رأي

أحمد شعبان محمد يكتب.. قضية الإسلام المحورية

بسم الله الرحمن الرحيم “وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (64 النحل).

بعد أن كتبت هذه الآية الكريمة على الفيسبوك، وأتبعتها بسؤال استشعرته مفاجئا الجميع من خلال ردود الأفعال.

السؤال: “ما الذي اختلفوا فيه؟”.

ولأن الإجابة عن هذا السؤال هي نفسها ما تمثله رسالة الإسلام، والتي لم ينزل القرآن إلا من أجلها، ألا يعني هذا أن الموضوع على أعلى درجة من الأهمية، حيث إن أهميته هي أهمية القرآن ذاته لأنها قضيته.

والقرآن هو أعز ما نملك، وعليه فلابد من أن هذه القضية هي قضية الإسلام المحورية.

ومن خلال ردود الأفعال تبين الآتي:

استحسان غير معهود للوهلة الأولى، ولسان الحال يقول: إنهم متلهفون لمعرفة الإجابة.

أما التعليقات فمنها:

طلب إرجاء لدراسة الإجابة.

ومنها إحالة لمرجعية تفسيرية لإحدى الجماعات.

والعديد حول قضايا جزئية تندرج تحت القضية الكلية.

وبعض الردود تشكك في القرآن ذاته، والسؤال الآن:

ما هذه القضية الهامة التي لم ينزل القرآن إلا من أجلها؟

حين النظر إلى الواقع المعاش نجد أن القضية الكلية للإسلام هي الوحدانية “التعريف بالله الواحد الأحد” والتي يندرج تحتها كل شئون الكون.

وهذا هو ما اختلف فيه الكافة، فاليهود والنصارى جعلوا لله صاحبة وولدا “اليهود عزير، والنصارى المسيح”، كما يوجد من يعبد الأوثان كواسطة بينهم وبين الله، كما يوجد الكثيرون منا من يتخذون عبادا واسطة أيضا بينهم وبين الله. وجاء القرآن لينفي عن الله ذلك.

ولكي يتم النفي لابد من تقديم حيثيات هذا النفي.

ومع شديد الأسف بدلا من أن يقدم المسلمون حيثيات هذا النفي، لجأنا إلى التشبيه والتجسيم والحلول والإرجاء، وكثير من التصورات الأخرى.

فبدلا من أن نبين ما اختلفوا فيه وقعنا نحن في إشكالية الاختلاف.

وعليه فرسالة الإسلام عطلت. وقدمنا بدلا منها تشويهات لهذا الدين الأمثل.

أليس غريبا وعجيبا وغير مستساغ، بل ومريبا أن يتم التعتيم سواء عمدا أو جهلا على صلب رسالتنا التي نعتز بها جميعا، ورغم إصدار العديد من الكتب تحت عنوان الله لغير رجال الدين أمثال الفندي والعقاد وايميل بورتوا وغيرهم كثير، واضعين تصوراتهم التي لم ترق أيضا لحل هذه القضية.

ومحور الإرباك يتمثل في لفظة واحدة كإجابة على سؤال مفاده “العلاقة بين لفظ الجلالة الله والأسماء الحسنى” هل هي علاقة ذاتية أم علاقة ملكية؟

لكن الجميع اعتمدوا العلاقة الذاتية. وهذا هو الخطأ الفادح الذي وقع فيه الجميع إلا من رحم ربي.

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول عن السيد المسيح ” كلمته، وروح منه”.

“يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا” (171 النساء).

فاعتبروا أن ما هو منسوب إلى الله “كلمته، وروح منه” هو ذات الله.

وقد قمت بعمل دراسة متواضعة من خلال منهج علمي نتيجة لصدمتي بسؤال من الأستاذ رائد العطار عام 1979 عن هذا الأمر.

فكانت الدراسة على النحو التالي:

العلاقــــة بين لفظ الجلالة الله والأسماء الحسنى

الله

ورد لفظ الجلالة الله في القرآن الكريم على مستوى الكلمة في 2153 موضعا، وعلى مستوى الجذر في 2690 موضعا.

وهو الاسم الدال على ذات الله، ويتصف الله سبحانه وتعالى بأنه:

ـ “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” (الشورى 11).

ـ “لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” (الأنعام 103).

ـ “يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا” (طه 110).

ـ “وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ” (الأنعام 100).

فلا يصح أن نصف الله سبحانه وتعالى إلا بما وصف به ذاته.

هذا بالنسبة للفظ الجلالة الله فماذا عن:

الأسماء الحسنى

أولا: الآيات التي تبين ملكية الله لكل شيء.

وردت كلمة لله في 116 موضعا. وكلمة له في 275 موضعا.

واليك بعض هذه الآيات:

ـ “أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (البقرة 107)

ـ “وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ” (البقرة 116).

ـ “وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (آل عمران 180).

ـ “قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ” (الأنعام 12).

ـ “وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (النحل 60).

ـ “وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الروم 27).

هذه الآيات قليل من كثير توضح ملكية الله لكل شيء.

ثانيا: الآيات التي تبين ملكية الله سبحانه وتعالى للأسماء الحسنى:

ـ “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” (الأعراف 180).

ـ “قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى” (الإسراء 110).

ـ “اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى” (طه 8).

ـ “هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى” (الحشر 24).

كذلك الأسماء الحسنى أيضا مملوكة لله سبحانه وتعالى ككل شيء، ولكن الفارق الوحيد أنه طلب منا سبحانه أن ندعوه بها لأنها مثل أعلى وهو له أيضا (مملوك له).

والنتيجة أن وصف أي شيء متاح لأن كل شيء مملوك لله سبحانه وتعالى وكذلك الأسماء الحسنى.

ولأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فمحال أن يمثل بشيء، ولكن نوره يمثل كما مثله هو سبحانه لأنه مملوك له ككل شيء (مثل نوره).

وعليه فمن الخطأ أن يقال ما ينطبق على الله سبحانه ينطبق على الأسماء الحسنى أو أي شيء آخر، وكذلك الوضع بالنسبة للكلمة، ولروح الله، انظر قول المولى عز وجل:

ـ “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ” (النساء 171).

ـ “وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا” (التحريم 13).

ـ “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” (الحجر 29).

ـ “يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا” (النبأ 38).

هذا نموذج للآيات التي تبين أن روح الله من مخلوقاته وتتمثل وكذلك كلمته.

والخلاصــــة:

أن لفظ الجلالة الله يعبر عن ذات الله، لا مثيل ولا شبه ولا ند له جل وعلا.

الأسماء الحسنى، والروح، وكلمة الله (جميعها مملوكة لله) ككل شيء مملوك لله سبحانه وتعالى، فيمكن أن تمثل في أي صورة كما يشاء سبحانه فهي عطاء منه يهب أيا منها لمن يشاء.

فمثل نور الله المجعول منه الذي هو من عطائه نرى هذا المثل على أرض الواقع الملموس، مثله كنور إضاءة المصابيح، لأنه مملوك لله سبحانه وتعالى أيضا.

وأعتقد أن هذه نتيجة تظهر للمرة الأولى حية ومجسمة وينتج عنها تغيير رؤيتنا وموقعنا، لأن ذلك له تداعياته الجليلة المتتابعة، ليس على مستوى العالم الإسلامي المعاصر فحسب، ولكن على مستوى مستقبل العالم أجمع إن شاء الله.

وعليه يمكن أن نرى المشهد على النحو التالي:

الله فوق مداركنا، ولا يمثل بشيء.

وتعاملنا معه سبحانه من خلال اسمه الرحمن، الذي هو الرحم للرحمات الممثلة في الأسماء الحسنى، والتي هي سقف معارفنا وقدراتنا.

ويمكن أن نتخيل مستويين مختلفين بينهما حائل.

ومن الطبيعي أن الحائل يلامس كلا من المستويين أحدهما هو:

ما نحياه (الحياة الدنيا)، وعلى قمة هذا المستوى “المثل العليا”.

وكما قلت هي سقف معارفنا ولا نستطيع تخطيه إلى المستوى الآخر، وما بين هذين المستويين حائل “حجاب” هو تلك المثل العليا، أما المستوى الآخر فهو عالم الغيب، والذي يحده من أسفله “المثل العليا”، وهذه المثل العليا تنسب إلى المستويين فهي منسوبة لله تعالى من جهة الملكية “لله” وتنسب من جهة الإنسان والكون “بالتمثل”.

وكلما تمثلها الإنسان سما وارتفع.

ولما كانت تلك المثل منسوبة لكلا المستويين، فكان حتما أن تطلق “لله، ولمخلوقاته” للمستويين.

أما كيف ندعوه بها: فإذا ما أردنا القوة ندعوه بالقوي من خلال سعينا لامتلاك القوة، والعلم كذلك، وكل الأسماء الحسنى.

وأولا وأخيرا: حمدا وشكرا لله الذي أعانني على تقديم ما أعتقد أنه هام جدا.

وعلى الله قصد السبيل.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى