياة المشتركة للشعبين العربي والكردي ونوروز في قصيدته “وحي النيروز” :
كيعرب مظلوم يمد يدا
إلى أخيه فما أن يهدر الثار
و المستغلان في سهل و في جبل
يدميها بالسياط الحمر غدار
سالت دماؤهما في السوط فامتزجت
فلن يفرقها بالدس أشرار
في كل نهر ترى ظلا تحف به
أشباح ( كاوا ) و يزهو حوله الغار
درب إلى النور قد أفضى بمن سار
وقرب القيد من شعبين شدهما
ووجهت من خطى الشعبين أفكار
نوروز رمز المحبة والسلام والأخوة والتسامح والتكامل وهو بهذا المعنى يجمع الكرد والعرب وكافة شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية والاستقرار. لقد عاش الشعبين العربي والكردي محطات تفاعل مشتركة تاريخية وكانوا خير تمثيل لإرادة المنطقة الحرة من آمد(ديابكر) لبلاد الشام ومصر وشبه الجزيرة العربية وجمعهم منذ القدم وحتى اليوم الكثير من القيم والمبادئ والمصالح والحياة المشتركة ومن ميافرقين وآمد وكرمنشان إلى بغداد ودمشق والقاهرة وإلى المكة والمدنية كانت ومازالت جغرافية سياسية ومجتمعية قادرة على حماية المنطقة ومقدساتها ضد كل التدخلات الخارجية وذلك إن تم إدراك ذلك وفهمها جيداً والعمل عليها، فهجمات المغول والتتار وكذلك الصليبين والفرنسين والبريطانين بعد الحرب العالمية الأولى والثانية تم هزيمتها بوحدة هذه الجغرافية ومن عليها من المجتمعات والشعوب وقواها الفاعلة.
إن نوروز آمد وكل كردستان يزداد رونقاً وشموخاً وأخوة ونوراً بالاحتفالات المشتركة بين الكرد والعرب والترك ومختلف شعوب المنطقة ، وهذا يؤكد أننا جميعاً على الطريق الصحيح من المحبة و التعاون والتكاتف والتكامل والاعتراف والاحترام المتبادل وهو طريق ومسار نوروز المبارك التي جسدها الابطال و القادة مثل صلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة وسليمان الحلبي العفريني وعزيز عرب وغيرهم الكثير .
يحتفل الشعب الكردي في أربعة أجزاء كردستان والعالم في هذه السنة ٢٠٢٢ تحت شعار “حان وقت الحرية ” للتأكيد والمطالبة بحرية القائد عبدالله أوجلان وحرية كردستان كأهدف حياتية وأساسية لشعبنا في مسيرة نضاله وبحثه عن حريته والدفاع عن وجوده أمام ممارسات الابادة والاحتلال لتركيا الفاشية وفي إطار عمله وسعيه للحل الديمقراطي للقضية الكردية وقضايا المنطقة لبناء الأخوة والسلام والاستقرار .
إن الشعب الكردي وحركة حريته (حزب العمال الكردستاني ) هو شعب وحزب النوروز و المرأة و الإرادة الحرة والحلول الديمقراطية وهو يجسد الأخوة والسلام والحرية والديمقراطية في ماهيته وكيانه وأهدافه و ومشروعه الامة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية وبمختلف القوميات والأديان والمذاهب والألوان ، وهم يرون أن حضور و مشاركة الشعب العربي يزيد النوروز جمالاً ومحبة وتكاملاً وسلاماً ووحدةً ديمقراطية بين الشعبين الكردي والعربي وبين كافة الشعوب وبذلك يزداد ويكبر ويستمر نوروز كل يوم لما فيه خير لكل المنطقة بشعوبها ومجتمعاتها ودولها وفتح آفاق جديدة للعلاقات بين شعوب المنطقة وتعزيز الآليات المشتركة لمواجهة التحديات والمخاوف المشتركة.
وتمثل نوروز في أحد أبعاده الأساسية روح المقاومة والدفاع الذاتي المشروع لدى الشعب الكردي ضد الظلم والاستعباد وقد جسده من جديد القائد الشهيد مظلوم دوغان في سجن آمد عام ١٩٨٢ وكذلك الشهيدات الخالدات زكية آلكان ورهشان وبريفان وروناهي وعشرات الألاف من بنات وأبناء الشعب الكردي في مسيرة حرية الشعب الكردي. ولعل خير تمثيل لروح مقاومة نوروز هو ما يفعله قوات الكريلا من الدفاع عن وجود وحرية الشعب الكردي وشعوب المنطقة ضد العثمانية الجديدة والساسانية الجديدة والتدخلات الخارجية في الجغرافية الكردية والعربية.
كما كانت نوروز قبل 2634 عيداً للربيع والسلام وللحرية والأخوة والتحالف بين قبائل وشعوب المنطقة حينها، سيصبح نورز 2022\2634 وبمشاركة وحضور الأخوة\الأخوات العرب وشعوب المنطقة مناسبة جميلة و تعزيزاً للصداقة والمحبة والتفاعل المشترك بين الشعبين العربي والكردي وشعوب المنطقة كافة. ودائماً كان مصير الشعبين الكردي والعربي مشترك ومرتبط ببعضهم ولاشك أن حرية الشعب الكردي هو حرية للشعب العربي والعكس صحيح أيضاً وكما أن استقرار المجتمعات والدول العربية هي تمكين وتعزيز العمق الاستراتيجي للشعب الكردي وتحقيق التوازن المطلوب في المنطقة فمنظومة الأمن القومي للشعبين هو مترابط ومتبادل وقد كان هكذا منذ القديم وحتى اليوم ولقد ظهر هذا في السنوات الأخيرة أيضا مع ظهور الإرهاب وتنوعاته من الاخوان والنصرة وداعش وغيرهم.
وما أصاب الشعب العربي ودوله في السنوات الأخيرة هو امتداد لما يتعرض له الشعب الكردي من سنوات طويلة ولو تم ردع الاعتداءات على الشعب الكردي لما تعرض العالم العربي لكثير من التدخلات الإقليمية والخارجية .علاوة على أن الربيع العربي بجوهره ومطالبه العادلة قبل التحريف وركوب الاسلاموية عليها والتدخل الخارجي والاقليمي فيها وبدون شك هو ربيع لكردستان ولشعوبها ومجتمعاتها فمصيرنا وثقافتنا وتحدياتنا مشتركة و أعيادنا أيضاَ مشتركة منذ القدم وحتى اليوم وهي تعبر عن المشهد التفاعلي والعلاقاتي والتكاملي بين شعوب المنطقة.
من كردستان حتى المغرب واليمن مروراً بلبنان والأردن وفلسطين ومصر وتونس إلى السعودية والإمارات وكل البلدان والشعوب العربية نوروزنا نوروزكم أعياد مباركة للجميع ، لتعيش أخوة الشعوب ولتسود المحبة والسلام والأمان والأستقرار . ولتكن كل الأيام نوروز وتجديد وخير وسلام على كل المنطقة والعالم وكافة مجتمعاتها وشعوبها وأملاً في النجاح والانتصار والحرية والديمقراطية واشراقة الربيع واليوم الجديد وجسر التفاعل والتواصل وتبديد المخاوف وتعزيز المشتركات ورفد المنطقة بعوامل التوازن والديمقراطية والمساواة وتحقيق التنمية والتحول الديمقراطي في المنطقة ودولها.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب